المؤثرون وكلام المدينة

تهاني روحي في أخفض بقعة على سطح الأرض، ومقصد للآلاف من السياح سنويا، تجمع المؤثرون في الأردن جاؤوا من أنحاء الوطن العربي، ليناقشوا القضايا التي تتعلق بظاهرة المؤثرين الذين تطورت أدواتهم بما وفرته لهم التطبيقات الذكية، والتي حولتهم لأصحاب مهنة ممتعة ومربحة، ويتم استقطابهم من أصحاب الأعمال والشركات للترويج والتسويق بطريقتهم المؤثرة. وسواء اختلفنا أم اتفقنا بشأن ظاهرة المؤثرين وما هو المحتوى الذي يقدمونه، وهل بالفعل استطاعوا قلب الطاولة على الاعلام الرصين التقليدي، لا مجال لنقاشه فالموضوع طويل وله عدة جوانب نظر متعاكسة بل متضادة. فالرئيس التنفيذي وصاحب فكرة انعقاد ملتقى (كلام مدن) أكد أن الاهتمام باستقطاب المؤثرين من مختلف البلدان العربية من شأنه أن يكون قوة اقتصادية واجتماعية إيجابية دافعة في عصر التواصل الاجتماعي. وإن علمنا أن الاستهداف كان بشكل خاص قرابة 500 من المؤثرين العالميين في قطاع السياحة والسفر ودعوتهم لاستكشاف الأردن عبر جولات لأماكن سياحية بعيونهم ولجماهيرهم، فلا شك سيكون له أثر إيجابي للترويج للأردن كوجهة سياحية خاصة لجيل الشباب من متابعيهم ومن مختلف البلدان ولتصل الرسالة عبر المؤثرين المشاركين إلى أكبر عدد. وبحسب الشركة المنظمة فإن إجمالي عدد متابعي المؤثرين وصُناع المحتوى المشاركين في الملتقى بلغ نحو 248 مليون متابع على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، مما يحقق غاياته التسويقية. ومع أنني لم أتلق دعوة لحضور هذا الملتقى يبدو لأنني غير مؤثرة، إلا أن صخبا واستياء كبيرين عمّ الأوساط الإعلامية وجماهير وسائل التواصل الاجتماعي، الذين لم يستحسنوا طريقة التسويق السياحي الجديدة، وكثرت المعلومات المضللة بشأن تكاليف الملتقى، الأمر الذي نفاه منفذو المشروع حيث كان هناك رعاة من مختلف الدول العربية ساهموا في تغطية التكاليف كما علمنا من وسائل الإعلام الرسمية على الأقل. وهنا لا بد من مراجعة دورنا كمتلقين على وسائل التواصل، وعلينا تحري الحقيقة وأن نشاهد الأمور بعيوننا لا بعيون الآخرين، فسيل المعلومات جارف ويجعل من الصعب أحيانا التحقق من المعلومات المضللة أو الصحيحة قبل الانجرار في أي حوار، والأمثلة كثيرة في السابق. وتبقى التساؤلات مشروعة للتفكر أمام تزايد نفود المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، هل بالفعل استطاعوا قلب الطاولة على مفاهيم الإعلام التقليدي؟ وما هي الرسائل الإعلامية التي نحتاجها من صناع المحتوى الذين يستقطبون الجماهير والمعلنين؟ هذه الوسائل لا زالت ماضية في طريقها في إحداث تغييرات عميقة في العلاقات الإنسانيّة، وهي ظاهرة توضِّح كيف أنّ الثّورات في التقنيّة لا تُغيّر الأداء فقط بل تغيّر مفهوم المجتمع الذي نعيشه. ولا تمثل مواقع التواصل الاجتماعي العامل الأساس للتغيير في المجتمع، لكنها أصبحت عاملا مهما في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي، في نظرة الإنسان إلى مجتمعه والعالم. فالمضمون الذي نتوجه به، لا يؤدي بالضرورة إلى إدراك الحقيقة فقط، بل يسهم في تكوين الحقيقة، وحل اشكالياتها. ولكن لكي يحدث التغيير في مجتمعاتنا، لا بد من أن يصاحبه تغيير في “الذهنيات والعقليات”. المسؤولية باتت أكبر على المؤثرين والنشطاء على وسائل التواصل لأن يعوا حجم هذا التأثير على عاتقهم لشريحة كبيرة من الأفراد وخاصة الشباب وأن يرتقوا باستمرار بالمحتوى الذي يقدمونه. وفي خضم سيل المعلومات الجارف الذي يطالعنا به المؤثرون، سواء كانت مضللة أم حقيقية، علينا نحن كمتلقين ان نكون أكثر وعيا، ونقاطع أي محتوى يستخدم أساليب الخداع والتفاوض الذي يمزج ببراعة أحيانا بين ما هو عاطفي وإنساني أو اجتماعي أو ترويجي لتحقيق التأثير المطلوب على الجمهور. ان هذه المنصات جعلتنا نستكشف المفاهيم الأساسيّة والتّطلعات الشّجاعة التي كانت غائبة إلى حدّ كبير عنا والتي تحمل في طيّاتها إمكانيةَ أن تُسفر عن لحظةٍ من وعي مجتمعي جماعي، وتجعلنا نتفكر في قرارة أنفسنا في أمور أكثر عمقا. المقال السابق للكاتبة للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنااضافة اعلان