ليتها "سايكس-بيكو (2)"!

ربما باستثناء الأكراد، يلتقي الجميع في المنطقة العربية على التحذير من اتفاقية "سايكس-بيكو (2)"، التي يشار إليها أيضاً بـ"كيري-لافروف"؛ وتؤدي إلى تقسيم المقسم في العالم العربي.اضافة اعلان
طبعاً، مثل هذا الالتقاء النادر عربياً، لا يلغي تناقض أسباب المحذرين ودوافعهم في بعض الحالات. فهناك فريق يخشى فعلاً على "الدولة الوطنية/ القطرية"، وفق التعريف الحقيقي للدولة. فيما يستخدم فريق آخر، أياً كان عدده، "الدولة" باعتبارها مرادفاً لشخص الزعيم "الخالد"؛ فيكون مقبولاً لدى هذا الفريق تهجير الشعب إن لم تتحقق إبادته، كما التنازل التام عن السيادة وحتى بيع الأرض، لأجل بقاء الزعيم "الخالد"، إلى الأبد طبعاً.
لكن الحقيقة الأهم هي أن مجرد الحديث عن "سايكس-بيكو" جديدة، أياً كانت دوافع ذلك؛ تحذيرا كما ترويجاً، هو أمر ينطوي على تفاؤل لا تبرره أي من المعطيات القائمة اليوم في العالم العربي، ولا يُتوقع حتى أن تظهر هكذا مبررات في المستقبل القريب أو البعيد.
بشديد اختصار: نقيضاً لكل ما يُقال في هجائه، وبعيداً عن الشعارات الجوفاء، فإن "تقسيم المقسم" وفق "سايكس-بيكو" جديدة، يبدو في ظل الواقع العربي اليوم، ليس تهديداً بقدر ما هو أمنية وحلم جميل، لكنه محض حلم؛ غير ممكن التحقق.
إذ أياً كان الموقف، تاريخياً وحالياً، من "سايكس-بيكو" (الأولى)، فإنها وضعت فعلاً حدوداً لدول مستقرة، ولو إلى حين. وقد كان ذلك، وهو الأهم، نتاج الظروف الموضوعية السائدة آنذاك في العالم والمنطقة العربية. فعدا عن هيمنة قوتين اثنتين على العالم، هما بريطانيا وفرنسا، كان العالم العربي الخارج من السيطرة العثمانية يعاني الفقر والجهل والتخلف، باستثناء نخب محدودة جداً. وكان بدهياً تماماً نجاح هذه النخب في إخضاع الشعوب بكل مكوناتها وتمايزاتها؛ عرقياً وطائفياً وطبقياً، أو احتواؤها بشكل إيجابي في حالات نادرة جداً.
على النقيض من ذلك تماماً يبدو الواقع اليوم. فكل الخرائط التي قد ترسمها الولايات المتحدة وروسيا بشأن مستقبل المنطقة، ستظل ابتداء معلقة على درجة قبول الدولة الإقليمية القوية، بغض النظر عن فجوة القوة بينها وبين الولايات المتحدة الأعظم في العالم، ناهيك عن روسيا الأضعف.
أما الأكثر حسماً، والذي سيقرر محورية دور كل فاعل خارجي، فهو تزايد وعي الشعوب بإنسانيتها، والذي أدى إلى "الربيع العربي"، كما أدى إلى بروز الهويات الفرعية -العرقية والطائفية خصوصاً- طريقاً لتحقيق الإنسانية المهدرة عقوداً بتجلياتها كافة. ومن ثم، فإن كل "تسوية" لا تستجيب لهذا الوعي سيكون مصيرها الفشل، وستكون اتفاقية "كيري-لافروف"، في حال صدق المزاعم حولها، محض رسم لخطوط صراع متواصل ومتوسع، وليست وضعاً لحدود دول فعلية. أما دولة الأكراد و"سورية المفيدة"، وعدا عن تواصل انخراطهما في حرب استنزاف مع جوارها "السوري!" وغيره، فإنهما ستصمدان وفق شروط التأسيس الحالية، بحماية أميركية وروسية فقط، وتنهاران بغيابهما لمصلحة توسع رقعة الحرب الأهلية وتفاقمها.
لكن، إذا كانت "سايكس-بيكو (2)" حلماً مستحيل المنال، والتي يأتي اقتراحها أصلاً من باب الإقرار باستحالة العودة إلى "دولة الزعيم الأوحد والأبدي" ما قبل العام 2011؛ فماذا يكون الحل للصراع الحالي؟ إنه معالجة أصل المشكلة؛ أي رد الاعتبار لـ"الدولة" الوطنية، من حيث هي دولة لكل مواطنيها، حيث يتمتعون جميعاً بكامل إنسانيتهم؛ مواطنين لا أقناناً لدى الزعيم وذريته وبطانته الذين ما يزالون يتوهمون أن بمقدورهم أن يكونوا هم وحدهم الدولة.