الضربة والورطة

يبدو أن العمل العسكري الذي تحضر له الولايات المتحدة ضد سورية منذ أسابيع، قد تم تأجيله إلى وقت كتابة هذه السطور على أقل تقدير، بعدما ربط الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قراره بالذهاب إلى الحرب بأخذ موافقة الكونغرس. وهنا فإن المسألة ليست تحصيل حاصل فيما يتعلق بموافقة الكونغرس، بل في تداعيات تأجيل الضربة بضعة أيام، مع ازدياد الانكشاف السياسي والاستراتيجي للموقف الأميركي.اضافة اعلان
انفرط عقد التحالف التقليدي الذي عادة ما يوفر الغطاء الدولي للولايات المتحدة في أعمالها العسكرية؛ بدءاً من مفاجأة مجلس العموم البريطاني الذي رفض تفويض رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي كان يتوعد بأنه سيذهب إلى الحرب ولو وحيدا، مرورا بمواقف كل من ألمانيا وإيطاليا الحذرة من أي عمل عسكري في هذه المرحلة، ما يعني عمليا أن الضربة المخطط لها أصبحت ورطة للولايات المتحدة، أكثر من كونها دبلوماسية مكثفة وثقيلة.
ويبدو أن مرور الوقت يزيد من تعقيد الموقف مع ازدياد حجم التراجع في مواقف المجتمع الدولي، ومع ازدياد مؤشرات رفض الرأي العام، في أكثر من دولة من دول صنع القرار، لأي تدخل عسكري. وسوف تزداد الأمور تعقيدا إذا تأخرت الضربة العدوانية إلى يوم الأربعاء المقبل، إذ ستكون المسألة السورية على طاولة اجتماع قمة العشرين. كل ذلك يأتي مع النتيجة المتوقعة لتقرير المفتشين الدوليين الذي ستكون أهم نتائجه إثبات استخدام الأسلحة الكيماوية، ولكنه لن يتهم أيا من طرفي الصراع؛ لا القوات السورية النظامية، ولا المعارضة المسلحة.
هذه الورطة سوف تدفع الولايات المتحدة ربما لإجراء مراجعة، ليس لقرار توجيهها للضربة العسكرية من عدمه، وهو الأمر الذي حسمه الرئيس الأميركي، بل ربما للأهداف التفصيلية للضربة، بما يضمن تداعياتها، ويوقف التشكيك في جدواها ونتائجها في اليوم التالي. إذ إن الوضوح الأخلاقي هو المقصد من المنظور الدولي في هذه اللحظة؛ فما يزال شبح الحرب على العراق ماثلا وبقوة، والضربة التي لن تحسم الصراع ستزيد النظام قوة.
عمليا، ستجد الولايات المتحدة نفسها في ورطة حقيقية إذا ما استباحت دمشق وضربت القدرات الدفاعية للنظام، وفتحت المجال أمام القوى المتطرفة لقلب ميزان القوى الداخلية، وضاعت القوى الليبرالية والعلمانية في ضجيج المعركة. وهو المعنى الذي تعبر عنه معظم القوى الغربية بأن الائتلاف الوطني السوري لا يشكل معارضة جديرة بالثقة، وليست لديه القدرة، على المدى المنظور، لتوفير بديل للنظام، والأهم من ذلك قوة على الأرض. وقد كان ذلك واضحا في تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة في باحة قصر الإليزيه، حينما استقبل زعيم الائتلاف أحمد الجربا، الأسبوع الماضي.
المشكلة الكبيرة في تداعيات المسألة السورية هي إذا ما اكتشف العالم في اليوم التالي أن "الضربة الإنسانية" التي يفترض أن تأتي ردا على قتل الأطفال، قد أخطأت أهدافها على الأرض، أو فتحت المجال أمام بروز قوة قتلة آخرين.