في التعصب والتطرف

قديما، قال الشاعر إن "الحرب مبدأها كلام". قد تكون هذه العبارة صالحة للحديث عن الأفراد والجماعات، فحين يغيب الحوار الهادئ والتفهم، تصبح الخيارات مفتوحة على اتساعها. اضافة اعلان
في العلاقات الشائكة بين الأفراد والجماعات، ثمة لحظات من التصادم، والتي لا تتيح، في كثير من الأحيان، فرصا لدراسة المواقف، ما يجعل تلك اللحظات، تؤسس لصدام من نوع آخر قد يصل إلى وضع شائك لا نستطيع معه الاستدارة إلى الخلف.
هذا هو المفهوم المبسط لغياب الحوار والتسامح، ولكن ثمة مفهوم أكثر عمقا وترسيخا، حين تكون الإدانة سمة ثقافية مجتمعية، تضم أمة بأكملها أسست مفهومها للذات وللآخر على أساس شوفيني، ما جعلها لا ترى الآخر إلا بعين الصغر.
العالم العربي يعيش اليوم أزمة حقيقية في تقبل الآخر، مهما كان ذلك الآخر، سواء كان خارجيا، أو الآخر الداخلي المختلف في المذهب أو الرأي، أو غيرهما.
في حالة مزرية من التفتت الطائفي والقبلي والجغرافي، يسير العالم العربي اليوم في طريق مظلم، لا يكاد يبين أي معلم فيه، فيما العالم بأسره يتصرف بحرية، وبحسب مصالحه، في معظم الشأن العربي الذي تغيب عنه اليوم أي ملامح لعمل مشترك، كما يغيب التخطيط للمستقبل الذي يبدو رماديا في ظل الحروب الدائرة في المنطقة، وحالة الاستقطاب الدائرة في كل بلد.
الوضع الراهن وصلنا إليه في طريق طويل، ارتضينا خلاله التنازل عن أهم آليات التواصل، وهو الحوار العقلاني، وأسسنا لديكتاتوريات حقيقية، ليس فقط سياسية، بل أيضا ديكتاتوريات اجتماعية ودينية، حتى أننا ربينا في داخل كل منا ديكتاتورا يرفض الآخر وفكره وعقيدته، وهكذا وصلنا إلى مرحلة التعصب التي قادتنا إلى التطرف بكل يسر.
تنظيم الدولة الإسلامية لم يكن خارج سياق الثقافة التي أنشأناها وباركناها وحرصنا على ديمومتها، فهو ابن تلك البيئة التي شددت على أن الحقيقة واحدة، وهي التي ينبغي أن تسود، وأن يختفي جميع ما عداها.
هذا الفهم هو ما يسوّغ لهذا التنظيم المتطرف أن يرتكب مجازر شبه يومية، يذهب العشرات ضحية لها، ومن جميع الجنسيات والطوائف والأديان.
الحرب التي تشن اليوم على هذا التنظيم، لن تستطيع استئصال الفكر الذي نشأ فيه. قد تستطيع الحرب أن تقضي على هذا التنظيم بالذات، ولكن كم سننتظر قبل أن يخرج تنظيم آخر أو جماعة أخرى، وبمسميات أخرى، ولكن بالأدوات الثقافية نفسها لـ"داعش".
الحرب التي ننتظرها لا بدّ أن تكون على الثقافة؛ الثقافة التي تؤمن بالأحادية ورفض الآخر وتزدري الحوار وتنحاز إلى الكراهية والعنف. إنها حرب اجتماعية لا بدّ أن يخوضها المثقفون والكتّاب وعلماء الاجتماع والساسيون لتطهير المجتمع من العفن الفكري.