حين كان شكسبير في مدارس الحكومة

مالك العثامنة أنا من جيل كان منهاج اللغة الانجليزية فيه يتضمن رواية جورج اورويل العظيمة (Animal Farm). ومما يعلق في الذاكرة من ذات منهاج الانجليزي اننا درسنا قصيدة لشكسبير (إي والله شكسبير نفسه كنا نقرأه بلغته الأصلية في المدرسة الحكومية) ومقال باللغة الإنجليزية كتبه الراحل محمد حسنين هيكل عن تصورات الحرب العالمية الثالثة! أنا من جيل كان يدرس القضية الفلسطينية في كتاب محكم الاعداد للراحل الكبير ذوقان الهنداوي، ومن مناهجه كان يناقش في التاريخ قضايا مركبة مثل “المسألة الشرقية”، عبارة اصطلاحية معقدة يتم تدريسها في تاريخ سياسة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية. أنا من جيل كان الشعر ليس محفوظات باردة وحسب، بل نصوص منتقاة بعناية وذوق رفيع، وكانت البلاغة مساقا مستقلا بذاته نتذوق فيه حلاوة بيان اساطين الادب منذ كان امرؤ القيس يومه خمر وغده أمر، مرورا بعمر بن ابي ربيعة وتشببه بهند التي ليتها انجزت ما تعد، وليس انتهاءً بالعقاد وطه حسين والمازني وكانت فدوى طوقان تمهيدا لفهم محمود درويش وسميح شقير في ادب المقاومة الفلسطينية، ولفنون عروض الشعر كان هناك كتيب لونه ازرق، وكان عندي احلى ما أملك.. وقد علمني ان الكلمات موسيقا، والجمل نوتة لحنية مكتوبة. أنا من جيل كانت الاحياء فيه مساقا مستقلا عن العلوم، وكان الكتاب يتركك امام اسئلة بحجم الكون لتفكر وتستخدم مخك. تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ لقاء “مجالس الغد” الذي رتبته جريدة الغد مع الدكتور عزمي محافظة رئيس المجلس الأعلى للمركز الوطني لتطوير المناهج ( لماذا لا تتم تسميته بمركز المناهج الوطني وحسب؟)، وفي حديث هذا الرجل العالم المهذب والمثقل بالمعرفة كان هناك وجع شديد في عدة محاور يمكن تلمسها في كل حديثه، ليس بدءا من قلة موارد المركز الذي يعمل بكامل طاقته “وهي محدودة جدا” ولا انتهاءً بكمية المعوقات التي تصادف عمل الفريق وهم في سباق مع زمن لا يتوقف، وحالة تفريخ مستمرة للعبث التعليمي الراهن. أكثر ما لفت انتباهي في حديث الدكتور المحافظة تطرقه لجوانب قصور المركز في الوصول للإعلام، وبصراحة أجد أن الإعلام هو الذي كان وما يزال مقصراً في الإضاءة على عمل هذا الفريق الذي يقاتل على أخطر جبهة في الأردن وهو يدخل مئويته الثانية: جبهة الوعي والمعرفة. حديث الدكتور المحافظة ذكرني بعتب مشابه حمله لي أكاديمي عالم آخر قبل سنتين محاورا له في سياق مقال سابق لي في منبر الحرة من واشنطن، وحينها مرر لي بأدب الدكتور أسامة عبيدات الرئيس التنفيذي لأكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين أنني “لحظتها” كنت الصحفي الوحيد الذي تواصل مع الأكاديمية!! وكنت قد هاجمت الأكاديمية لاعتبارات غير موضوعية سابقة لحديثي معه، خاضعا في مقال الهجوم لاعتبارات شعبوية مستقيا “معرفتي” من وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت إعلاما بديلا ومناهج معرفة بديلة في زمن الخواء الذي نعيشه. حديث الدكتور المحافظة لا يمكن تلخيصه في مقال، لكن المحاور التي طرحها دعوة مفتوحة لي ولكل زميل للحديث الطويل عن ضرورة دعم عمل فريق المناهج، والذي أرى فيه الخطوة الأولى والأهم والتأسيسية لإعادة تأهيل الوعي وإعادة بناء الدولة. أعود بذاكرتي لكل ما تعلمته في مدارس الحكومة على أيامي، ورغم القصور الذي كان بالمناهج إلا أنني وقياسا على ما أراه اليوم من مخرجات تعليم فإنني أقر بأنني مدين جدا لكل تلك المعرفة، وآسف انها استبدلت بالتنجيم والشعوذة والميوعة الحداثوية. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان