إدارة الثروات الطبيعية

سلامة الدرعاوي جهود رسميّة كبيرة تبذل على صعيد التنقيب على الثروات الطبيعيّة في أماكن عدة متنوعة، واستكشاف الثروات ان وجدت بإجراءات مسح شاملة لمناطق متعددة في مختلف محافظات المملكة. المؤشرات الأوليّة الناتجة عن بعض المسوحات وأخذ عينات التربة والحفر والتعدين في أماكن محددة أعطت مؤشرات إيجابيّة بإن هناك فعلا ثروات طبيعيّة في بعض أراضي المملكة تساهم في دعم الجهود الرسميّة للتنقيب عنها وعدم الاستسلام بأن الأردن لا يمتلك مثل هذه الثروات. الحكومة وقعت حديثا عددا من مذكرات التفاهم للاستكشاف والتنقيب عن الثروات المعدنية بالتركيز على الصناعات التحويليّة لما تشكّله من قيمة مضافة للاقتصاد الوطنيّ والتوسّع في فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة للمجتمعات المحليّة. هناك مذكرة وقعت حديثا على استكشاف وتنقيب عن النحاس في أرض تبلغ مساحتها 78 كيلومترا مربعا. وهناك 4 مذكرات تفاهم للتنقيب عن النحاس والذهب والسيلكا والعناصر النادرة ضمن البرنامج الوطنيّ للتنقيب عن الثروات الطبيعيّة والمعدنية. وشركة البترول الوطنية تخطط الآن لزيادة إنتاج الأردن من الغاز إلى نحو 200 مليون قدم مكعّب خلال 3 أعوام مقبلة، وهناك مؤشرات إيجابيّة كبيرة في القطاع النفطي في منطقة السرحان حيث يجري حفر آبار في المنطقة وصلت لمراجعة سيعلن عن تفاصيل نتائجها خلال الأسابيع المقبلة. هناك أيضا مشاريع عديدة تعمل عليها الحكومة خلال الفترة الحالية لاستكشاف الفوسفات في منطقة الريشة والتي تشير بعض الدراسات الأوليّة إلى أنها قد تكفي المملكة لـ60 عاما على الأقل. واضح من المشهد العام للحراك الحكومي في موضوع الاستكشافات عن الثروات أن أراضي المملكة تختزن كميات هائلة من الثروات المعدنية والتي يقدر الاستثمار فيها بمليارات الدولارات، والتي لا شك أنها ستكون محفزة لجذب الاستثمارات الأجنبيّة والمحليّة فيها. هنا يتطلب الأمر إعادة ترتيب البيت الحكوميّ الداخليّ لمواجهة متطلبات المشهد الجديد في بيئة الأعمال والاستثمارات المحليّة والتي ستكون محط أنظار العديد من الشركات الكبرى في العالم. الأمر لا يقتصر على إعلان ثروات طبيعية بقدر ما يتطلب تنظيم المنظومة الاقتصاديّة الإداريّة الرسميّة في التعامل مع هذه الاكتشافات بشكل اقتصادي استثماريّ بالشكل الصحيح. تجارب الحكومات الإدارية السابقة في التعامل الاقتصاديّ مع ثروات المملكة الطبيعية ما قبل خصخصتها للأسف كانت مريرة، ونماذج إداريّة فاشلة، وجاءت الخصخصة لتعطي دفعة نموّ نوعية لغالبية هذه الشركات التي تعتبر اليوم علامة فارقة في قطاعاتها على المستوى العالمي، لكن الأصل هو أن تكون إدارة هذه الشركات بسواعد محليّة بحتة، لكن الفشل الإداري أدى لفتح التخاصية أمام هذه الشركات . اليوم سيكون الأردن أمام نقلة استثماريّة جديدة ونوعية اذا ما أثبتت عمليات التنقيب جدوى التنقيب باكتشافات مجدية استثمارياً واقتصاديّا. إدارة عملية استثمار الثروات الطبيعية سيكون تحديا جديدا أمام الحكومة في كيفية تعزيز إدارة الثروات الطبيعية بأسلوب عصري وحضاري واقتصادي يعود بالنفع الكامل على الخزينة والاقتصاد والأجيال القادمة. كما تحدثنا سابقا، الأردن لديه تجارب استثماريّة متعددة، منها ما هو ناجح ومنها ما هو فاشل، وبرنامج التخاصية الذي طبق في العقدين الماضيين يحمل أيضا نجاحات عديدة واخفاقات أيضا، وهنا يستوجب من الحكومة إعادة تقييم هذه التجارب، والعمل على اكتشاف نقاط الضعف والقوة فيهم، وتعظيم الاستفادة من المواطن الإيجابية من هذه التجارب والممارسات السابقة والحالية. في النهاية لا يمكن لأي عملية استثماريّة ان تكتمل بالشكل المطلوب للمرحلة المقبلة دون ان يكون هنالك ثورة بيضاء في الجهاز الإداري للحكومة، وتطوير الكفاءات والمهارات الإدارية بالشكل الذي يمكننا من تشكيل فريق حكومي قادر على إدارة هذه الثروات بالشكل الصحيح او حتى المشاركة مع الخبرات الأجنبية في إدارة هذه الاستكشافات، حتى لا نكرر التجارب المريرة. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان