الأردن ومعركة هوية الفلسطيني

ربما لا يتوقف الكثيرون عند أخبار تتردد منذ سنوات عن مؤتمرات دولية ولقاءات سياسية يكون الأردن محركا لها تتعلق بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وهو جهد يتم مع دول العالم لمنع قتل هذه المنظمة الدولية وتوقف أعمالها وخدماتها التي تقدمها لضحايا الاحتلال الإسرائيلي في دول المنطقة ومنها الأردن.

اضافة اعلان


وقضية الأونروا مثل ملف المخيمات الفلسطينية التي يعمل الأردن على بقائها ليس لما تقدمه الوكالة من خدمات تعليم أو مساعدات أخرى بل لأنها عنوان من عناوين القضية الفلسطينية، وشاهد على وجود لاجئ ونازح واحتلال وقضية، فهذه الوكالة الدولية كانت هدفا لدول كبرى مثل الولايات المتحدة في فترة ترامب من خلال وقف المساهمة الأميركية المالية في تمويل خدماتها، وعمل الأردن بكل طاقته السياسية وعلاقاته مع إدارة بايدن لإلغاء القرار الأميركي، ويعمل مع دول أوروبية عديدة لإبقاء الوكالة تعمل، وهناك دائما سعي عبر تنظيم مؤتمرات دولية، آخرها سيكون بعد أيام لتوفير التمويل.


معركة "الأونروا" التي لا يتوقف عندها البعض، هي معركة الشواهد على ظلم الاحتلال ووجود حق للفلسطيني على أرضه على الاحتلال أن يدفعه، والتصدي الأردني لإبقاء هذه المنظمة الدولية جزءا من إيمان الأردن؛ بأن بقاء القضية الفلسطينية حاضرة جزء من خدمة الحق الفلسطيني، وأيضا، دعم للهوية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال وحفاظ على المصالح الأردنية. 


جوهر القضية ليس جمع تبرعات لإبقاء الأونروا حيّة تقدم الخدمات، بل بقاء عناوين القضية الفلسطينية، فالفلسطيني يجب أن يبقى فلسطينيا في مواجهة سياسات الاحتلال لجعل الفلسطيني حاملا لهوية وطنية وسياسية أخرى وحتى لو بقي يحمل عاطفة تجاه فلسطين أو حنينا لتراثه، فالاحتلال يراهن على أن تعاقب العقود سيجمّد هذا الحنين ويغرق الفلسطيني في مصالحه تحت هوية وطنية وسياسية أخرى في دول العالم.


الأردن يدرك أن جزءا من المعركة مع الاحتلال هو على عناوين القضية، وربما الأردن آخر المعاقل التي تدافع عن عناصر القضية في القدس والضفة والمقدسات وحق العودة، وجزء من الأدوات التمسك بالحق السياسي والوطني للفلسطينيين على أرضهم وليس في مكان آخر، وأيضا بقاء الأونروا تعمل، وبقاء المخيمات واللجوء عناوين وشواهد على وجود ظلم واحتلال وتشريد. 


جزء من إستراتيجية الاحتلال المراهنة على مرور الزمن، وتذويب الفلسطيني في مجتمعات ودول أخرى، وإزالة كل عناوين القضية وعناصرها الكبرى، وتحويل القضية لدى أجيال من الفلسطينيين إلى صور أو تراث أو أشياء أخرى بعيدا عن جوهر القضية، ومعركتنا أن يبقى الفلسطيني فلسطينيا في مواجهة الاحتلال، وأن تبقى الشواهد على ظلم الاحتلال، وأن لا يكون الحق الفلسطيني إلا على أرض فلسطين.


معركة صعبة وطويلة تتجاوز الحالة السياسية، معركة يجب أن لا يتم تجاوزها من الفلسطيني أو العربي، لأنها في النهاية هي من ستحسم الصراع الكبير على هوية الأرض والمقدسات.


ربما لا تكون الظروف السياسية ولا تعامل بعض أهل القضية في صالح جوهر المعركة، لكن بقاء الرؤية واضحة، حتى ولو لدى البعض، كفيل بأن يجد فرصة في مرحلة لاحقة وظرف أفضل للعودة بالقضية إلى أصولها، فبقاء فلسطين للفلسطينيين يتطلب أن يبقى الفلسطيني فلسطينيا وأن تبقى عناوين القضية حاضرةً حتى لو كانت في حدّها الأدنى.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا