"هو الذي يرى" أرشيف يوثق تجارب القاص والفوتوغرافيك الصمادي

عزيزة علي عمان- صدر، بدعم من وزارة الثقافة، عن دار الآن ناشرون وموزعون، عمان، كتاب بعنوان “هو الذي يرى”، وهو عبارة عن مقالات ونصوص وشهادات عن تجربة للقاص والشاعر والفوتوغرافيك محمد علي فالح الصمادي. يحتوي الكتاب على مجمل من قراءة وكتابة لتجربة أمين سر رابطة الكتاب الأردنيين فرع إربد الصمادي، وقد جاء الكتاب على شكل مقالات نقدية ونصوص برؤى أدبية، أو شهادات إبداعية، كلها فصلت وأضاءت دروب تجربة القاص ومسيرته، كما يعد أرشيفا يضم تجربة الصمادي في سنوات عديدة. تحت عنوان “هو الذي يرى”، يقول الصمادي “عندما سألَ المراسلُ الحربيُّ في جبهةِ القتالِ الجنديَّ: كيف تدافعُ عن وطنِك؟ أطلقَ عليه الرّصاص!، مبينا أن السؤال الصعب هو “من أي زاويةٍ؟ كيف نختارُ اللحظةَ؟ متى ترضى عن صورتِكَ؟

“القصة في الأردن.. نصوص ودراسات” يستعرض ظواهر القصة في الأردن واتجاهاتها

عبيدالله: القصة الأردنية قطعت أشواطا من التجديد والإبداع

أسئلةٌ كثيرةٌ لا أجدُ أيَّ إجاباتٍ لأيٍّ منها، عندما يكون هناك نشاطٌ ثقافيٌّ أجدُني أبحثُ عن مكانٍ أقتنصُ فيه صورةً تعبِّرُ عن حالةِ الشَّخصِ شاعرًا قاصًّا ناثرًا محاضِرًا ومقدِّمًا، أتجولُ دونَ إرادةٍ في وجوهِ الجمهورِ أبحثُ في صوَرِهم أصنِّفُهم، وكثيرًا ما أعتبرني خرجتُ من المعركةِ أو الحادثةِ منتشيًا، مُحتارًا، ناقِمًا، وراضيًا”.

“الطاسوس” للقاص نائل العدوان.. تأملات في أحوال الوطن

“فالس الغراب”.. مجموعة قصصية ليوسف ضمرة ويرى الصمادي أن لكلِّ رحلةٍ مسافاتُها وأحوالُها، مشيرا إلى “أن المصوِّرُ طبيبٌ يستعرضُ الحالةَ، يُشخّصُ الواقعَ ويصِفُ العلاجَ. المصورُ يمكنهُ أن يحرِّكَ الواقعَ فيغير الفارسَ شاعرًا، ويبدع نصًا مكان نص، وحديثًا يَعتقد أن الكاميرا تجسّد القول إليه. وكنتُ أحيانا عند استرجاع الصّور بعد أيّ فعاليةٍ أُصنّفُ الجمهورَ: هذا مُتلقٍّ واعٍ، وذاك جادٌّ ليكونَ فارسَ الفعاليةِ القادمةِ، وتلك تبحث عمّن يأخذ بيدِها في الإبداعِ والكتابةِ، وأخرى تؤكّد أنها تعبَت طوال هذا اليوم للتحضير لغوايةِ شاعرٍ أو مبدعٍ”. يواصل حديثه عن الصورة “الصّورةُ عملٌ توثيقيٌّ يبحثُ في النّوعِ الأدبيّ ويصنّفهُ، وكثيرًا ما كنتُ أكتبُ بالصُّورة قصيدةَ شعرٍ وقصة أو ومضة أو أوثق الفراغ، ما عدت ساخطًا على احتفال لكبار المبدعين أو منبهرًا بفعالية لمبدعين شباب أو على مسافة قريبة من الإبداع، وكنت ألعنُ الثقافةَ إذا وجدتُ مبدعًا يكرِّرُ نفسَهُ في أكثر من لقاء فأعود والصورة بصيدٍ هزيلٍ! حينما أعود تقرّرُ زوجتي قيمة الفعالية وأهميتها ونوعها: (لا عليك؛ ليست كل الفعاليات واحدة)، خاصّةً عندما أعودُ بعدَ ساعةٍ واحدةٍ من بدءِ الفعاليةِ”. ويقول “كثيرًا ما كنتُ أُصوّر الحوارَ وأضعُ أمسيةً وقولًا على قولٍ. في كلّ هيئةٍ ثقافيّةٍ مجموعةٌ تُدلي بدلوِها في كلِّ موضوعٍ، وتتناوبُ في نقلِ الحديثِ من شخصٍ إلى آخرَ. أحجمتُ أحيانا عن تصويرِ كلماتِهم. وهناك من الجمهورِ من كان ينشغلُ بالهجومِ في نهاية الفعاليةِ ليُظهرَ الأخطاءَ في الفعالية أو ليسجلَ موقفًا مع آخر. وكم تعجبتُ من تغيير الحديث عندما كنتُ أتواصلُ معهم قبل الفعالية لأكتشفَ أن موقفه غير الذي استشارني فيه!”. ويشير الصمادي إلى أنه لم يكن عاشقًا للتصويرِ في البدايةِ، “لكنّ التصويرَ وثيقتي الثقافية”، موضحا أن التوثيق الضوئي أخذه من الكتابة، والتصوير الإبداعي ضدّ الأجناسِ الأخرى. ويتحدث عن العمل الثقافي “كان العمل الثقافي عونًا لي منذ زمن قديم حين اشتريتُ أوّلَ كاميرا. ثقافةُ الصورةِ كانت خيارًا مؤلمًا؛ فقد وجدتُ نفسي مُنحازًا إلى تصويرِ شخصياتٍ ثقافيةٍ وفعالياتٍ وندواتٍ ومؤتمراتٍ. لن أصنّفَ، لكنّ اهتمامَ جامعةِ فيلادلفيا كان دافعًا للاستمرار، وكذلك جامعة جدارا وجامعة عجلون الوطنية، فقد نلتُ أعلى أجرٍ على توثيق مؤتمرٍ من جامعة فيلادلفيا؛ مبلغ مائة دينار وكتُبَ جُلِّ المؤتمرات التي عُقِدت بالجامعة، وتقدّرُ قيمتها بأكثر من ستمائة دينار. وحظيتُ باهتمامِ ثلّةٍ من أهلِ الفضلِ والعلمِ والمعرفةِ في الجامعة: د. غسان عبد الخالق، د. يوسف ربابعة، والإعلامي رمزي الغزوي”. ويوضح الصمادي “أن الصّورة شكّلت فضاءً واسعًا وأُفقًا حضاريًّا متعدِّدَ المستوياتِ. لم أنسلخ -رغمَ انشغالاتي-عن قضايا المجتمعِ والأمةِ والإنسانيةِ. وكلّ ذلك أسّسَ بناءً فكريًّا وحضاريًّا سعيتُ إليهِ وطوّرتُهُ بالرؤى الإنسانية، رغم أننا كمثقفين عرب نعيشُ واحدةً من أسوأ الفتراتِ في تاريخِنا الإنسانيِّ، بفعلِ ثوراتٍ لم تكتمل أو أُقصِيَت نتائجُها وغُيِّرَت أهدافُها رغبةً منا أو افتراءً علينا. تغيّرت مساراتُ الثوراتِ العربيةِ فضللنا الطريقَ”، مبينا أن الصورة هي أنا والآخر الذات والمتلقي. يقول “حاولتُ أن أحافظَ رغمَ كلّ شيءٍ على إرثٍ حضاريٍّ وفعلٍ ثقافيٍّ ينحازُ للوطنِ والأمةِ والإنسانيةِ، مؤثّرًا ومتأثّرًا. حاولتُ من خلالِ إدارةِ الفعلِ الثقافيِّ وتوثيقه تحليلَ خطابي الثقافي وحريّتي الإبداعيةِ، وشكّلَت الصّورةُ شخصيتي الثقافيّةَ ونالت من صحتي ووقتي الكثير. الصّورةُ عندي كانت ذاتَ تأثيرٍ بالغٍ في تربيةِ الأجيالِ والمهتمين بالصّورةِ في الإعلام الأردني الّذي لا يعترفُ بالآخر إلا بعد حصوله على شهادةِ الصّحافةِ والإعلامِ، ولا يلتفتُ إلى الخبرةِ والمعرفةِ والجهدِ والمثابرة”. ويزيد الصمادي في العمل الإبداعيِّ “ربما نعيد ما كتبه الآخر، ربما نوظّف الإبداعات الأخرى في كتابةِ النّصِّ. في الصّورةِ عالمٌ مختلفٌ؛ كلُّ صُورةٍ عملٌ جديدٌ وتجديدٌ، رغم انحيازي إلى الواقع في التصويرِ بأن أكتبَ نصوصَهم بصورهم. في كل صورةٍ في كلّ فعاليةٍ هناكَ محاولةٌ لكتابةِ نصٍّ بطريقةٍ جديدة وعملٍ إبداعيٍّ مختلفٍ. في الكثيرِ من المواقفِ أحاولُ أن أُعيدَ للصّورةِ قيمتَها”. ويرى الصمادي أن تطوير آلاتِ التّصويرِ كان له فضلٌ على المنتجِ الإبداعيِّ للتّصوير، مبينا أنه في رحلةِ التّصويرِ “أحاولُ الإجابةَ عن كثيرٍ من الأسئلةِ مبتعدًا عن الإطارِ النظريِّ لثقافةِ الصّورِ. لاعبُ كرةِ القدمِ معنيٌّ بالدِّفاعِ عن المرمى، حتى إن كان مريضًا ربّما يلعبُ رغمَ ظروفِه ويكون معنيًّا بالدِّفاعِ عن اسمِ فريقِه وتحقيقِ النَّصرِ. وأنا معنيٌّ بصيدٍ ثمينٍ من كلِّ رحلةِ تصويرٍ أُعدُّ لها العدسةَ والمكانَ المناسبين وإعداداتِ الصورةِ والإضاءةِ في المكان”. يشير الصمادي الى أن “الأماكن الضيِّقة تستفزه، وتجعلني أبحثُ عن الألوانِ الزاهية المبهجةِ في ملابسِ الذين أحتفلُ بهم، أقرأُ قبلَ كلِّ أمسيةٍ أو مؤتمرٍ سلبياتِ المكانِ وإيجابياته، وأبتعدُ عن رجالِ الدولةِ والسياسيينَ والنّخَب لأنني غيرُ معنيّ بالنفاقِ من خلالِ الصورةِ، وربما لا أحفَلُ بنشرِ صورِهم إذا دعَت الضرورةُ لتصويرِهم”. يتابع “يوم التصويرِ أنشغلُ بإعداد العدساتِ وشحنِ بطارية الكاميرا، أو بأن يكون معي أكثر من ذاكرةٍ احتياطية للكاميرا، وزّعتُ صوري على كلِّ وسائلِ الإعلامِ الورقيّةِ، ولم يحفل أيٌّ منها بالإشارة لاسمي، وقد أعلمني مديرُ المكتبةِ الوطنيّةِ محمد العبادي بضرورة توثيقها رغمَ صعوبةِ ذلك. كيف أُوثقُ مائةَ ألفِ صورة ويزيد، وذلك يحتاج لأكثر من جهازِ حاسوبٍ لهذه الغايات؟ ولا أعتقدُ أنّ في الوطن العربي مراكز إعلامية توثق الصورة”، مشيرا الى مؤتمر جامعة فيلادلفيا الثاني عشر الذي كان بعنوان “ثقافة الصور في الإعلام والاتصال”، في العام 2007، “وصدرت أوراقُ المؤتمرِ عام 2008 وبعدَ عشرِ سنواتٍ من انعقادِ المؤتمرِ لم أَجِد أيّا من توصياتِه قد تحقّقت”. يتحدث الصمادي عن أهمية التوثيق من خلال الصورة من أجل خدمةِ القضايا العربيةِ ونصرتِها، لافتا الى أن العمل على حمايةِ الإنسانِ من إساءة استخدام الصورة، بتأكيد أهميةِ الجوانبِ الأخلاقيّةِ والقانونيّةِ “لم تدافع أيّ من الوسائل الإعلامية، ولم تعترف مؤسساتٌ وأشخاصٌ بحقِّي في كثيرٍ من الصّورِ، ولم أجد نقاباتٍ صحفيّة وطنيّة وعربيّة إقليميّة ودوليّة تشيرُ من قريبٍ أو بعيدٍ إلى حقّ الموثِّق والمصوِّر بحملِ اسمِه أو توثيقِه على الصُّور”. ويتابع “بعدَ نشرِ أيّ فعالية وتوثيق صورِها كنتُ أنتظرُ حوارًا لتطويرِ ذائقتي الفنيّةِ والنقديّةِ، وغالبًا ما كان يدور الحوارُ مع الأستاذ عبدالرحيم جداية فيجعلني أكثرَ التزامًا، وأَعِدُ في الفعاليّةِ القادمةِ أن أكونَ أكثرَ إبداعًا وتميّزًا، كنت دائمًا في حيرة بعد أن تلقيتُ تدريبًا متخصِّصًا في معهد الإعلام الأردني من د. سلافة الزعبي والمدربة ساندرا زوايدة، أن ألتقطَ أكبرَ عددٍ من الصُّورِ في الفعاليّةِ الواحدةِ، لأني سأجدني محتاجًا إلى صور جديدة تدعم فكرتي، وإذا فقدتُ ما كنتُ أسعى إليه سيكون من الصعب أن أعود للمكان نفسه وأحصلَ على صور بالظروف السابقة، خصوصًا في الفعاليات المتخصصة أو المتغيرة”. ويرى الصمادي “أن دورةَ التصويرِ التي أخذها جعلت المسؤولية عليه أكبر، أصبحتُ صارِمًا في المعايير التي ألتزمُ بها، وكنت قبلَها أكثرَ حريّةً وأقلّ التزامًا. وقد أضافت الدورة في معهد الإعلام الأردنيّ لملتقى ألوان الثقافي وأعضائه من الشباب مهاراتِ التّصويرِ الضوئيّ، وتصويرِ الفيديو، وإنتاج التقاريرِ الإخباريّة، والخبرِ المصوّر بشكلٍ عامّ. وعلى كل ذلك أعتقدُ جازمًا أنّ الدّور الذي تنهضُ به الصورةُ ما زال غير معترَفٍ به أو ملتفت إليه”. يواصل “عند التصوير لم ألتفت إلى الجوانبِ السياسيّةِ والاجتماعية والثقافيّة، لكن في النشر أضعُ كثيرًا من الضّوابطِ تلك في كل إعادة نشر، إلّا أن السّبق في النشرِ ووصولِ الخبرِ والصورةِ إلى أصحابِها تجعلُني في صراعٍ بين الجودةِ والسبق الإعلامي، فأعود إلى كلّ ألبومٍ وأهذّبهُ، وربّما ألغيتُ جزءًا منه رغمَ مرارةِ الألمِ التي أعاني منها في عمليةِ التعشيبِ للصور”. وخلص الصمادي الى “انفعالات الصّورةِ ودواخل الصورةِ، وما وراءَ الصّورةِ، من المعرفة والحصيلة الثقافيّة وتداخل الأجناسِ الأدبيّةِ تجعلني في صراعٍ وتفكيرٍ، هل أعتزلُ الأعمالَ الجديدةَ وأكتبُ روايةَ الصّورةِ؟ وهل تحتملُ روايتي الجديدة “مصور أعمى”، كل هذه التناقضات والانفعالات؟ لم أستطع إلّا أن يبقى الباب مفتوحًا على مصراعيهِ.. علّني أجدُ الطّريق”.اضافة اعلان