تعيينات النواب.. وتواطؤ الحكومة

لم تمض أيام كثيرة على تصريح رئيس الحكومة بأن لا فساد في البلاد خلال سنوات ولايته، حتى طفت على السطح قضية تعيينات 109 أشخاص على كادر الأمانة العامة لمجلس النواب من دون التقيد بقواعد التعيين المعمول بها. فالموظفون الجدد انضموا لكوادر الخدمة العامة عن غير طريق ديوان الخدمة المدنية المخول بتنظيم وضبط إجراءات الاستخدام، بما يكفل العدالة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين.اضافة اعلان
أعداد كبيرة ممن جرى تعيينهم أقارب من الدرجة الأولى والثانية لعدد من النواب، وجميعهم جرى تعيينهم بتدخل مباشر من النواب، من دون وجود حاجة حقيقية لخدماتهم. ونسبة من المعينين الجدد لا مؤهلات لديهم؛ فهم أبناء نواب لم ينجحوا في الثانوية العامة، وآخرون لم يحن دورهم للتعيين.
خطورة ما حصل أنه فعل قامت به السلطة التي اختارها الشعب ووثق بها لتراقب الحكومة وتدافع عن حقوقه في حال تعرضت للانتهاك أو التعدي. فالفعل يؤشر على الحالة التي وصلنا إليها؛ نوابا وحكومة وشعبا.
إذ إن النواب الذين ينهضون بالدور الرقابي هم من اخترقوا القواعد، ورئاسة المجلس استجابت لتوسطات الأعضاء، والحكومة قبلت على مضض قرار رئاسة المجلس، فعبرت عن أنها تعي أن القرار لا يتفق والقوانين، لكنها مررته. أي إن هناك توافقا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على تجاوز القانون.
في الحقيقة، هي ليست المرة الأولى التي تتوافق فيها هاتان السلطتان على تجاوز القواعد المعمول بها؛ فقد قام رؤساء مجالس أعيان ونواب سابقون بتعيين العشرات قبل انتهاء مدة ولاية مجالسهم، وفق أسس غير تلك المتبعة عند تعيين غير أبناء وأقرباء النواب والأعيان. وفي كل مرة، كانت القرارات بعيدة بعض الشيء عن اهتمام الإعلاميين وتحليلاتهم.
لكن الجديد هذه المرة هو أن قرار تعيين الموظفين يتزامن مع سيل التعيينات التي أجرتها الحكومة من دون الالتزام بشروط وقواعد التعيين التي قالت إنها ستلتزم بها، والمتمثلة في مرور المرشحين على لجنة وزارية تقابلهم وتقيم سيرهم الذاتية ووقع تعيينهم على الشارع الأردني والمؤسسات التي سيحلون فيها.
القراءة التي قام بها العديد من النواب للتعيينات الحكومية في المواقع العليا لا تخلو من التلميح إلى وجود اعتبارات سياسية واضحة؛ فقد قيل عن تعيين أشخاص في مواقع استشارية وأخرى قيادية، لغايات انتخابية.
في التسريبات المتبادلة للمخاطبات التي جرت بين رئيسي الحكومة ومجلس النواب، إشارات واضحة إلى تبادل الاتهامات بخرق القواعد المتبعة من قبل الطرفين، الأمر الذي يؤجج الإحباط في نفوس المواطنين الذين باتوا لا يثقون بصحة القرارات ومبرراتها. وكل ذلك يأتي وسط إحساس الناس بقرب الانتقال إلى فصل جديد في الإصلاح السياسي، من خلال انتخابات نيابية بموجب نظام القوائم النسبية، بما يقود إلى التطبيق التدريجي للحكومات النيابية.الفصل الأخير في العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب الحاليين يلقي بظلاله الثقيلة على نفوس المواطنين المتعبة، فيُضعف الثقة بسلطات الدولة، ويبعث الشك والريبة في كل خطابات النزاهة والشفافية والبيانات التي لم تعد تقنع حتى الذين يقومون على  صياغتها.
الحديث عن الإصلاح والانتخابات وبناء قيم العدالة وتكافؤ الفرص والمساواة، لا يجدي مع استمرار وجود هذه الممارسات، ومن دون اتخاذ إجراءات حاسمة تثبت جدية الدولة في مكافحة كل أوجه الشللية والواسطة والمحسوبية واستثمار الموقع العام لمصالح شخصية، وغيرها من المظاهر التي أصبحت تعكس نفسها على العديد من أوجه حياتنا.