إيران وإسرائيل: مسرحية سياسية لا أكثر

يُخطئ من يعتقد أن التصعيد، الذي شهدته الأسابيع القليلة الماضية، وما يزال ولكن بوتيرة أقل، بين طهران وتل أبيب، سيغير قواعد اللعبة في المنطقة، أو أنه قد يتصاعد إلى حرب إقليمية بين قوتين تتنافسان جيوسياسيا وتاريخيا لتعزيز النفوذ في الشرق الأوسط.

اضافة اعلان


الموضوع ببساطة يتعلق بحفظ ماء الوجه بين الفعل ورده، ويمكن القول إنه انتهى أو على وشك الانتهاء بعد تبادل الضربات المسرحية بين البلدين، وأن مسار الأحداث، بعد خفض التصعيد خلال الأيام المقبلة، سيتوجه مجددا إلى مستجدات وتداعيات العدوان الإسرائيلي السافر على قطاع غزة وشعبها، مع توجس العالم من الخطط الإسرائيلية لاقتحام رفح جنوب القطاع.


فلا إيران ولا إسرائيل ولا القوى الإقليمية ولا الدولية على استعداد لانفلات الأوضاع، وما يجره من كوارث اقتصادية، ليس أقلها من انقطاع إمدادات النفط من أهم منطقة منتجة للذهب الأسود في العالم، إضافة إلى التأثير على مصالح القوى العظمى في المنطقة، خصوصا الولايات المتحدة، التي تستعد لانتخابات رئاسية مقلقة مع دخول الرئيس السابق المثير للجدل، دونالد ترامب، حلبة السباق، هذا إضافة إلى أن واشنطن تسعى إستراتيجيا دوما إلى تركيز جهودها عالميا في مواجهة قطبي الشرق، روسيا والصين.


المتوقع حتما أن تمارس طهران سياسة التريث الإستراتيجي وخفض التصعيد العسكري المباشر من طرفها، والاعتماد مجددا على وكلائها في المنطقة، خصوصا حزب الله، لمناوشة إسرائيل وفق حسابات مدروسة، وكل ذلك من باب قراءة مسار التاريخ، وما آلت إليه تجربة نظام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، التي انتهت باحتلال الولايات المتحدة للعراق، والذي ظل لسنوات طويلة الشوكة الأقوى في خاصرة التمدد الإيراني في المنطقة.


أما إسرائيل، فالأولوية المعلنة لديها هي إنهاء وجود حماس، وهو الأمر الذي تضعه شرطا لنهاية حربها الجنونية على غزة، وليس في مصلحتها إشعال جبهة مفتوحة مع قوة إقليمية مثل إيران، التي تعمل بصمت لتطوير قدراتها النووية، وهو الأمر المرعب للجميع في العالم حال نجاحه.


أغلب الظن أن تهدأ الأمور بين طهران وتل أبيب، لكن ما قامت به إيران من الوصول إلى العمق الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، أو إسرائيل من الوصول إلى العمق الإيراني، في لعبة الكر والفر بينهما، ستبقى في ذاكرة البلدين، لتعمل كل منهما أكثر على زعزعة استقرار الأخرى بالدهاء والخفاء.


إيران ستعمد إلى تقوية شوكة حلفائها في المنطقة، خصوصا في العراق وسورية ولبنان واليمن، مدفوعة بدعم بعض العواصم العالمية المعادية لواشنطن. أما إسرائيل فستناور، بكل ما أوتيت من قوة، لحشد الدعم الغربي، خصوصا، والأممي، عموما، لعزل إيران دبلوماسيا أكثر، من خلال العقوبات الغربية، ومنعها من تطوير قدراتها النووية، لضمان استمرار تفوق قوة الردع العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط.


وما بين كل ذلك وغيره الكثير، علينا عربا أن نقرأ الأحداث بدقة وبراغماتية، وأن نتصرف وفق مصالحنا العربية، وهذا يتطلب بناء هيبتنا العسكرية أكثر وأكثر في المنطقة والعالم، وصولا إلى ترجمة مقولة داهية السياسة والحرب عبر التاريخ، رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل: "نفوذ الدول يقاس بمسافة نيران مدافعها".


وفي هذا خلاصة لعبة الأقوياء في أوقات الحرب، والسلام أيضا، بغض النظر عن الزمان والمكان.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا