السكك الحديدية خيار أهملته الحكومات

 

لم ينتهج الأردن استراتيجية نقل اقتصادية واضحة سواء للركاب أو للبضائع، وما يزال حتى الآن يتخبط بطريقة واضحة تشير إلى خلل في دوائر صناعة القرار الاقتصادي في هذا القطاع.

اضافة اعلان

ورغم اتفاق الجميع على أن كلفة الطاقة المستوردة على الاقتصاد الأردني تمثل أحد التحديات الأساسية، ومع ارتفاع أسعار النفط وارتفاع كلفة استيراد حاجتنا منه، تبدو أهمية البدء بوضع خطة استراتيجية تمتد لسنوات نرى فيها السكك الحديدية تربط العقبة بعمان والزرقاء، خصوصا وأن خطط نقل ميناء العقبة في بداياتها، ويمكن أخذ ذلك بالحسبان.

لسنا بحاجة لتأكيد دور قطاع النقل في نمو الاقتصادات الحديثة، التي تمكنها من ربط مرافقها الإنتاجية بمرافقها التصديرية وبأسواقها أحيانا.

لقد أصبح النقل بأنواعه إحدى سمات الاقتصادات الحديثة المتطلعة للنمو، ونفذت الدول استراتيجياتها على مدى زمني متوسط وطويل نتيجة ارتفاع كلفتها التأسيسية. وبذلك أصبح العامل والموظف والطالب يصحو من نومه وفق برنامج معين ومحدد، يعرف متى يترك منزله ليصل إلى وسيلة النقل التي تتحرك بمواعيد محددة معلومة موثوقة، وبإمكانية التحاقه بوسيلة مواصلات أخرى ليكون في النهاية في مكان عمله أو قاعة درسه ومن دون تأخير، وكذلك في العودة إلى منزله.

ما تزال مواصلاتنا العامة للركاب داخل عمان وفي المملكة تتحرك وقتما يحلو لها، وتدخل إلى محطات وصولها وقتما يحلو لها، وتقف في كل مكان يحلو لها، وتسرع على الطرقات كيفما يحلو لها، وتتسابق على الطرقات وتتنافس على الركاب كيفما يروق لسائقيها وتتعامل مع ركابها كيفما يحلو لها، ومع عصبية السائقين التي نرى آثارها على الطرقات وانفعالاتنا وعواطفنا ونحن نحصي خسائرنا البشرية عليها، تجتمع اللجان لمعالجة حوادث السير وتخرج بتوصيات رفع الغرامة ورفع سن منح رخصة القيادة وغيرهما، لكننا لم نشهد خطة استراتيجية لنقل الركاب تأخذ بالاعتبار تأمين وسيلة المواصلات الحضارية التي تحوز على ثقة المواطن وتحل محل استعماله لسيارته الخاصة.

أما النقل التجاري للبضائع، فما نزال بعيدين عن مثل هذه الاستراتيجية، التي تأخذ في الاعتبار حصة كلفة النقل من إجمالي كلفة الإنتاج وتعزيز قدرة المنتج الأردني على المنافسة.

بل على العكس من هذا كله، نشهد تداخلات بالصلاحيات بين أمانة عمان وهيئة المواصلات العامة ووزارة النقل وغيرها من المؤسسات، ونشاهد ندوات ومؤتمرات تخرج بتوصيات ونسمع تصريحات ووعود لكننا لا نرى طحنا.

وقد شدني تقرير عن قيام دولة قطر هذا الأسبوع بتوقيع عقد مع شركة "دويتش بان" الألمانية لمد شبكة سكك حديدية تربطها ببعضها وتربطها مع البحرين بقيمة (25) بليون دولار، وسبق أن أعلنت المملكة العربية السعودية عن خطط مماثلة لربط مناطق المملكة بعضها ببعض.

لقد أهملت حكوماتنا المتعاقبة هذا الخيار، وغاب عن الذهن أننا الطرف الأضعف ضمن منظومة شركائنا التجاريين في الإقليم بمعيار توفير التمويل اللازم لمد السكك الحديدية، وبذلك يكون علينا أن نختار بين التأسيس لشبكة خطوط حديدية نراها تغطي المملكة في مدى زمني قد يمتد عشرين سنة، وبين تراجع تنافسية منتجاتنا وارتفاع كلف مواصلاتنا الإجمالية ما بين سيارة خاصة براكب واحد وتدني مستوى خدمات النقل العام المقدمة لمواطنينا.

رحلة الألف ميل تبدأ بالميل الأول، وقد سار الأردن فيها عندما بنى مطار الملكة علياء الدولي وها هو يقوم بتوسعته الآن، وبنى شبكة طرق برية يحسد عليها، ولا أدري ما الذي يمنعنا من السير في استراتيجية السكك الحديدية للركاب والبضائع حتى الآن؟؟؟.

[email protected]