التكيف والمقاومة

سائد كراجة– يحتاج الأردن في هذه المرحلة أنانية سياسية مطلقة، أنانية سياسية وعقل سياسي بارد يقضي بتقديم أولوية الحفاظ على الأردن دولة وشعبا ودستورا على أي اعتبار آخر، وبمثل هذا العقل السياسي البارد يحتاج الأردن مناقشة خياراته أمام تطورات الوضع في الأرض المحتلة إسرائيليا وفلسطينيا. الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست عارضا سياسيا انتخابيا جاء بحكومة يمينية يمكن لذات الأدوات الانتخابية تغييرها، هذه الحكومة مرحلة جديدة من مراحل وجود إسرائيل في المنطقة، تتكرس بعد إنجاز المخطط الإسرائيلي الأميركي لتحقيق العجز العربي السياسي والعسكري التام، والذي تحقق بانهيار لبنان والعراق وسورية وبالتطبيع الإبراهيمي! وهي مرحلة تجهر بمشروع ديني صهيوني لإقامة إسرائيل اليهودية الكبرى وهو مشروع لا يَستثني التضحية بالأردن أرضا ونظاما. فلسطينيا نحن في مرحلة انتفاضة ثالثة، انتفاضة شعبية إلى حد بعيد، بمعنى أنها انتفاضة أفراد منبتين عن ارتباطات فصائلية تقليدية، الأمر الذي يُصَعِّبُ رصدَها وقمعَها إسرائيليا، وفي ذات الوقت فإن هذه الانتفاضة تحرج السلطة وتزيد من احتمال انهيارها، أو على الأقل انتهاء دورها الذي استمدته من التنسيق الأمني مع إسرائيل ومن تعهداتها للأميركان بالتهدئة ومنع المقاومة وخاصة العسكرية منها. في هذا المشهد الفلسطيني فإن انقلابا شعبيا على السلطة أمر وارد، ووارد أيضا نشوب نزاع أهلي فلسطيني فلسطيني يجعل الفوضى سيدة الموقف، فوضى ستشجعها إسرائيل لضمان تحويل المقاومة والسلاح الفلسطيني إلى صدور الفلسطينيين أنفسهم. وهو ما يضمن تخفيف الضغط على إسرائيل ويحول دون تنامي دعم عربي وعالمي سياسي وعسكري للمقاومة الفلسطينية، مثل هذه الفوضى في الضفة أو النزاع الأهلي – حتى لا أقول حربا أهلية فلسطينية – يمثل للأردن كابوسا سياسيا وعسكريا على أمنه ومصالحه العليا. يُنقل عن مصادر صنع القرار في الأردن أن السياسية الخارجية الأردنية تميل لعدم التصعيد مع إسرائيل، وتكريس الرأي المحافظ التاريخي الذي يتلخص بأن المبادرة لصدام أردني مع إسرائيل غير وارد، وهو لا يصب في مصلحة الأردن العليا، وهو موقف قديم جديد يمثل فقهًا سياسيًا رسميًا مفاده ردع عدوان إسرائيل على الأردن بالسلام معها، وما اتفاقية وادي عربة إلا تطبيقا عمليا لهذا الرأي، وبالتالي يخلص هذا الرأي المحافظ إلى القول بالاستمرار بسياسة التكيف مع تطورات المشهد الإسرائيلي. وهذا رأي وفقه له وزنه ومن غير العملي والسياسي إغفاله في ضوء ارتباطات الأردن التاريخية والسياسية وفي ضوء التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن، ولا أعتقد أن أي عاقل سيطلب من الأردن القفز في الفراغ، خاصة أن أي موقف سياسي لأي دولة لا بد أن يكون حصيلة لظروفه السياسية والاقتصادية، ومن الموضوعي القول إن الأردن سياسيا وجيوسياسية واقتصاديا أيضا لا يمر بأحسن أحواله. لكن المتغير الوحيد الذي على أصحاب الرأي المحافظ الانتباه له وفحصه، هو موقع الأردن في عقل وعقيدة إسرائيل الحالية. إسرائيل اليمين ولا أقول حكومة اليمين الإسرائيلية، إسرائيل التي تتحضر لإكمال مشروع الدولة اليهودية على أرض إسرائيل الكبرى التي تقع الأردن ضمن خريطتها! هذا من جانب، ومن جانب آخر التطور الواضح على العلاقة الأميركية الإسرائيلية المتجه نحو مزيد من خروج إسرائيل من تحت العباءة السياسية الأميركية أكثر من أي وقت مضى، وهو الأمر الذي عوّل ويعول عليه الاتجاه المحافظ في الأردن لضمان عدم أذية إسرائيل وعدوانها على الأردن. التحديات التي يواجهها الأردن على صعيد الملف الصهيوني هي تحديات وجودية، وهي تحديات تتطلب مراجعة جذرية لثوابت تاريخية في فهم العلاقة الأردنية الإسرائيلية، أفهم القول بأنه ليس مطلوبًا من الأردن إطلاق صواريخ على إسرائيل، وربما عاد من غير المجدي حتى إلغاء المعاهدة أو طرد السفير، لكن الاستمرار في تقييم الموقف سندا لمفاهيم تاريخية تجاوزها الواقع أمر فيه مخاطرة التأخر عن أخذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، لسنا محكومين بالتكيف ولا بالمقاومة بالمعنى الشائع، ولكننا في أَمَسِّ الحاجة لخلق خيارنا الوطني أمام عدو خارجي كان يعتبر ولعدة عقود – ضمنا أو علنا- حليفًا إستراتيجيًا أو شبه حليف، واليوم ينقلب لعدو إستراتيجي! الأمر خطير جنابك! المقال السابق للكاتب الشباب والمخدراتاضافة اعلان