النوايسة يحاضر عن أهمية الحفاظ على التراث غير المادي

(من اليمين) د.سلطان القسوس ود.حكمت النوايسة - (تصوير: محمد مغايضة)
(من اليمين) د.سلطان القسوس ود.حكمت النوايسة - (تصوير: محمد مغايضة)

عزيزة علي

عمان - تحدث مديرُ مديرية التراث في وزارة الثقافة، د.حكمت النوايسة، عن أهمية الحفاظ على التراث غير المادي للشعوب، لأنه يسهم في خلق الحوار الحضاري الإنساني، وتنحية التشوهات غير الطبيعية التي أوجدها السباق غير الطبيعي على السيطرة على شعوب تحتاج إلى ترويض، بوصفها آخرَ غيرَ ندٍّ، وليس له مكانة في الصف الأول للبشرية، بوصف ذلك الصف في قمة الهرم وفق تراتبية "داروينية" وليست جوارا إثرائيا للتجربة الإنسانية.اضافة اعلان
وأكد د.النوايسة في الندوة التي نظمها المركز الثقافي الروسي أول من أمس، وأدارها د.سلطان القسوس، أننا بأمسّ الحاجة إلى تعزيز الهويات الوطنية والقومية غير القاتلة، أي الهُويات التي تقبل الشراكة في إطار التنوع، وتنظر إلى التنوع بوصفه القانون الطبيعي الذي يعطي للحياة أفضيلة، ويحيي ثقافات اليأس واقتصادياته، في مواجهة "ماكنة التشييء" التي تقودها شركات المجمعات الصناعية القارية.
وأضاف النوايسة أن هذه الشركات تعمل على صناعة ثقافة سطحية متبدلة مع كل تطوير للمنتج الصناعي، التقني، وما تمليه من تمييع للأبعاد الجغرافية في حلقة من الوهم الذي يتبدد لحظة انقطاع الكهرباء، أو أي خلل في النظام الطبيعي الذي تستغله القوى الصناعية/ العسكرية لتشويه الإحساس الطبيعي بالأفق الحيوي.
وأوضح المحاضر المقصود بالتراث الثقافي غير المادي وفق اتفاقية اليونسكو للعام 2003، وهو "الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، وما يرتبط بها من آلات وقِطع ومصنوعات، وأماكن ثقافية تعتبرها الجماعات، والمجموعات، وأحيانا الأفراد، جزءا من تراثها الثقافي".
وتابع النوايسة قائلا إن هذا التراث الثقافي غير المادي، المتوارث جيلا عن جيل، تُبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة، بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز من ثم احترام التنوع الثقافي، والقدرة الإبداعية البشرية".
وشدد المحاضر على أن هذا التراث يشكل في تكامله في الإطار الوطني، الخلفية الاجتماعية والثقافية لصياغة الهوية الوطنية والقومية لأي أمة من الأمم، فضلا عن كونه شاهدا حيا على قدرة الإنسان على الإنتاج في الظروف المختلفة، "الإنتاج الثقافي والمادي".
وأشار النوايسة إلى أن هذه الخلفية ذات البعد الجدلي، هي التي تصوغ وجدان الناس تجاه الحياة وتفصيلاتها، إذ إن كثيرا من الباحثين يؤكدون العلاقة الجدلية بين المشكلات التي تواجهها الجماعات الإنسانية، وتشكيل ثقافتها، مشيرا إلى أن تفهم التراث الثقافي غير المادي هو تفهم لقدرة الإنسان على إنتاج أدواته، وإنتاج مفردات البنية الفوقية. وتحدث المحاضر عن العلاقة بين التنمية البشرية والتراث الثقافي غير المادي، مشيرا إلى أن هذه العلاقة هي البحث عن مفردات الهوية التي تساعدنا على الإنتاج المفارق، وإنتاج الاختلاف، الذي يحد من تغوّل الصانع المغالي في الترف.
وتحدث النوايسة عن نمط الإنتاج الآسيوي الذي أصبح نمطا ثقافيا، مشيرا إلى أنه ضرورة بالأصل، أصبح مع الزمن أفضل أنماط الاقتصاد في مواجهة التقلبات الكونية في الاقتصاد، التي تنتج في الأغلب عن عبث الصناع، ومضارباتهم.
وأشار المحاضر إلى أنه لا تنمو البشرية من دون أن يكون الإنسان ورفاهه من أولوياتها، لافتا إلى أن التنمية التي تؤجل إنسانية الإنسان تنمية مشوهة قادت، وستقود إلى الفشل، ومن ثم العودة إلى المربع الأول، وإلى أسئلة الأهداف الأولى للحراك البشري على الأرض.
ورأى النوايسة أن علاقة الفرد بالجماعة هي علاقة حاجات، وقوانينها تتم بتواطؤ تفرضه التجربة الحيوية، مبينا أن تحديد علاقات إنتاج "شبه طبيعية" هي المؤهلة لأن تستمر، ولأن تبني تراكما حضاريا. أما علاقات الإنتاج القادم من آخر يملك الحقيقة المطلقة، إلى آخر "هو ليس أنا وليس مثلي، وأنا أعلى منه" فهي علاقات سوف تورث التشوه الذي يقود إلى الهزات الكبرى التي تعيد، وفق القاعدة التي تقع خارج نطاق الانتخاب الطبيعي، توزيع الأدوار الحضارية.

[email protected]