ما بين متحورات "كورونا".. تخبط بالخطاب العلمي والوعي المجتمعي

صورة مجهرية لفيروس كورونا-(أرشيفية)
صورة مجهرية لفيروس كورونا-(أرشيفية)
حنان الكسواني عمان- مع ظهور متحورات لفيروس كورونا منذ قرابة العامين، يتأرجح الخطاب العلمي بين عدة جهات متخصصة وغير متخصصة في علم الفيروسات والوبائيات والأمراض المعدية، حتى اختلط "الحابل بالنابل"، خالقا حالة من الخوف والرعب بين المواطنين، "ضعضعت" ثقتهم بالحكومة وسياساتها بإدارة الأزمات. إذ أن الفيروس المتحور الجديد اوميكرون كشف عما يمكن وصفه بـ "هشاشة" بعض إجراءات الحكومة والتي أعادت الأردن الى المربع الأول لحظة اكتشاف فيروس كوفيد 19، عندما قررت قبل يومين "حجر إصابات المتحور للأردنيين في فنادق مجانا والقادمين من 7 دول أفريقية على نفقتهم الخاصة". هذا ما أعلنه مستشار رئاسة الوزراء للشؤون الصحة وملف كورونا الدكتور عادل البلبيسي عبر تصريحاته الصحفية بـ"إن الحالات التي يجري اكتشافها داخل المملكة، بمتحور أوميكرون الجديد من فيروس كورونا سيطبق عليهم الحجر المؤسسي على حساب الحكومة بغض النظر عن نتيجة الفحص في مطار الملكة علياء الدولي". غير أن الحكومة لم تلتفت الى أن المواطن الذي تعرض الى موجات من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية سببها تداعيات فيروس كورونا 19 "لن يلجأ مرة أخرى إلى المربع الأول ويفحص عن فيروس متحور جديد سريع الانتشار وأعراضه المرضية أخف من متحور دلتا لتحدد الحكومة مصير حياته اليومية". وبالعودة إلى تاريخ الأوبئة السابقة مثل وباء الانفلونزا الإسبانية الذي تفشى في الأعوام من 1918 – 1920 وتسبب بوفاة ملايين البشر، هذه السلالة تعيش بيننا اليوم مسببة الانفلونزا الموسمية وقد تعايش سكان العالم معها. ان سرعه انتشار سلالة (Omicron) قد يجعلها السلالة المسيطرة خلال الاشهر القادمة عالميا، وبما انها اضعف "ضراوة" من سابقاتها، فمن المحتمل ان تتحول لسلالة نتعايش معها كما حصل مع الانفلونزا، وهو ما يعني ان بامكاننا القول "إن الوباء انتهى"، حسب تحليلات خبراء من القطاع الأكاديمي المتخصص بعلم الفيروسات والطبي والاجتماعي. كذلك فان مراكز تتبع الانتشار كشفت ان متحور (Omicron) أقل فتكا وإمراضية من المتحورات السابقة بالاستناد الى عدد الحالات التي تحتاج للاستشفاء وعدد الوفيات "المحدود جدا". واستنادا الى هذه المعلومات لخريطة تحرك الفيروس وسرعة انتشاره واعراضه المرضية، لم يجد الخبراء في حديثهم لـ "الغد" أي مبرر لمنع السفر والتنقل والحجر الفندقي بل يجب التركيز على قضيه أخذ اللقاح واحترام شروط الوقاية الاساسية في السفر خاصة ارتداء الكمامات "في ظل توقعات الخبراء بـ "اعلان انتهاء الوباء بداية صيف 2022".

لا تحاصرونا بل حاصروا "أوميكرون"

أستاذ الميكروبات الطبية في كلية الطب في الجامعة الأردنية الدكتور عاصم الشهابي يرى بأنه "لا يوجد ضرورة للخوف والهلع من سلالة أوميكرون التي تشير التقارير العلمية إلى أن أعراضها المرضية خفيفة وأقل من سلالة دلتا"، قائلا "وليكن شعارنا، التعايش مع الكورونا ومحاصرتها لا أن تحاصرنا". ووضع الدكتور الشهابي اقتراحه أمام المسؤولين في الحكومة مفاده "من الأفضل ان يصاب أكبر عدد من الشعب بصورة طبيعية بسلالة أوميكرون - ما عدا كبار السن والذين عندهم نقص المناعة- وهؤلاء يجب أن يأخذوا اللقاح دون تأخير"، لكنه استدرك "من لا يأخذ اللقاح عليه أن يتحمل نتيجة مرضه تماما كما هو الحال بالإنفلونزا الموسمية". وانتقد قرار وزارة الصحة بالعودة الى الحجر الصحي للمصابين في الفنادق واصفا هذا الاجراء بـ "غير المدروس"، مضيفا "يكفي إجراءات ارتداء الكمامة والتباعد عن الاجتماعات في الاماكن المغلقة". واعتبر الشهابي ان هناك "ارتباكا واضحا في اتخاذ القرارات فيما يخص وباء كورونا"، متسائلا "كيف يمكن تفسير أن هناك ٦٦ ألف حالة نشطة مؤكدة بالكورونا من سلالة دلتا بحسب التقرير اليومي الرسمي للوزارة، ولا يتم حجرهم، بينما يتم حجر حالتين فقط مصابتين بسلالة أوميكرون هي الأقل خطورة من فيروس دلتا؟". أما منظمة الصحة العالمية فخرجت عن صمتها وقالت في بداية الشهر الحالي أن متحورة "أوميكرون" "ليست أكثر خطورة" من سابقاتها واللقاحات "فعالة" ضدها، بينما ذهب كبير علماء البيت الأبيض أنتوني فاوتشي برأيه عبر تصريحات صحفية قائلا" إن المؤشرات الأولية تدل على أن أوميكرون ليست أسوأ من سابقاتها بل قد تكون أخف".

تعدد المرجعيات العلمية أربكنا

نقيب الأطباء الأسبق الدكتور احمد العرموطي يقول بعد عامين تقريبا من التعامل مع الفيروس وتحوراته، آن الأوان لتوحيد الخطاب الإعلامي الصحي الموجه للجماهير ليتسيد العلماء وخبراء علم الفيروسات والوبائيات هذه المرحلة من خلال توجيه رسائل علمية تخاطب عقولهم بعيدا عن الخطاب التخويفي والعاطفي. لكن في ظل تعدد المرجعيات العلمية وغير المختصة للحديث عن الوباء وتحوراته تشكّل وفق قوله "معلومات متناقضة زعزعت ثقة المواطن بالحكومة وبعض الخبراء غير المختصين من جهة وضربت الوعي المجتمعي من جهة أخرى". وشدد على انه لا بد من الفصل بين من يصنع السياسات الصحية وبين العلماء المؤهلين للحديث عن الوباء، قائلا "الأردن يحتاج الى نظام صحي بإدارة كفؤة قادرة على الاستجابة للأزمات". ويرى العرموطي أن هذه المرحلة بحاجة الى التعاون مع كافة الوسائل الإعلامية المختلفة بحيث يتم توعية وتثقيف المواطن بشكل مستمر واطلاعهم على أحدث المستجدات العلمية، غير أن المشهد الإعلامي الحالي يظهر وكأن من يتحدث عن الوباء تكاد تكون آراء شخصية ليست نابعة عن مؤسسات علمية صحية". وحتى ذلك الوقت من العمل الممنهج الحكومي من خلال إستراتيجية صحية واضحة في مكافحة الوباء لا بد من التعايش مع الوباء ومحاصرته أفضل من محاصرة شعب بأكمله، بحسب العرموطي. ورصدت المتحورة الجديدة التي صنفتها منظمة الصحة العالمية بـ "مقلقة"، لأول مرة في جنوب أفريقيا ولكن منذ أن أبلغت سلطات البلد منظمة الصحة العالمية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، سجلت إصابات بأوميكرون في حوالي 30 دولة في جميع القارات.

الحجر التطوعي مسؤوليتنا

ومع كل فيروس متحور جديد تنهال التحليلات العلمية والاجتماعية من كل صوب وحدب، تغذيها ما يتم تناقله من قبل شبكات التواصل الاجتماعي دون التأكد من المعلومات العلمية الدقيقة، فنعود إلى المربع الأول الذي ظهرت فيه أولى الإصابات في الأردن قبل عامين تقريبا. وبحسب أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي فان الحظر الطوعي للمواطنين أفضل الحلول العملية للتصدي للوباء حاليا، بحيث يقوم الأفراد بحظر أنفسهم في منازلهم من دون طلب من الجهات الرسمية، وعدم الخروج الا للضرورة القصوى. ويتمثل تطبيق الحظر الطوعي بحسب رأي الخزاعي بأن يتم تخفيض عدد الزيارات الاجتماعية غير الضرورية، والحرص على عدم التقارب والتلاصق أثناء السير أو الحديث مع الآخرين مع ضرورة الالتزام بارتداء الكمامة. بالمقابل، يرى الخزاعي أن على الحكومة بأن لا تتردد باتخاذ القرار السريع بشأن التعليم المدرسي أو التعليم الجامعي والالتزام بتحصينهم ضد الفيروس بما يقتضي تحقيق التكافل الصحي بعدم نشر المرض. ويرى أن المواطن يتحمل مسؤولية التسلح بثقافة الاعتذار عن المشاركة في المناسبات والدعوات التي يتلقونها من الآخرين حماية لأنفسهم وعائلاتهم وكافة أفراد المجتمع. ويتفق مع الخزاعي الاستشاري النفسي الاجتماعي موسى مطارنه الذي اعتبر "ان الخوف والهلع يرتفع كلما ظهر متحور جديد في ظل الضعف الشديد في إدارة هذا الوباء من قبل الجهات الصحية الرسمية المختلفة". وأشار مطارنة إلى أهمية التركيز على الجوانب الإيجابية لوباء كورونا، من خلال تشجيع المواطن على ارتداء الكمامة باستمرار والتي تحمي المواطن من إنفلونزا موسمية وأي ملوثات بيئية قد تؤدي للإصابة بأمراض مختلفة، قائلا "الوباء هو حالة مؤقتة ونتعامل معه مثل أي مرض، والحياه تستمر والوقاية خير من قنطار علاج ".

الحجر الفندقي هو الأفضل

وسط هذه الآراء، ظهرت أصوات لخبراء تدعو الى "التريث قليلا" في التعامل مع الفيروس المتحور والموافقة على الحجر الفندقي منعا لانتشاره، معتبرة انه من المبكر الحديث عن التعايش مع الوباء والفيروسات المتحورة والاتكاء على المناعة المجتمعية في ظل ندرة المعلومات العلمية حول "اوميكرون". رئيس لجنة الصحة في المجلس الوطني لحقوق الانسان الدكتور إبراهيم البدور يرى أن هذه المعلومات العلمية حول هذا الفيروس المتحور غير متوفرة "لم تكتشف أسراره بعد"، بالمقابل فان الجهود الوطنية الصحية تركز حاليا على المطاعيم بجرعتين والمعززة الثالثة والتفكير حاليا بجرعة رابعة. واعتبر الدكتور البدور ان أفضل اجراء في مرحلة انتشار فيروس متحور "غير معروف"، فيما "الحجر الفندقي" اجراء احترازي تفاديا لانتشاره بين المواطنين، في ظل مؤشرات أولى تظهر أن المتحورة الجديدة قد تصيب بسهولة أكبر أشخاصا ملقحين أو سبقوا أن أصيبوا بفيروس كورونا. ولم يتردد عضو لجنة الأوبئة الوطنية الدكتور بسام حجاوي من القول بأن الجائحة مستمرة علميا، قائلا من الطبيعي ان تظهر تحورات جديدة غير ان الأردن ينتظر جمع معلومات جديدة حول "اوميكرون" وكل ما هو متوفر من معلومات راشحة من منظمة الصحة العالمية، حول كيفية انتقال العدوى، ومدى قدرتها على الالتفاف على المناعة المكتسبة نتيجة إصابة سابقة أو تلقي اللقاحات، إضافة إلى مدى شدة المرض. وبين حجاوي أن أعداد الإصابات بمتحور "أوميكرون" لم تتجاوز الألف منذ الإعلان عن اول إصابة به عالميا ولم تسجل وفيات بسببه غير أن المعلومات المتوفرة عنه لغاية اللحظة هو سرعة انتشاره بمقدار 3 أضعاف مقارنة بمتحور دلتا مع احتفاظه بنفس الأعراض. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت مؤخرا أن الهيئة الأممية لم تتلق أي معلومات عن وفيات يحتمل أن تكون مرتبطة بالمتحورة أوميكرون الجديدة لفيروس كورونا، غير انها اشارت الى "أنه مع لجوء المزيد من الدول إلى إجراء فحوص لرصد المتحورة الجديدة سيكون لدينا مزيد من الإصابات، ومزيد من المعلومات".

إقرأ المزيد : 

اضافة اعلان