الضحايا المنسيون للحرب على الإرهاب

فتيان أفغان في مركز لتوزيع المساعدات الغذائية - (أرشيفية)
فتيان أفغان في مركز لتوزيع المساعدات الغذائية - (أرشيفية)

باتريك سيل*
(ميدل إيست أونلاين) 19/3/2013

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

 

اضافة اعلان

بعد شهر بالكاد من الهجوم الكارثي الذي شنته القاعدة على البرجين التوأمين في نيويورك وعلى البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) في واشنطن في 11 أيلول (سبتمبر) من العام 2001، قامت أميركا التي جن جنونها بمهاجمة أفغانستان وغزوها. وكان الهدف معاقبة أفغانستان على توفيرها المأوى لتنظيم القاعدة؛ المجموعة الإسلامية الراديكالية المسؤولة عن الهجوم الإرهابي غير المسبوق على الولايات المتحدة، والذي أفضى إلى مقتل حوالي 3000 شخص.
بكل التصميم على الانتقام، أعلن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الحرب الكونية على الإرهاب. وهكذا ابتدأ القرن الحادي والعشرين بتفجر كبير للعنف والعنف المضاد، اللذين لا يظهران بعد دزينة من أعوام سوى النزر اليسير من الإمارات على إمكانية التوقف.
وقد أفضت الحرب الأميركية على أفغانستان إلى تقسيم الكثير من أجزاء ذلك البلد، وقتلت مئات الآلاف من مواطنيه، وما تزال معاناته غير منتهية بعد 12 عاماً مرت على بدايتها. وبعد ذلك، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بمهاجمة العراق في العام 2003. وكانت المسوغات لشن الحرب متسمة بالكثير من الخداع، لأنه لم يكن للعراق لا ناقة ولا جمل في إرهاب القاعدة. لكن المحافظين الجدد المؤيدين لإسرائيل في الإدارة الأميركية انتهزوا الفرصة لتدمير بلد عربي ربما كان سيتحدى هيمنة إسرائيل الإقليمية. ومع حلول الوقت الذي انسحبت فيه الولايات المتحدة نهائياً من العراق في العام 2011، قدرت الخسائر المدنية العراقية بأكثر من مليون نسمة، فيما كانت الخسائر المادية جسيمة. وفيما البلد يصارع المهمة المؤلمة المتمثلة في إعادة الإعمار السياسي والفسيولوجي، سقط ضحية للمعارك السنية الشيعية التي تهدد بتمزيقه إرباً مرة أخرى.
ثم، في ظل حكم الرئيس باراك أوباما، استمرت الولايات المتحدة في قتل المسلمين الذين تعتبرهم معادين -في باكستان واليمن والصومال وأماكن أخرى في العالم- معولة في العادة على توجيه ضربات ضد الأهداف النائية باستخدام الطائرات من دون طيار. وثمة أعداد ضخمة من المدنيين الأبرياء كانوا بين الإصابات، مما حرض المشاعر المعادية لأميركا لدى أقارب وأصدقاء الضحايا.
وتهيمن هذه الأحداث والتطورات العنيفة في عموم الشرق الأوسط -وقد شرعت راهناً في التمدد إلى منطقة السهل في شمال أفريقيا (على مدار الأعوام الأولى من هذا القرن). وبطريقة أو أخرى، كان الذي قدح زنادها ثم أوجد التبرير لها هو هجوم 11/9 الذي شنته القاعدة على الولايات المتحدة. ومع ذلك، ثمة الحقيقة غير القابلة للإنكار، وهي أن الكثير جداً من ضحايا هذه الحروب الانتقامية كانوا من المسلمين الأبرياء الذين لم تكن لهم صلة بالقاعدة، وإنما اكتسحتهم عاصفة الجنون الأمني الذي تسيد الموقف آنذاك.
في الأعوام الاثني عشر الماضية، واجه العديد من المسلمين في بريطانيا وأميركا التفرقة والتحرش وأعواماً من السجن من دون محاكمة، فقط لأنهم مسلمون. وقد مرت الحرب السرية ضدهم في جزئها الضخم بدون ملاحظتها وبدون تغطيتها إعلامياً، لما يعود في جزئه الضخم إلى أن الرأي العام كان مغضباً آنذاك من عنف القاعدة. لكن مأزقهم -والأثر الكارثي الذي جرى عليهم وعلى زوجاتهم وعائلاتهم- استرعى اهتمام الكاتبة البريطانية فكتوريا بريتين وأيقظ ضميرها. ويعد كتابها، "حيوات الظلال"، الذي يتفحص أنواع الحياة المؤلمة لضحايا الإرهاب المضاد هؤلاء عملاً يحطم القلب ويغلب عليه الشغف والمهارات الاستقصائية الحذرة التي أكسبتها الشهرة في الصحيفة اليومية البريطانية "الغارديان".
وبغضب يكاد يكون مخنوقاً، تصف كيف شن جورج دبليو بوش ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير ما كان من الناحية الفعلية حملة صليبية ضد المسلمين -بما في ذلك الحق في الاعتقال والاحتجاز إلى أجل غير مسمى، أو إبعاد الأشخاص حتى لو لم يكونوا ارتكبوا أي جريمة، بالإضافة إلى المراقبة الهائلة للمساجد والمسلمين. وقد أصيبت بريطانيا؛ أوثق حلفاء أميركا، بالهستيريا التي دعت إلى إدانة العديد من المسلمين الأبرياء وزجهم في السجون لسنوات طويلة وتعريض عائلاتهم لتعاسة لا توصف.
وتقول فيكتوريا بريتين إن خليج غوانتنامو في كوبا كان "مركز الثقل لرد الفعل على هجوم 11/9 ويظل رمز انتهاك حكومة الولايات المتحدة وحلفائها ببساطة لنصف قرن من المعاهدات الدولية حول التعذيب وحقوق السجناء والتسليم الخاص بالمشتبه بهم". وباسم الأمن القومي، تم تمرير القوانين المعادية للإرهاب والتي أوقعت الظلم الجمعي. وتم اعتقال آلاف الرجال الذين كان العديد منهم أبرياء تماماً، فيما تصفه بأنه كان "حملة صيد واسعة في عموم الشرق الأوسط وباكستان وأفغانستان، ومن البوسنة إلى غامبيا". وتم إرسالهم إلى غوانتنامو حيث احتجزوا بعيداً عن سريان القوانين الأميركية، في ظل ظروف كانت تنطوي على انتهاكات فاضحة للقانون الدولي. وفي الأثناء، نحيت معاهدات جنيف جانبا. وكان التعذيب يمارس على نطاق واسع ومنهجي. كما تصف الكاتبة كيف كان الرجال في غوانتنامو "يجردون من ملابسهم ليصبحوا عراة أمام النساء، ويُزج بهم في حاويات متجمدة ويظلون مستيقظين لمدة 20 ساعة في اليوم"، وكانوا يخضعون لاستجواب متكرر. ويعد كتابها، في الحقيقة، اتهاماً جسوراً لوقاحة وحماقة الحرب على الإرهاب.
كان معظم الرجال في غوانتنامو قد احتجزوا هناك استناداً إلى خيط رفيع جداً من الأدلة. وكانوا ضحايا "قاطرة دعاية بخارية" من جانب حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإعلام الحليف. وقد أصبح إذكاء نار الخوف من المسلمين حرفة تمتهن. وحتى قبل 11/9 كان العرب والمسلمون في الولايات المتحدة ضحايا ما تصفه المؤلفة بأنه "مناخ عام مصنع من الخوف... وغالباً ما يرتبط بلوبيين فعالين وممولين جيداً ومؤيدين لإسرائيل".
ومن بين حالات الدراسة المضنية التي أجرتها فكتوريا بريتن، لدي مساحة لذكر اثنتين وحسب. كان غسان العشي رئيساً لأكبر جمعية خيرية مسلمة في أميركا، مؤسسة الأراضي المقدسة للإغاثة والتنمية، التي تتخذ من تكساس مركزاً لها. وفي تموز (يوليو) من العام 2007، اتهم هو وأربعة من زملائه في المؤسسة بتقديم "دعم مادي" لحركة حماس التي تصنف بأنها منظمة إرهابية. وكانوا قد أرسلوا 12 مليون دولار إلى غزة -معنونة إلى مجموعات دور للأيتام والرفاهية المجتمعية. ورغم أن المجموعات التي أرسلوا المساعدات إليها لم تكن مدرجة على أي قائمة إرهاب حكومية، زعم الادعاء بأنها كانت واجهات لحماس. وحكم على العشي بالسجن لمدة 65 عاماً. وكان التأثير على عائلته كارثياً.
واتهم سامي العريان، أستاذ الهندسة في جامعة ساوث فلوريدا والمدافع النشط عن الحقوق الفلسطينية في العام 2003 بتهم متعددة بتقديم "دعم مادي للإرهاب". وفي محاكمة جرت في العام 2006، وبعد ثلاثة أعوام تقريباً أمضاها في حبس انفرادي، برأته هيئة المحلفين من نصف التهم، بينما ارتبكت هيئة المحلفين بسبب الاختلاف على التهم الأخرى، حيث أراد عشرة أعضاء من الهيئة تبرئته في مقابل عضوين لم يريدا ذلك. وقد دخل في مساومة استئنافية على إحدى التهم ووافق على الإبعاد. وكان يجب أن يتم الإفراج عنه في العام التالي، لكنه اتهم عندها بتهمة ازدراء المحكمة عندما لم يذهب للشهادة في محاكمة أخرى. وفي العام 2009 أفرج عنه، وحكم عليه بالإقامة الجبرية في المنزل حيث لم يسمح له بمغادرة شقته سوى مرتين -لحضور زفاف ابنتيه.
وفي بريطانيا أيضاً، تم اعتقال العديد من الرجال بعد 11/9 كجزء من حملة استخباراتية عالمية ضد المسلمين. وجرى تصنيفهم على أنهم "يشكلون خطراً على الأمن القومي" واحتجزوا لأعوام في سجون أمنية مشددة تحت ذريعة وجود قرائن سرية لم يكشف النقاب عنها لمحاميهم ولم يستجوبوا حولها أو يتهموا بها أبداً. وكما تعلق فكتوريا بريتن، فقد "كان الاعتقال لأجل غير مسمى مثل التعذيب بالنسبة لهم، فيما توقفت الحياة بالنسبة لزوجاتهم".
يبقى كتاب "حيوات الظلال" كتاباً مهماً سيوقظ الغضب الأخلاقي لدى العديد من القراء -أو يدفع بهم إلى البكاء.

* كاتب بريطاني بارز حول الشرق الأوسط. أحدث كتاب له هو "الكفاح من أجل استقلال العرب: رياض الصلح وصانعو الشرق الأوسط الحديث". (مطبعة جامعة كامبريدج).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Forgotten Victims of the War on Terror

[email protected]