كارثة تعليمية في البادية والأغوار








ليس من الإنصاف، ولا المنطق، القول إن التشدد في إجراءات وزارة التربية والتعليم في امتحانات شهادة الدراسة الثانوية العامة "التوجيهي" في الدورة الأخيرة، هو السبب وراء رسوب كامل طلبة 13 مدرسة في الأغوار، و25 مدرسة أخرى في البوادي.اضافة اعلان
وبالرغم من أن نتيجة طلبة هذه المدارس تعد كارثة تعليمية حقيقية، وأمرا مؤسفا، بما يستدعي وقفة حقيقية من كل المعنيين بالقطاع التربوي والتعليمي، إلا أن ربط ذلك بإعادة الهيبة لـ"التوجيهي"، ووقف استباحة حرمته كما كان يجري في السنوات القليلة الماضية، أمر فيه ظلم للحقيقة، ولا يمكن قبوله وفهمه.
ثمة أزمات مركبة في العملية التعليمية والتربوية، تفاقمت وترسخت على مدى العقدين الماضيين، وطالت بشررها وآثارها السلبية التعليم بمختلف مراحله؛ المدرسي والعالي الجامعي. وهي أزمات لها أسباب تتموضع في كل عناصر العملية التعليمية؛ من سياسة تعليمية ومعلم ومناهج وبنى تحتية وثقافة عامة ومجتمعية، أنتجت بمجملها هذا المركب من الأزمات.
قضايا التعليم العالي الجامعي أُشبعت بحثا ونقاشا وطنيا وإعلاميا وأكاديميا، خلال السنتين الماضيتين. وقُدمت تشخيصات عديدة، أُرفقت بتوصيات ومقترحات لتجاوز أزمات هذه الفئة من التعليم. ملف التعليم العالي قدمه إلى صدارة المشهد الوطني والمجتمعي انفجار موجات العنف خلال السنوات القليلة الماضية، وسقوط ضحايا ومصابين من الطلبة، وضرب واسع لسمعة التعليم العالي.
وبخلاف "سخونة" وتصدر ملف التعليم العالي المشهد، واحتلاله حيزا واسعا في الصحف ووسائل الإعلام، بقي ملف التعليم المدرسي، وأزماته، في منطقة معتمة سياسيا وإعلاميا ومجتمعيا. وإن كان حظي بنصيب من النقاش والبحث والدراسة، فقد بقي محصورا في الوسط الأكاديمي والمتخصص، بعيدا عن الإعلام الذي يبحث، وللأسف، عن المثير والساخن والفاقع، لمتابعته وتغطيته والتركيز عليه!
الصدمة على هذا الصعيد جاءت أخيرا، وقبل أن نصل إلى "معمعان" التوجيهي، وفتح "دمله" من قبل وزير التربية والتعليم الدكتور محمد الذنيبات؛ وذلك بتصريحات "ساخنة ومثيرة"، بمعايير النشر الإعلامي، للوزير الذنيبات ذاته، عندما أعلن قبل أكثر من شهرين، أن نتائج دراسات أشارت إلى انتشار ضعف القراءة والكتابة باللغتين العربية والإنجليزية، وضعف مهارات الحساب، بين طلبة الصفوف الابتدائية الثلاثة الأولى.
هذا الضعف في مهارات اللغة والحساب بين طلبة المدارس الابتدائية، يوازيه، بحسب خبراء وأكاديميين، ضعف في مستويات الطلبة في المرحلتين الإعدادية والثانوية، في مساقات الرياضيات واللغة الإنجليزية والكيمياء والفيزياء والعلوم وغيرها.
أما الوضع في مدارس الأطراف والبادية والأغوار، والمناطق المهمشة والفقيرة حتى في أحياء المدن الكبرى، فهو وضع سيئ، من ناحية ضعف البنى التحتية المدرسية، ونقص المعلمين، أو ضعف المؤهلين منهم. وتتكاتف مع هذه الأسباب الأوضاع المعيشية والاقتصادية السلبية لأهالي الطلبة.
أخيرا، ثمة أسباب وتعقيدات كثيرة يمكن أن تفسر ارتفاع نسبة راسبي "التوجيهي" في مدارس البادية والأغوار. لكن لا شك في أن تشديد الرقابة والتنظيم لامتحان "التوجيهي" ليس أحدها.
ومن هنا، يجب أن ينطلق الحديث والتقييم والدراسة لهذه القضية، في الطريق إلى حلها ومعالجتها.

majedtobbeh@