الشيخ علي الحلبي يرد على أسامة شحادة: تحذير الأنام من الحزبية المنسوبة للسلفية والإسلام

 علي الحلبي*

ما يزالُ (الإسلامي الصحفي) أسامة شحادة –هداه الله - يكتب هنا وهناك وهنالك! وقد فََتَحت له  -وفُتِحت - بعضُ الصحف (والمواقع) صفحاتها! بما لا ضوابطَ شرعية له ترفعُه! ولا أسسَ علمية عنده تدعمُه!اضافة اعلان
ولو كان كلامُه في مقالاته  -هداه الله - يمثّل فيه نظرتَه الفكرية –أو الحركية! - الذاتية (!) للإسلام، لسهُل الأمرُ وهان! لكنّ الإشكالَ (!) أن هذا الكاتبَ يَظْهَرُ –أو يُظْهِر! - أنه (مفكر) -(سلفي!).
نعم؛ قد يكون عنده –وفقه الله إلى مزيد من الخير - بعضٌ من ذلك في جانب نقد الشيعة –وما إلى ذلك -مما له فيه  -فيما يظهر - قلمٌ (راصدٌ)! فنقول: بارك الله له في هذا الجهد الذي يكون  -فيه - عوناً لإخوانه (المسلمين). أما تدخُّله فيما لا يُحسن، وخوضُه فيما لا يدري –من دقائق المسائل - وباسم (السلفية!) - فهذا ما لا يجوز السكوتُ عنه بحال!
ومِن (أواخر!) ما أطلعني عليه بعضُ الإخوة الأفاضل –صبيحةَ يوم 29 حزيران 2012 - مقالٌ له في "الغد" بعنوان: "الإسلاميون والمرحلة الجديدة"!
وقد تطرّق في مجمل مقاله  -هذا - إلى فوز مرشّح (الإخوان المسلمين) في رئاسة الجمهورية المصرية، وما يدور في فلَك هذا الموضوع!
وقد أظهر في مجمل مقاله تفاؤلاً  -بهذا الفوز - زائداً على الحدّ (!!)؛ أشعر  -به - غيرَ الفطِن من قرائه (!) أن دولة الخلافة الإسلامية –المحلوم بها– وقد أنحى الفائزون بها(!) بعيداً بشعار(الإسلام هو الحل!)  -الذي عاشوا دهرهم كله من أجله يصيحون، بل يتصايحون به - قابَ قوسين، بل أدنى!
إضافةً إلى ما قدّمه –ما شاء الله لا قوة إلا بالله! - من نصائح وتوجيهات! لجماعة (الإخوان المسلمين) في طورها الرئاسي الجديد!
ثم؛ لو كان لتفاؤله المنفلت  -ذاك - ما يحملُ معه مقوّمات الواقعية الشرعية  -أو حتى السياسة الواقعية! -لشاركناه في تفاؤله (الزائد) ذاك! لكنْ!
نعم؛ نحن نشاركه في (بعضٍ!) من هذا التفاؤل؛ ولكنْ: على حذَر.. وتيقُّظ!
فالمسلمُ الصادقُ –جعلني الله وإياكم أيها القراء، والأخ أسامة كذلك - ليس بالخِبّ، ولا الخِبُّ يخدعُه! ويكفينا –معاشرَ المسلمين ولا أقول (الإسلاميين!) - عقودٌ وعقود من الخداع! والخديعة! والمخادعة! والانخداع!
ولنرجع إلى أصل هذا (الرد) وسببه؛ فأقول:
كل هذا  -من مقالات ومقولات الأخ أسامة - التي تكشف أكثرَ وأكثرَ عن حقيقة أفكاره وتطلُّعاته! مما لا ألتفتُ –كثيراً - له! ولكنّ الذي يجعلُني ألتفتُ  -ولو لم أُرِد الالتفات! - عباراتٌ من كلامه –غفر الله له -أيضاً هنا أو هناك! تدلُّ القارئ الواعي على حقيقة آرائه! وخَلْفيات أو خَلَفيّات أنظارِه!
فمثلاً؛ قال -من ضمن ما قال– في هذا (المقال) - مما هو صُلب هذه (الوقفات):
1 - "الدعوة السلفية تشهد حالة من التعدد حتى في المشرب نفسه (يكفي أن تطالع السجالات بين المنتديات السلفية "التقليدية" لترى حالة التشرذم والتفتت باسم محاربة الفرقة والحزبية!)!
فأقول:
أ - ليس كلُّ من قال (أنا سلفي)؛ فهو سلفي -على الحقيقة -!
السلفية تعرف بسلسلة علمائها، ووضوح منهجهم، وظهور دعوتهم، ونصاعة علمهم، وثبات مواقفهم.
ب - وصف (السلفية) بـ (التقليدية!) توصيف إعلامي هابط! لا يليق بمن يدّعي (السلفية)  -أيّة سلفية! - أن ينساق وراءه! أو يكرره! أو يردّده! فضلاً عن أن يحتفي أو يحتفلَ به!
ج - لم يُعطنا الكاتب –هداه الله - رأيه (الصريح)  -ولا أقول الصحيح! - بهذه (الحزبية!) التي أشار إليها! وإن كنا على يقين من معرفة رأيه –من قبل ومن بعد - ولو كان من تحت الطاولة!  -كما يحلو لك أخي أسامة أن تُوصّف!
د - نحن مع فتاوى علمائنا الكبار في نقد الحزبية والتحزب، ونبذ ذلك كله بصراحة ووضوح وظهور.
وأما من خالف ذلك؛ بادّعاء فاشلٍ مؤدّاه: أن مخالفته تورّث التشرذم والتفتّت! فهذا شأنه، وتصرّفه، وصنيعه! ونحن له رافضون، ولبلائه رادّون!
ولعلّ الأخ أسامة –سدّده الله - بعد وفي (المقال) نفسه يوضّح بعضَ ما لا يريد إظهارَه بصراحة! قال في معرض انتقاده ثم توجيهه! لجماعة (الإخوان):
2 - "حالة الحزبية المربكة في داخل الجماعة، والتي أصبحت تطرد الكفاءات (عبدالمنعم أبو الفتوح، محمد حبيب، إبراهيم الزعفراني، ومن قبل أبو العلا ماضي في مصر؛ أو عبدالرحيم العكور، وبسام العموش في الأردن)"!
قلت:
كأن الكاتب يريد أن ينعى على (الإخوان)  -فقط - الحزبية التي وصفها بـ(المربكة!)!
فأقول:
بربك –أصدق مع نفسك -: أين هي الحزبية (غير المربكة)  -إذن - سواءً عند (الإخوان) أو غيرهم؟!
فإذا كان هذا (الإرباك)، أو(الارتباك!)=(الحزبي) موجوداً وقائماً بين (الإخوان)  -أنفسهم - بعضهم مع بعض! فكيف حالُ –ولا أقول: سيكون! - (إرباكهم!) الحزبي مع السلفيين -إذن -؟!
أنظر شيئاً من الجواب عن هذا (السؤال!) من كلام الدكتور ياسر برهامي "نائب رئيس(!) الدعوة السلفية في الإسكندرية"؛ حيث قال  -في معرض تعليقه على سؤالٍ من أحد الحاضرين للقائه الأسبوعي - وذلك قبل شهر واحد من تاريخ يومنا هذا!  -حول ما قاله - قبلاً من: "أن (الإخوان المسلمين) إن تمكّنوا سيقضون على الدعوة السلفية!"؛ فأجاب:
"إن هذا الأمر عن تجربة في العمل مع (الإخوان)؛ حيث إنهم لا يحبون أيّ مخالف! فلقد تم رميُنا من المسجد لأننا نخالفهم! بالرغم من وجود اتفاق كان بيننا على عدم التعرّض والتضييق فى الدعوة!"!
يا دكتور ياسر: أي (اتفاق)، وأي (مواثيق)، وأي (عهود) مع الحزبية بأنفاقها، ونفاقها؟!
ثم قال الأخ أسامة –أعانه الله -:
3 - "إن جماعة الإخوان قد تكون معذورة في بعض هذا سابقاً بسبب الظروف والمناخات غير المواتية، لكنها اليوم وهي تتصدى لقيادة الربيع العربي عليها أن تضرب المثل بنفسها والقدوة لغيرها، بمراجعة مواقفها وأدائها ومنهج التفكير. وستجد عند ذلك الكثير من الأنصار والداعمين لبرنامجها من خارج الجماعة، كما حدث في دعم مرشحها الرئيس محمد مرسي".
فأقول:
معذورة في ماذا –يا رجل -؟! وأيّ ظروف ومناخات  -تلك - التي تتكلم عنها؟!
إن خلافَ علمائنا السلفيين –وموقفَنا بالتبَع - من (جماعة الإخوان المسلمين) ليس خلاف مواقف! أو ظروف! أو.. أو..  -بغضّ النظر عن التوصيفات والتسميات! - إنما هو خلاف منهجي، ومبدئي، وفكري –لا تفكيري! - وعلمي، بل عقائدي في بعض جوانبه!
فإن لم تكن تعلم – يا صديقنا القديم! - فاعلم...
ولقد أعجبني من الأخ الكاتب –كان الله له - قولُه في وصف (الإخوان) بـ(التصدّي لقيادة الربيع العربي!)!
فلا أقول إلا: اللهم بَصِّرنا بالحق، واجعلنا فاقهين له، داعين إليه؛ غيرَ عميان عنه! ولا معمّى علينا به..
فمن لم يميّز بين (الربيع!) و(الخريف)؛ ماذا نقول له -وفيه -؟!
متى كانت هكذا (السلفية) –يا رجل - ؟!
إلا أن تكون انصهاراً جديداً بين هيكلية (إخوانية) حزبية، وتزيينات (سلفية) صورية!! لن يُبقي (الإخوان) إخواناً، ولن يترك (السلفية) سلفيةً!
أما (محمد مرسي)  -بموقعه الرئاسيّ الجديد - ولو أنه تخلّى عن (إخوانيته) بالصورة!؛ فلا أقول له إلا: (أعانك الله)؛ فقد وقعتَ في (الفخّ!) ساعياً إليه برجليك! مقبلاً عليه بيديك! وعينيك! وأذُنيك!!
فاللهمّ لطفَك العظيم..
ثم قال الأخ أسامة:
4 -    "كم أتمنى أن يتعلم الإخوان من تجربة أربكان وأردوغان في تركيا، فلا ينكر سابقة أربكان وجهده إلا جاحد، لكن طريقة أربكان لم تبلغ هدفها بسبب معوقات داخلية عنده أكثر منها عوائق...".
فأقول:
تقصد: تجربة (أربكان) المنطلقة من فكره الصوفي (النورسي) -النقشبندي-؟ أم تجربة (أربكان) المتحالفة مع حزب "الطريق القويم" -العلماني -؟! أم تجربة (أربكان) المُفتَتَحة رئاستُه بزيارة قبر (الذئب الأغبر!)  -مع وضع إكليل الزهور عليه! - والتي تعهّد  -أثناءها - بالمحافظة على مبادئ تركيا (الأتاتوركيّة)؟!
... نعم؛ "لا ينكر هذه الحقائقَ"  -التي تكشف ما وراءها من الدعاوى والادّعاءات! - "إلا جاحد"!
أما الرضا بإسلام (باهت) –إعلاميّ، وإعلانيّ - حسبُ  -لا يُعرف منه إلا صورةُ حجاب نسائي منقوص -وما إلى ذلك -؛ فهذا ليس هو الإسلام السلفي الذي عرفناه، وتعلمناه، وندعو إليه!
نعم؛ لغيرنا أن يدعو إلى ما يهوى، وإلى ما يريد؛ ولكننا لن نسكت عن بيان حقِّنا التليد، والردّ على ما خالف مِن هوىً مَريد...
وبالرغم من هذه التنازلات (الأربكانية) –الكثيرة جداً - إلا أن "طريقة أربكان لم تبلغ هدفها بسبب معوّقات داخلية عنده أكثرَ منها عوائق..!"  -على حدّ وصف الأخ أسامة هنا وتعبيره -!
فكيف لو بَلَغَتْ (هدفَها) –والحالةُ
هذه -؟!
ولكن –بالله عليك -: ما هذا (الهدفُ)؟! وما صورتُه؟! وما حقيقتُه؟! وما الفرق –في ظل هذا الواقع - بين تلكم (المعوّقات)، وهاتيك (العوائق)  -المذكورة لفظاً! بلا جوهر ولا معنى؟!
ثم قال الأخ أسامة –هداه الله سبله -:
5 - "...ولذلك، على الإخوان أن يغادروا عقلية أربكان  -المتقوقعة بدون حاجة ماسة - في الوقت الذي يصفقون فيه لإنجازات أردوغان، حتى يكونوا منسجمين مع أنفسهم. مصر والعالم العربي يتميزان عن تجربة تركيا بأن الأنظمة فيها –غالبا– ليست علمانية متطرفة، والبيئة الدينية قوية وحاضرة كالأزهر، ويجب أن تكون تجربة أردوغان نموذجاً في الإنجاز السياسي والتنمية الاقتصادية وليس الاجتهاد الديني"!
فأقول:
لم يكتف الأخ الكاتب –هداه الله - بالتمنّي على (الإخوان) أن يتبنّوْا (تجربة أركان) -التي لو عرفها، وقال ما قال! لكانت مصيبة! ولو قال ما قال دون معرفة لحقيقتها وكنهها! فالمصيبةُ أعظمُ -: بل زاد على ذلك: الطلبَ "أن يغادروا عقلية أربكان  -المتقوقعة بدون حاجة ماسة -"!
.. فهل يريدهم  -إذن - أن يتجاوزوا تسيُّب التجربة (الأربكانية)  -التي حَوَتْ (بعضَ) ما ذكرتُ قبلاً - ليزدادوا تسيُّباً؟! أم يريدهم أن يَثْبُتوا على الحق الإيماني؛ بخلاف التسيُّب (الأربكاني)؟!
فإن كان الأولَ؛ فهذا كلامُ من لا يدري شرعاً، ولا يميّز سياسةً! وإن كان الثانيَ؛ فما فائدةُ النصيحةِ السابقةِ باقتفاء أثرِ (التجربة الأربكانية)؟! أم أنه الخلطُ والخبطُ  -شأنَ أهلِ السياسةِ وأربابها -؟!
ثم تكلم –سدد الله خُطاه إلى ما فيه رضاه - عن (الدعوة السلفية)؛ قائلاً:
6 - "هي اللاعب القوي الجديد على الساحة. وقد تميزت بالإنجاز اللافت في الوقت القصير الذي ظهرت فيه. وهذا بسبب القوة العلمية والمنهجية، والحضور الشعبي الممتد والطويل دون بحث عن أضواء الإعلام أو مناصب الساسة".
قلت:
الفقرة الأولى  -هنا - خطأ محض؛ فالدعوة السلفية دعوة أصيلة؛ ممتدٌّ جذرُها في عمق التاريخ الإسلامي –علم ذلك من علمه، وجهله من جهله، وكابَره من كابَره -.
أما الفقرة الثانية؛ فكلمة حق، نرجو ربَّنا الثبات عليها، وعدم الانحراف عنها، أو الانزلاق إلى ما يناقضُها  -تحت وطأة (خريفٍ) بعض من ما يزال العَشَى ضارباً على عينيه! ظاناً أنه (ربيع!) -!
ثم قال:
7 - "ومع ذلك، يجب أن تتنبه الدعوة السلفية في مشاركتها في الشأن العام فلا تتسرع في المشاركة لأن بعض السلفيين نجحوا في المشاركة في مكان آخر، بل على السلفيين الاستعداد والتحضير الجيد لذلك، كما عليهم أن يستعدوا لمواجهات طويلة مع الإعلام العلماني المنفلت، والذي يملك من المقدرات والفنية ما يقلب الليل إلى نهار".
قلت:
مصطلح (الشأن العام) مصطلحٌ هلاميٌّ! يفهمه كل أحد على وَفق ما يريد (ويهوى).. فإذا أريدَ به: السياسةُ، ودهاليزُها، وحلزونيّتها، وحزبيتها –سواء تحت الطاولة، أو فوقها -؛ فهذا شأنٌ لا ناقةَ للسلفية الحقة فيه ولا جمل!
وإن أريدَ به: مشاركة عموم المسلمين حاجاتِهم، وهمومَهم، ومشاكلَهم –بدءا من التعليم العقائدي والشرعي، وانتهاءً بالشؤون الاجتماعية الصِّرْفة، ومقاصدها الشرعية الصافية -؛ فهذا ما نسعى إليه جميعاً  -كلٌّ على حسب طاقته ووُسعه -.
وأما (الإعلام العلماني المنفلت)  -والاستعداد للمواجهات الطويلة معه -؛ فهذا أمرٌ لم ينقطع حتى يُستأنف! وما يزال السلفي الصادق في حرب طاحنة ضَروس مع هذا الصنف؛ رأسُها وأساسُها: تصحيحُ تحريفهم معانيَ الإسلام من الحقّ إلى الباطل؛ دون تلكم المناكفات السياسية! وهاتيك المنافسات الحزبية!
ثم قال –وفقه ربُّه -:
8 - "الدعوة السلفية يجب أن توازن بين المشاركة العامة وبين ميدانها العلمي والدعوي، والتركيز على تقديم الحلول للمشاكل التي يمكن حلها وتطبيقها، وأن لا تنشغل بقضايا نظرية لا يمكن علاجها الآن".
قلت:
لا مشاركة (عامة) للدعوة السلفية إلا في إطار (ميدانها العلمي والدعوي)؛ منه تنطلق، وإليه ترجع.
والتفريق بين الأمرين تلاعبٌ لفظيٌّ، لا يخلو أن يكون وراءه ما وراءه!
وفي اعتقاد كل سلفي واثق: أن هموم الأمة، ومشاكلها  -جميعاً - نابعةٌ من بُعدها عن الدين، وتابعةٌ لانحرافها عن سُنة سيد المرسلين، وراجعةٌ إلى تنكُّبها الحقَّ واليقين.
وهذا مَدارُ مَسارِ كل حل (صحيح) قابل للتطبيق  -بالحق إلى الحق -؛ دون إبر التخدير الموضعي (!) التي قد تؤدي إلى الإدمان –بلا أمان -!
9 -  وقوله  -بعد -: "وأن لا تنشغل بقضايا نظرية لا يمكن علاجها الآن":
ما المقصود به؟!
هل المقصود به: الإشارة (الإخوانية=الحزبية) إلى التهوين من جهود الدعوة السلفية في نشر العقائد الصحيحة في مسائل التوحيد، والإيمان، والقدَر، و.. و..؟! وهي المسائلُ التي يعتبرونها  -دائماً -: (قضايا نظرية لا يمكن علاجها الآن!) لكونها من (القشور!)  -على حدّ تعبيرهم -، ولأنها أَكَلَ الدهرُ عليها وشرب!  -كما هو تكرارُهم الفاسد كثيراً -!
فإن لم يكن هذا هو المقصودَ؛ فماذا إذن؟!
ثم قال متكلماً حول (الدعوة السلفية):
10 -    "ولتكن سياستها المبادرة إلى الفعل وطرح المشاريع".
قلت:
نحن نعتقد أن المشروع الحضاري الأعظم؛ الذي فيه صلاح الأمة وإصلاحها –شعوباً وحكومات، دولاً وأفراداً - هو دعوتُهم إلى الله، وتعريفه بحقه عليهم، وحقهم عليه؛ ليكونوا  -جميعاً - عباداً  -بحقٍّ - له –سبحانه وتعالى -؛ على ضوء كتاب الله  -تعالى -، وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم -، وعلى نسَق فهم سبيل المؤمنين الأولين.
ولا نُبالي –قليلاً أو كثيراً - فيمن طعن –أو غمز - بهذا المنهج السديد الأصيل؛ تحت عنوان وصفه بـ (الرجعية!)، أو (الانهزامية!)! فالجاهلون لأهل العلم أعداءُ –وما يزالون  -.
ولسنا نرى  -البتّة - أن مجرّدَ المشاريع (التنموية!)، و(الاستثمارية!)، أو (الاجتماعية!)، أو (الإغاثية!) -وما إليها  -على ما تُقدّمه للجمهور من نفع وفائدة مادّيّين - هي السبيلَ (الحقَّ) – ولا أقول: الأمثل! - الذي فيه صلاحُ الأمة وإصلاحُها –شعوباً وحكومات، دولاً وأفراداً -!
ثم قال الكاتبُ  -متمماً -:
11 -    "...بدلاً من أن يتم التلاعب بها بإثارتها وإشغالها بردّات فعل تورطها وتجرها إلى أفخاخ مقصودة لتشويهها وإلهاء الجماهير عن مسار الإصلاح الحقيقي".
فأقول:
من أكبر (الفخوخ) التي تُوقِع السلفيين (بردّات فعل تورّطها وتجرّها!) إلى الوقوع فيها؛ لـ(يتم التلاعب بها بإثارتها وإشغالها): مقالاتُ الذين يسيئون وهم يحسبون أنهم يحسنون!
وأفكارُ الحزبيّين الظالمين  -(المغلّفين) أو(المغفّلين)! - الذين يريدون تغيير صفحة الدعوة السلفية النقية، إلى صفحة مظلمة الجوهر، برّاقة المظهر!
وفعائلُ الذين يقدّمهم الإعلامُ (!) على أنهم سلفيون! وهم –في الحقيقة - عن ذلك بعيدون! مما سيكون –به ومن ورائه - خلطُ الأوراق! وتخليطُ الحقائق!
أما دعوى (تشويه "الدعوة السلفية" وإلهاء الجماهير عن مسار الإصلاح الحقيقي): فسببه الحقيقيُّ هو هذا الذي ذكرتُه  -أخيراً - من (مقالات!)، و(أفكار!)، و(فعائل!) المنسوبين –أو المنتسبين زوراً - للدعوة السلفية؛ بما يَشغلون دعاتها عن (مسار الإصلاح الحقيقي): إلى تعقّبهم، والرد عليهم، وكشف بواطيلهم! وأباطيلهم! فضلاً عن غيرهم مِن سوى أشكالهم –من صوفية، أو علمانية – أو غير هذا وذاك من صنوف الانحراف والخلل -وما أكثرَها -.
نعم؛ هذا هو (مسار الإصلاح الحقيقي)؛ تنفيذاً لقول رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم -، الذي بيّن لنا الطريق السابلة، بالحجة الماثلة، والأدلة الكاملة؛ في مثل قوله: "يَحْمِلُ هذا العِلُمَ مِنْ كُل خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ".
قال الإمام ابن القيم –تعليقاً على هذا الحديث -:
"فأخبر النبيُّ –صلى الله عليه وسلم - أن (الغالين) يحرّفون ما جاء به! و(المبطلون) ينتحلون بباطلهم غيرَ ما كان عليه! و(الجاهلون) يتأوّلونه على غير تأويله! وفسادُ الإسلام من هؤلاء الطوائف الثلاثة".
وهذا كافٍ –لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد -؛ ليعرفَ الفَرْق بين ما نحن عليه –من هدى مجيد -، وبين ما يُراد حَرْفُنا إليه –من باطل عنيد -! ونحن –بتوفيق رب العباد - لأهل ذاك (الفساد) بالمرصاد!
وما أجملَ –في هذا المقام - تذكيراً، وتقريعاً قولَ الإمام ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْري –رحمه الله -: "دَعُوا السُّنَّةَ تَمْضِي؛ لَا تَعْرِضُوا لَهَا بِالرَّأْيِ".
ثم قال الكاتبُ  -أخيراً! ولعله آخِراً! - متمّماً توجيهاته (!)، ووصاياه(!):
12 - "أما السلفيون الرافضون للمشاركة العامة والسياسية، فليستفيدوا من مكتسبات الحرية لصالح دعوتهم ونشرهم للعلم، بدلاً من المعارك الهامشية التي تعيق العمل وتفرق الصف باسم الوحدة وعدم الفرقة! وليكفوا سفهاءهم ممن يتنافسون على لقب مفتي الابتذال والشذوذ! فهذا خير لهم من افتعال قضايا هامشية بوجه الدعاة إلى الله".
فأقول:
لن تضيق (الحرية) المدّعاة –في عوالم (الربيع العربي!) وآفاقه، و(آفاته!) - عن دعوتنا، وبيان منهجنا، والاستمرار في بيان حقّنا، ونشر علومنا ومعارفنا وحقائقنا!
فنحن –بتوفيق مولانا العظيم جلّ وعلا - قائمون بدعوتنا، ثابتون على حقّنا  -من قبلُ ومن بعدُ -.. رضي من رضي، وأبى من أبى.
ولن نستغلّ  -البتّة - تلكم (الحرية)  -المدّعاة - التي نُؤزُّ إليه أزَّاً! على نسَق انتهازية أصحاب (الأجندات!)  -الخاصة - سواء كانت صنائعهم (الحزبية)  -الممنهجة! - من فوق الطاولة، أو تحتها!
أما (المعارك الهامشية)  -المدّعاة علينا - إن قَبِلْنا بهذا الوصفِ  -تَنَزُّلاً! -؛ فاعلم أخي  -هداك الله -: أن أكثرَ ما يدفعُنا إليها، ويحثُّنا عليها: إما (تَحْرِيفُ الْغَالِينَ)، أوَ (انْتِحَالُ المُبْطِلِينَ)، أوَ (تَأْوِيلُ الْجَاهِلِينَ)!
فلْيسمّها مَن أزعجتْه، أو ناله منها نصيبٌ –قلّ، أو كثُر - ما شاء أن يُسمّيها: (معارك!)، أو: (قضايا هامشية!)، أو: (معوّقات)؛ فلن يضرّ إلا نفسَه!
ولن يغيّر –بتلقيباته هذه، وتهويشاته تلك - مسارَنا المنهجي العلمي (النبوي=السلفي) الذي ظهرت علاماتُه، وتحقّقت أماراتُه، وانتشرت ثمراتُ، –بحمد الله وحده  -(والفضلُ ما شهدت به الغُرَماءُ)..
أما قول الكاتب  -بعد - عاطفاً على ما سبق نقضُه -: "...وتفرّق الصف باسم الوحدة وعدم الفرقة!"! فهذه شِنشِنةٌ نعرفها من أخزمَ –كما يقول العربُ -!
يا هذا: إن أسطوانة (الفُرقة)، و(التفريق)  -التي يُتهم بها السلفيون - أسطوانةٌ مشروخةٌ، مشدوخةٌ، مهترئةٌ! فلْيبحث الطاعنون عن غيرها، وليجتهدوا في ترداد غيرها؛ فقد ملّها ذوو العقل والنظر، وأبطلها الواقعُ الحقُّ ذو الوعظِ والمُعتبر.
ويكفي أن نتذكر وَصْفَ ربنا  -تعالى - للقرآن الكريم بـ(الفرقان)، وكذلك وصف الملائكة لرسولنا  -عليه الصلاة والسلام - بقولهم  -كما في "صحيح البخاري" -:" مُحَمَّدٌ  -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْقٌ (أو: فرّق) بَيْنَ النَّاسِ".
قال شيخُنا الإمامُ الألبانيُّ –رحمه الله - مُوضِحاً الحديثَ  -في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" - بما يدمغُ هذه الشبهة الهاوية، المتهاوية، الفارغة:
"ففي الحديثِ دليلٌ صريحٌ على أن (التفريق) ليس مذموماً لذاته؛ فتنفيرُ بعض الناس من الدعوة إلى الكتاب والسنة، والتحذيرُ مما يخالفهما من محدثات الأمور، أو الزعم بأنه: ما جاء وقتها بعد!  -بدعوى أنها تُنفّر الناس وتفرّقهم -: جهلٌ عظيمٌ بدعوة الحق، وما يقترن بها من الخلاف، والتعادي حولها –كما هو مُشاهَدٌ في كل زمان ومكان - سنةَ الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولا تحويلاً؛ "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ"".
فحسبكمُ هذا التفاوتُ بيننا *** وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ
إلا أن تكونَ أردتَ بهذا الزعمِ –غفر الله لي ولك -: ذلك الداعية(!) المتهافتَ على الإعلام! فقد كنا –ولله الحمد - مِن أوائلِ الرادّين عليه.
مع التنبيه  -ولا بد - إلى أنّ أية جرأة بطّالة –باسم (الدين)، و(السلفية) - لن تكون أقلَّ بلاءً ونُكراً من جرأته  -هداه الله - بل قد تكون أكثرَ! لملحظٍ –معذرة! - قد لا يُدركه أيُّ أحد، وهو: ما قرّره شيخُ الإسلام ابن تيميّة –رحمه الله - بقوله: "أَهْلُ الْبِدَعِ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي الشَّهْوَانِيَّةِ  -بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ -".
وهو القائلُ  -رحمه الله - أيضاً  -في كلامٍ مُسَدَّد عظيم -: "إَنَّ أَسْبَابَ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ: الْبِدَعُ فِي الدِّينِ، وَالْفُجُورُ فِي الدُّنْيَا..".