لماذا نتخذ القرارات ونتراجع عنها؟

فور توليه حقيبتي التربية والتعليم والتعليم العالي، اصطدم الدكتور وليد المعاني بمشكلة السنة التحضيرية لطلبة الطب وطب الأسنان في جامعتين حكوميتين، وترك أربع جامعات أخرى، وهو ما خلف شعورا بعدم العدالة لدى طلبة الجامعتين.اضافة اعلان
بالنتيجة وجد الوزير الجديد القديم نفسه أمام وضع لا يبدو مقتنعا في الأصل بصحته، على ما بدا من تصريحاته. وبالفعل توافق الوزير مع لجنتي التربية في مجلسي الأعيان والنواب، على خطة طريق للتراجع عن القرار بعد الضجة التي أثارها طلاب الطب وطب الاسنان، والتهديد بتصعيد الاحتجاج.
ويوم أمس اضطر رئيس جامعة اليرموك إلى التراجع عن قراره بتخفيض نسب مخصصاتهم من دخل البرنامج الموازي، بعد وقفات احتجاجية صاخبة نظمها أساتذة الجامعة.
قبل أسبوعين تقريبا حصل موقف مشابه في جامعة البلقاء التطبيقية، عندما نظم مئات الطلبة اعتصاما ضد قرار الجامعة اعتماد نظام الحوسبة لاحتساب علامات الطلبة، فتراجعت إدارة الجامعة عن قرارها بعد يومين من التصعيد.
يمكن هنا أن استذكر عددا غير قليل من القرارات الرسمية في الأشهر الأخيرة التي اضطرت المؤسسات رسمية وحكومية إلى التراجع عنها بعد تصاعد الاحتجاجات ضدها.
نحن هنا أمام أسئلة محيرة، فإذا كانت القرارات المتخذة صحيحة وتم التراجع عنها تحت الضغط، فالمؤسسة في هذه الحالة خسرت فرصة التطوير والاصلاح، وتراجعت عن قرارات سليمة تخدم مصلحة المؤسسة. أما إذا كانت القرارات من الأساس يشوبها العوار، فالسؤال لماذا أقدمنا عليها قبل دراستها بشكل واف؟
هناك دون شك مشكلة متنامية تتمثل في تراجع هيبة المؤسسات وعدم قدرتها على فرض إرادتها، ويغير هذا الوضع قطاعات من العاملين باللجوء إلى لغة التصعيد والاعتصام لكسر القرارات وإرغام المؤسسات على التراجع عنها.
لكن هناك مشكلة بالأساس في صناعة القرار أيضا، والاستعجال في تبنيه قبل دراسة جميع الخيارات، وتقدير ردود الفعل المتوقعة عليه، والتوقيت المناسب لاتخاذه، بالإضافة إلى غياب آليات التفاعل مع الأطراف صاحبة المصلحة ومحاورتها قبل اتخاذ القرار. يقول اساتذة جامعة اليرموك على سبيل المثال أنهم علموا بقرار تخفيض مخصصاتهم فقط عندما تسلموا رواتبهم ووجدوا أنها أقل من قيمتها المعتادة شهريا.
هذا السلوك الفوقي في التعامل مع الموظفين يخلف ردة فعل غاضبة، ويدفع إلى مواجهات مستمرة مع الإدارة. وعندما تذعن الأخيرة تحت التهديد والتصعيد، فإنها بذلك تكرس نهج الانصياع بحيث يصعب عليها في مرات قادمة اتخاذ أبسط القرارات إذا كانت تمس بمصالح المستفيدين حتى لوكانت هذه القرارات صحيحة وتخدم مصلحة المؤسسة.
إنها واحدة من تجليات أزمة الإدارة الأردنية،وتراجع مكانتها، وافتقارها للخبرة اللازمة،وقد ساهم ذلك كله بتزايد حالات التنمر على الرؤساء والمدراء لدرجة صار فيها المسؤول يبحث عن رضى موظفيه بأي طريقة،وأصبحت القرارات تخضع لمزاج الموظفين،لا بل بات المديرون يحرصون على عدم اتخاذ القرارات كي لا يكسبوا عداء الموظفين، فيمضون سنوات خدمتهم وشعارهم"سكّن تسلم".