يحبون فلسطين ويحاصرون المخيمات

في لبنان كثيرون يحبون فلسطين، ويتغنون بها، وقدموا الشهداء في سبيل عدالة قضيتها، لكنهم لا يحبون الفلسطينيين.

اضافة اعلان

ما يحدث للفلسطيني في لبنان لا يصدقه عقل، ولا يدركه منطق، فهو مدان حتى تثبت براءته، وعليه أن يعيش في أوضاع لا تقبلها القوانين والسياسة والإنسانية، فهو محروم من كل شيء، حتى وصل الحرمان إلى الكرامة.

لم يقف الفلسطينيون طويلاً عند معاني الانقسام الذي شهده المجلس النيابي اللبناني وهو يناقش مشروع القانون الذي قدمه اللقاء الديمقراطي، عبر وليد جنبلاط، لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية، فالفلسطينيون على اختلاف اتجاهاتهم، أخرجوا أنفسهم من دائرة التأثر بالأوضاع اللبنانية الداخلية، ورسموا لحركتهم السياسية خطوطا حمراء، منطلقها العيش تحت سقف الدولة اللبنانية ذات السيادة على أراضيها، رافضين في الوقت نفسه المحاولات المحمومة من البعض لاعتبار الجانب الأمني، هو المدخل الوحيد للتعاطي مع الحالة الفلسطينية في لبنان.

أية اتهامات للمخيمات بأنها أصبحت مأوى لمجموعات عسكرية غير لبنانية، وغير فلسطينية في الوقت نفسه، إنما تطال مسؤولية الدولة اللبنانية قبل أن تطال مسؤولية المخيمات. فالفلسطينيون ليسوا مسؤولين عن حماية الحدود اللبنانية ضد تسلل الأفراد والجماعات، فضلاً عن ذلك فإن المخيمات المستهدفة بالاتهامات تعيش في ظل حصار أمني لبناني، الأمر الذي يستدعي سؤالاً عن كيفية تحرك هذه الجماعات وهؤلاء الأفراد من المخيمات وإليها. فضلاً عن ذلك لا يمكن لأي مسؤول أن يتجاهل أن ظاهرة القوى الدينية في المخيمات الفلسطينية، إنما وردت إليها من محيطها اللبناني، وأنها ظاهرة تعتاش على الدعم الخارجي لها، الأمر الذي يعيد طرح مسؤولية الدولة اللبنانية نفسها في مراقبة أقنية هذا الدعم ومصادره.

الذين يركزون على ظواهر التطرف داخل المخيمات، يتجاهلون أن معالجة هذه الظواهر لا تكون بإجراءات أمنية بحتة. ويتجاهلون أن مجتمعات الفقر والبطالة والإحساس باليأس، والإحباط، تشكل البيئة الخصبة لنشوء هذه الظواهر وتفشيها، وامتلاكها القدرة على التحريض والتعبئة والاستقطاب. وبالتالي يقع في التناقض من يصور المخيمات أنها بؤرة لاحتضان القوى الإرهابية ثم يلجأ في الوقت نفسه إلى فرض الحصار العسكري والأمني عليها، ومعاملة سكانها بكثير من الاضطهاد، ويفرض على سكانها عزلة سياسية واجتماعية، ويرفض حقها في العمل وغير ذلك من الحقوق المدنية، متخلياً عن واجباته السيادية نحو السكان المقيمين على أرضه، محملاً المسؤولية كاملة لوكالة الغوث وحدها، باعتبارها هي المعنية بشؤون المخيمات.

لا أحد ينكر حق الدولة اللبنانية في مد سيادتها على كل شبر من أرضها، بما في ذلك المخيمات، لكن ذلك لا يعطيها الحق، للتعامل مع كل فلسطيني على أنه مدان حتى تثبت براءته. وبالتالي لا يعطيها الحق أن تفرض على المخيمات حصاراً أمنيا، تمارس من خلاله إجراءات فيها من الإذلال ما يمس كرامة الإنسان في الصميم. هل تذكرون مخيم نهر البارد وقصته المأساوية؟

في لحظة غياب لأجهزة الأمن اللبنانية يتم اختطاف كل المخيم بناسه وبيوت الزينكو، من قبل جماعة اطلقت على نفسها "فتح الإسلام"، فعاثت في الارض فسادا، ما أوقع كارثة حقيقية لسكان المخيم، واحتاج الجيش اللبناني إلى نحو ثلاثة أشهر لكي يحكم قبضته على "جند الاسلام" وكان سكان المخيم الضحية بعد أن تم تدميره وتدمير ذكريات قاطنيه.

حتى الآن، لا احد من المسؤولين اللبنانيين أو الفلسطينيين يعطي إجابات شافية بشأن مصير المخيم! ولا أحد من المجتمع الدولي سوى الممولين يسأل! وليس مفهوماً لأبناء مخيم نهر البارد لماذا هذا السكوت والصمت حول مصير المخيم.

الفلسطينيون المحاصرون في قطاع غزة لا يريدون سفنا تخرج من السواحل اللبنانية للمطالبة برفع الحصار عنهم، يريدون فقط مطالبة حقيقية برفع الحصار المفروض منذ عشرات السنين على المخيمات الفلسطينية في لبنان، ولا أحد يريد ان ينكأ جراح السنين للمطالبة بمحاسبة المسؤول عن مجازر المخيمات.

[email protected]