هشاشة مجتمعية جديدة

خلال العقد الاخير رصد العديد من التقارير والدراسات ملامح من التصدعات التي باتت تضرب بين وقت وآخر المجتمع الأردني من قبيل موجات العنف التي تضرب مرة المجتمعات المحلية وتخبو ثم تعود وتظهر في المجتمعات الطلابية، وتنامي تعاطي المخدرات، وأوضاع الشباب وغيرها من ملامح، ولكن الأخطر من تلك التصدعات التي باتت تخضع للمراقبة ما ظهر مؤخرا من هشاشة مجتمعية وتحديدا في البعد المدني في الاستجابة لمصادر التهديد والمخاطر من قبل الكتل الحيوية ومن المثقفين والنخب والمؤسسات المدنية التي وقفت مكتوفة الأيدي ومشدوهة في مواجهة التحولات وكأنها لا تسمع آجراس الإنذار التي تضرب بقوة بين وقت وآخر ولا تتوقف.اضافة اعلان
المشكلة أحيانا ليست في المخاطر والتهديدات التي يواجهها المجتمع، فالمجتمع كائن حي قد يتعرض للأمراض والعلل؛ بل في الطريقة التي يواجه بها هذه المخاطر وفي قدرة الدفاعات الذاتية على المواجهة؛ أي حيوية المجتمع في الاشتباك الذي يحوّل التحديات والمصاعب إلى فرص لمزيد من التقدم وللتخلص من الحمولات الزائدة والأعباء؛ هذا ما لم يحدث خلال الأشهر الأخيرة في  الكثير من التحديات والصعوبات التي واجهها المجتمع الأردني.
أبرز مظاهر هذه الهشاشة يبدو في ضعف استجابة الأطر المؤسسية المدنية، وتراجع قدرات مؤسسات المجتمع المدني في قيادة الرأي العام أو حتى التأثير به، بل الأمر زاد على ذلك في عدم قدرة هذه المؤسسات في بلورة ردود أفعال وأحيانا في مجرد تحريك أي ساكن، لاحظنا ذلك بكل وضوح في أحداث كبيرة مثل الردود المؤسسية لأول جريمة اغتيال على خلفية حرية التعبير التي هزت المجتمع بأكمله لكن دون أفعال مؤسسية منظمة من قبل هذه الأطر المفترض أنها تشكل معادلا موضوعيا باسم المجتمع وتكرر ذلك في مواجهة خطابات الكراهية والتحريض، وهذا ينسحب على معظم المؤسسات المجتمعية المعنية بالحريات العامة وتلك المعنية بالكتاب والكتابة والفكر وإنتاج المعرفة التي ما تزال تقف مشدوهة ومكتوفة الأيدي بدون حراك، وإن تحركت فإنها تقدم ردودا خجولة وأحيانا اعتذارية.
في المقابل نلاحظ طبقة أخرى من الهشاشة المجتمعية في سرعة الانفعال المجتمعي؛ وردود الأفعال السريعة للقواعد الاجتماعية التي قد تخلق حالة استقطاب هائلة ومزعجة في الرد على نكتة أو صورة أو معلومة مزيفة أو إشاعة؛ فعلى سبيل المثال لم تتصدَ مؤسسة مدنية مستقلة لحالة الاستقطاب في موضوع النقاش حول تعديلات المناهج لتقول للرأي العام رواية ثالثة مستقلة وقس على ذلك مواقف وظواهر أخرى.
هناك حالة انسحاب واضح وتراجع في أداء المؤسسات المجتمعية المدنية التي يكتفي بعضها بمراقبة المشهد وأحيانا تعفي نفسها حتى من أن تكون مراقبا أو شاهدا، وينسحب هذا بصورة أقسى على الكتل الاجتماعية الحيوية مثل مجتمع الأكاديميين الأردنيين الذين لا حول ولا قوة لهم في الحياة العامة خارج قاعات الدروس، وكتل أخرى مثل المتقاعدين المؤثرين الذين من المفترض أن يعدوا خبراء وذخيرة المجتمع ومخزونه واحتياطه الثمين، وحتى رجال الأعمال الوطنيين علاوة على كتل المثقفين العضويين الذين هم طليعة المجتمع العارفة التي من المفترض أن تكون بمثابة الكتلة التاريخية التي تتكون من مختلف الفئات ومن مرجعيات فكرية وسياسية متعددة يجمعها الإيمان بالتعدد واحترام الاختلاف وحد أدنى من الاتفاق على مفهوم الصالح العام.
المشكلة لدينا أنه علاوة على الضعف التاريخي لبنية المجتمع المدني، فقد  دخلت الدولة بعلاقة زبونية ورعوية مع طيف واسع من هذه المؤسسات في السنوات الاخيرة، ما عطّل عمل هذه المؤسسات أن تكون وسيطا موثوقا به بين الدولة والمجتمع. وبالتالي تعطلت هذه الوظيفة التي هي أمس ما يحتاجها المجتمع والدولة معا.