العفو العام وأثره اقتصاديا

أقر مجلس النواب قانون العفو العام الذي بدأ الحديث عنه منذ أشهر بعد وعد أطلق بشأنه ومطالبات نيابية. القانون الآن بعهدة مجلس الأعيان الذي بلا شك يراقب جميع النقاشات الدائرة حول هذا القانون الجدلي، وهو مجلس لا يفترض أن يخضع لنفس حجم الضغوط المطالبة بالقانون كتلك التي يخضع لها أعضاء مجلس النواب المنتخبين والمحتاجين لأصوات الناخبين. اضافة اعلان
ملفت ازدياد وتيرة النقد بشدة بشأن القانون عندما اقترب من مراحل إقراره النهائية، وهذا يدل على أن كثيرين كانوا يثقون بصدق وصلابة التوجه لإحقاق دولة القانون، وأن سلطات الدولة لن تمرره إلا ضمن مبدأ الحفاظ على سيادة القانون وعدم إضاعة حقوق الناس وعدم تصعيب تحصيلها، والتركيز على إحقاق مبدأ التصالح المجتمعي، وليس غير ذلك.
الصيغة التي انتهى اليها القانون الآن ترسخ في كثير من جوانبها مكافأة من لم يلتزم بالقانون، وتعاقب المواطن الصالح الذي التزم به، وكأن الرسالة التي نقولها للمجتمع وأفراده إنه يمكنهم - بل الأفضل لهم - ألا يلتزموا بالقانون وأن يتطاولوا عليه. الزميل فهد الخيطان أبدع في توصيف هذه الحالة من خلال الترحم على روح سيادة القانون الطاهرة.
التكلفة المالية بُعد آخر مقلق في هذا القانون، ويجب السؤال والتوثق من أين سيأتي الإنفاق عليه! القانون بحسب التقديرات المتحفظة سيكلف مئات الملايين، ويحدث هذا في الوقت الذي تعاني فيه الموازنة عجزا يهدف برنامج الإصلاح المالي إلى السيطرة عليه من خلال تعديلات ضريبية مختلفة، ومن خلال الحد من الإعفاءات المنتشرة. كيف يمكن السير باتجاهين متعاكسين، ومن سيتحمل التكلفة المالية لذلك؟
القانون سيرضي ويفرح آلاف الأردنيين بلا شك، وقد يفتح المجال لكثيرين لبدء صفحة جديدة وتصويب الأخطاء والسلوك، وقد يعطي فرصة لمزيد من الالتزام من قبل من فاته الانصياع للقانون في السابق، لكن هذا القانون بالضرورة سيغضب أعدادا مضاعفة من المواطنين، وهي الجزء الذي التزم بالقانون من المجتمع وآمن بسيادته وانصاع لدولته وقوانينها. هذه الفئة ستشعر - محقة - إنه تم معاقبتها على مواطنتها الصالحة، وكان ربما الأفضل لها ألا تلتزم ولا تنفذ واجباتها بل تنتظر عفوا يأتي كل بضع سنين.
توجهات الاقتصاد الوطني الاستراتيجية تتمثل في إصلاح المالية العامة للدولة، والسيطرة على العجز في الموازنة، وخفض نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي. بقناعة إن هذه الإجراءات والتوجهات هي الطريق الذي سيحقق الاستقرار المالي الذي يعد شرطا وبيئة ضرورية للنمو، فكيف يستقيم كل ذلك مع إعفاءات ستكلف مئات الملايين!
نعكف كدولة، أيضا، على مغادرة نموذج الدولة الريعية لأننا لسنا دولة نفطية، ونحاول ترسيخ نهج دولة الإنتاج والاعتماد على الذات، وهذا لا يتم إلا بإحقاق متطلبات دولة القانون وسيادته، وباتخاذ القرارات الاقتصادية التي تتناسب وأوضاعنا لا أن نتصرف وكأننا في بحبوحة وربيع!