التمييز العنصري يحصد قتلى

حينما نتكلم عن الشوارع المؤدية لبلدات ومدن فلسطينيي 48، وحينما نتكلم عن قتلى حوادث الطرق من فلسطينيي 48، ونسبتهم من اجمالي القتلى، لا نكون قد تركنا السياسة جانبا، بل نكون في عمقها، وفي عمق العقلية الصهيونية العنصرية الشرسة؛ لأننا نتكلم عن أحد جوانب التمييز العنصري، الذي نتيجته مجزرة مستمرة على الطرق، بسبب نهج اهمال البنى التحتية في مناطق فلسطينيي 48، مع سبق الإصرار والترصد. فقد أصدر "المراقب العام للدولة" في الأيام القليلة الماضية، تقريرا عن عمل وزارة المواصلات في السنوات الأخيرة، التي يتولاها منذ عشر سنوات الوزير يسرائيل كاتس من حزب "الليكود". وبيّن التقرير مدى البطء الشديد في تطوير البنى التحتية، وتطوير شبكة الطرق، خاصة في منطقة تل أبيب الكبرى، التي تواجه أزمة سير خانقة جدا ومزمنة؛ وهي تستفحل من عام إلى آخر، نتيجة الانفجار السكاني في هذه المنطقة، التي يهاجر لها اليهود من باقي المناطق، سعيا وراء فرص العمل، والحياة العصرية، وهربا من أجواء التديّن التي تنتشر في مدن إسرائيلية مركزية. ولكن ما لم يتوقف عنده تقرير المراقب العام، أو لربما أن الصحافة الإسرائيلية لم تتوقف عنده، لأنه ليس من اهتمامها، هو وضعية البنى التحتية بين بلدات فلسطينيي 48 وفي داخلها، فنسبة عالية من تلك الشوارع، خاصة إذا كانت مغلقة تقريبا لفلسطينيي 48 وحدهم، تسمى "شوارع حمراء"، بمعنى شوارع خطرة للغاية، بعيدة كل البعد عن التطوير والتوسيع العصري، ما يزيد من مخاطر حوادث الطرق القاتلة. ونحن لا نتحدث هنا عن "بلدات نائية"، بل شوارع توصل بين مدن فلسطينية، يسكنها عشرات الآلاف. وللتوضيح في المعطيات، فإن نسبة فلسطينيي 48 من اجمالي السكان تلامس 18 %، وهذا من دون احتساب القدس المحتلة والجولان. ولكن نسبتهم من بين اجمالي قتلى حوادث الطريق 33 %، وأحيانا تقفز عن هذه النسبة. بمعنى، تقريبا ضعف نسبتهم من بين السكان، وهذا لا يعود لخلل في آداب السير، وخرق قوانينه، بل بمعظمه لأسباب موضوعية، جذرها الأساسي هو سياسة التمييز العنصري. ومن الأسباب الأولى، هو ضعف البنى التحتية، فمثلا مفارق عديدة لبلدات عربية على طرق سريعة، لا توجد إشارات ضوئية، أو جسور أو حتى خطوط سير لضمان الأمان. كذلك فإنه في داخل البلدات، ونظرا لشح الميزانيات، فالكثير من البلدات تفتقر للأرصفة ولهوامش الشوارع، لضمان سير المارة. ولكن من الأسباب الأخرى، أنه بسبب افتقار البلدات العربية لمناطق صناعية وأماكن عمل، فإن ما يزيد على 70 % من القوة الفلسطينية العاملة، تضطر لمغادرة بلداتها يوميا لمسافات تصل الى عشرات الكيلومترات في كل اتجاه، بمعنى الخروج عند الفجر، وفي حالة كهذه السائق لا يكون بحالة يقظة كاملة، ويضطر للعودة مساء بعد يوم مرهق، ولهذا فإننا نرى أن نسبة ليست قليلة من حوادث الطرق يكون ضحاياها من العاملين من هذه الشريحة. كذلك نضيف إلى هذه الأسباب، هو أن سوء الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، وارتفاع نسبة الفقر بين فلسطينيي 48، إلى أكثر من 50 %، وهذا أكثر من 5 أضعاف الفقر بين اليهود، يضطرهم لامتلاك سيارات قديمة، أو مستوى صيانتها ليست بالمستوى المطلوب. هذه الأسباب ظهرت في تقرير رسمي صادر عن "مجلس الأمان على الطرق" الإسرائيلي في العام 2004؛ ولكن ذات الأسباب والنسب المئوية ما زالت قائمة حتى اليوم، لأن في عقلية الحُكم الصهيوني العنصري، فإن "كل عربي أقل، أفضل"، أو حسب المقولة الشائعة: "العربي الجيد هو العربي الميت". سيقول قائل، "إنني أبالغ". وهاكم نموذج آخر، سنويا يقتل في حوادث العمل، وخاصة في قطاع البناء، ما بين 38 إلى 48 عاملا، الغالبية الساحقة جدا من هؤلاء هم من فلسطينيي 48 وفلسطينيي الضفة، ونسبة أخرى من العمال الأجانب، ونسبة اليهود تقل عن 10 %. ورغم كل الضجة، إلا أن الحكومة الإسرائيلية ترفض رصد ميزانيات كافية للحد من هذه المجزرة المستمرة، وبشكل خاص زيادة الرقابة على أماكن عمل البناء. لماذا؟ لأنه حسب المقولة- القاعدة الصهيونية، فإن "العربي الجيد هو العربي الميت".اضافة اعلان