سر الشقاء الفلسطيني الدائم

لماذا توجد هذه الهوة المتسعة والعميقة بين الشعب الفلسطيني وبقية العالم، وبخاصة بينه وبين الغرب؟
الجواب معروف لمن يذكرون أو يتذكرون: لأن الشعب الفلسطيني يعيد الجميع إلى نقطة البداية؛ إلى أصل الصراع وجوهره في كل مرة، وهو اغتصاب الغزاة اليهود لوطنه وتشريده منه، ويريد العودة إليه أو استعادته. وهي حقيقة يومية صارخة بالنسبة إليه لا يمكن أن ينساها أو أن يتجاهلها، لأنه يعيشها وضحيتها، وإن نسيها العالم أو تجاهلها بتركيزه على الواقع الأخير أو الجديد من تداعياتها.اضافة اعلان
يحاول الفلسطينيون في كل مرة أو جولة جديدة من الصراع مع "إسرائيل"، تذكير العالم بهذه الحقيقة وإعادته إليها. ولكنهم يجدون آذاناً صماء وعيوناً عمياء وذاكرة ملغاة، تحاول فرض الواقع الإسرائيلي الأخير أو الجديد عليه، وأن إسرائيل دولة قائمة ومعترف بها دولياً، ولا يمكن المساومة على ذلك.
إن أميركا البيضاء بالذات، أو إسرائيل الكبرى، هي الأشد مقاومة أو رفضاً للحقيقة الفلسطينية، وبالتالي الأشد عداء للشعب الفلسطيني، لأنها هي نفسها تكونت بالطريقة نفسها التي تكونت بها إسرائيل، وترى تمسك الشعب الفلسطيني بهذه الحقيقة رفضاً لها ولتاريخها أيضاً أو عدواناً عليهما. إن الفلسطينيين في نظرها ليسوا سوى نسخة أخرى من الهنود الحمر الذين يجب أن يبادوا أو يُجمعوا في محميات ومعازل بعيداً عن أميركا الصغرى، فلا تستطيع أبداً التحلي بالعدالة والصدق والنزاهة والشرف في التعامل مع قضية فلسطين.
ويزداد التناقض ويشتد بين الشعب الفلسطيني والعالم بمرور الزمن، وبخاصة مع الغرب وبصورة أخص مع أميركا وأوروبا، بحضور القضية الدائم عند هذا الشعب وغيابها عندهم، مما يزيد من شقاء الفلسطينيين وعذابهم، لأن الحوار مع الغرب يصبح أشبه بحوار طرشان فلا أحد يفهم عليهم أو يستمع إلى روايتهم، أو يقرأها، وكأن قضيتهم سر لا يدركه غيرهم، حتى العرب الذين تسببوا بضياع وطنهم مرتين بهزيمتهم أمام المعتدين الغزاة اليهود مرتين، لأن الجميع ينطلقون للأسف في كل مرة من الواقع الأخير أو الجديد الذي جرتهم إسرائيل/ أميركا الصغرى إليه وحشرتهم فيه.
إنه عالم يعرف ويحرف: فمن جهة يُعامِل الفلسطينيين كلاجئين محرومين أو منبوذين في الخيام والمخيمات ومحاصرين حتى الموت براً وبحراً وجواً في قطاع غزة، ومن جهة أخرى يصر عليهم الاعتراف بإسرائيل وبحقها في الوجود، وإنْ على حسابهم وفوق وطنهم المغتصب، مما يجعل الصراع لولبياً (Spiral) "وسلام" (؟) الأيدي والعقول والقلوب بين الجلاد والضحية مستحيلاً.
ويشتد شقاء الفلسطينيين بالإعلام الكاذب الذي يتناول الواقع الأخير أو الجديد لتداعيات القضية ويركز عليه، بعيداً عن أصل الصراع وجوهره. وما أمهر وأقوى الصهيونية في توجيه هذا الإعلام، بل في صياغته لتغييب الأصل والجوهر، وفي إغراق العالم بالواقع الأخير أو الجديد، وسوقه إليه كالقطيع. وبذلك، يصبح هذا العالم في نظر الفلسطينيين بحاجة إلى الغسيل والكي من آن إلى آخر ليستقيم، وبخاصة للعرب الذين ينتقدون مقاومة غزة ويؤيدون إسرائيل ويدعونها لسحقها، لكن المقاومة مستمرة وتعيدهم في كل مرة إلى البداية.
إن الفلسطيني يسأل ويتساءل: ماذا يفعل الأوروبي أو الصيني أو الهندي أو الروسي، أو الكونغولي أو الجنوب أفريقي.. إذا اغتصب غزاة من وراء البحار أرضه ووطنه، وشردوه منهما وأنكروا حقه في العودة إليهما وواصلوا إذلاله وأصروا على إبادته؟ ألا يكون مجبراً عندئذ أو بعدئذ على أن يكون "إرهابياً"؟! إن الحيوانات تدافع عن أوطانها، أفلا يدركون؟!
وختاماً نقول: طوبى لغزة، المجد لغزة مهما كانت النتائج، فالتاريخ سيسجل أنها صمدت أمام العدوان الإسرائيلي الهمجي الوحشي عليها، وردت عليه وخسّرته وأقلقته أكثر مما فعل جميع العرب في حرب حزيران 1967 التي لم تدم سوى ست ساعات لا ستة أيام. ومع هذا فلبعضهم عين يفتحونها في وجه هذا الشعب المنكوب ويمنون عليه صباح مساء بالتضحيات الجسام التي قدموها لفلسطين. ولهؤلاء نقول: إذا كانت تلك التضحيات واجباً قومياً أو دينياً، فلم تمنون على "الأشقاء" الفلسطينيين بها؟ وإذا كانت تبرعاً أو لوجه الحق، فاصمتوا لأن فلسطين ما تزال مغتصبة، وعلّموا أجيالكم عن قضيتها، ليكفوا عن مضايقة الفلسطينيين وإقصائهم ومطاردتهم ومعاملتهم كغرباء أو أشرار لأنهم "ضيعوا" وطنهم! وبالمن عليهم تعلنون أن الواقع (إسرائيل الآن) هو الحل النهائي.