حرية التعبير والجرائم الإلكترونية

النقد القارس وخاصة لصاحب المنصب العام مباح ومشروع، والقضاء من ناحية عملية هو الذي يقرر إذا كانت عبارات النقد تدخل في المجال المباح أو غير المباح المجرم؛ فإن وجد أن العبارة لا تنقص من كرامة الشخص وشرفه فإنه قد يعتبرها مباحة وضمن ثقافة المجتمع أو ضمن المساحة التي يعبر بها الناس عن أنفسهم، وهذا شأن القضاء. أما إن وجد أنها تنتقص من كرامة الشخص وشرفه ومكانته فإنه قد يعتبرها مجرمة قانونا.

اضافة اعلان


النقد السياسي المباح مجاله واسع وهو مقبول قانونا، والقضاء الأردني في أغلب قراراته انتصر لحق الحرية والتعبير عن الرأي والنقد السياسي. ما هو ممنوع في مجال النقد هو نشر الإشاعة، وهي المعلومة غير مؤكدة المصدر أو الملفّقة، ومجرم أيضًا النقد الذي يتناول الشخص أو عائلته في شأن ليس متصلًا بعمله أو وظيفته محل النقد، فالهدف من النقد السياسي هو رقابة سلطة الصحافة على أداء الدولة وهذا سيف قانوني صحيح وسليم وصحي ويجب تشجيعه حتى يكون الموظف العام والمسؤول على علم ويتذكر أنه تحت رقابة الشعب بواسطة الصحافة المهنية.


معادلة نقد الدولة والمسؤولين بشكل موضوعي مرتبطة بحق الناس عمومًا والصحفيين خصوصًا بالحصول على المعلومة؛ فإن كان الحصول عليها متعذرًا فإنه من المجحف أن يطلب من صحفيّ تحري الدقة وهو محروم من مصدر موثوق لتحري الدقة، ولهذا فإن حرية الصحافة والتعبير ليست فقط قانونًا عقابيا للمسيء – على أهمية ذلك – ولكنها مرتبطة أيضا بمنظومة الشفافية وحق وسهولة الحصول على المعلومة من مصادر الدولة الرسمية!


قانون الجرائم الإلكترونية استحقاق قانوني، فقد أسقطت الإنترنت أسوار العالم، وغيّرت معنى الزمان والمكان، ألغت حدود الدول، وغزت حرمة المكان والإنسان، وشكلّت مجتمعًا كنا نحسبه افتراضيا، والحقيقة أنه عمليّ وأكبر حضورًا في حياتنا من الواقع الفعلي؛ هو ليس مجتمع دردشات، بل هناك بنوك ونقود وتحويل حسابات ومعلومات شركات تمثل رأس مال وثروة مجتمع، وهناك أيضا أسرار دولة وقضايا أمن عام، وأيضًا هناك حياة شخصية للناس وأعراض وأسرار تمثل خصوصية فردية؛ إنه مجتمع رديف متكامل.


ومثل أي مجتمع تنشأ حوله الجريمة والمجرمون، وبطبيعة الحال ستكون الجريمة مماثلة لبيئتها ولهذا ظهرت جرائم تستخدم الإنترنت والتكنولوجيا! فهناك جرائم إلكترونية تقع على الأموال مثل النصب والسرقة والاحتيال عبر الإنترنت، وهناك جرائم واقعة على الأشخاص مثل التهديد والابتزاز أو الاعتداء على شرف الناس وكرامتهم وسمعتهم الشخصية والتجارية، وهناك جرائم تعتدي على مؤسسات الدولة وأسرارها العسكرية والأمنية!


قانون الجرائم الإلكترونية المعدل أمام اللجنة القانونية في مجلس النواب وهم – وخاصة رئيس اللجنة – أشخاص أكفاء، وفي هذا الصدد يمكن تقديم الملاحظات التالية:


التوقيف عموما والتوقيف للصحفيين أمر ممجوج ومكلف على الدولة وعلى الخزينة ولا داعي له، وأعتقد أن الوقت قد حان لضم جرائم القدح والذم والتحقير من خلال الإنترنت والتكنولوجيا على قائمة الجرائم التي لا توقيف عليها، على أن نجد وسيلة واضحة وسريعة لسرعة البت في الشكاوى المتعلقة بهذه الجرائم.  


علم القانون هو علم الدقة، ولا داعي للتذكير بضرورة ضبط المصطلحات والتعابير، فإن نص القانون يمثل الركن القانوني للجريمة؛ وحيث أن القاعدة العامة تفيد بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، فإن هذا النص يجب أن يكون جامعًا مانعًا لا فضفاض ولا مرسل، ولهذا فإن عبارة مثل «اغتيال الشخصية» الواردة في مشروع القانون إما أن تعرّف على نحو دقيق وإما أن تستبدل بكلمات وعبارات أدق تعبيرًا عن نية المشرع وحدود التجريم.


المدرسة التي تنادي بتشديد العقوبة للردع القانوني لا تنجح دائمًا والأصل توازي العقوبة مع خطورة الفعل وهذا فن التشريع الذي يجب أن يقوم على دراسات اجتماعية معمقة، فبين عام 2015 و2022 وحسب المعلومات المنشورة على موقع الأمن العام الرسمي، فقد ارتفعت الجرائم التي ترتكب في الفضاء الرقمي ستة أضعاف. وبهذا فإن تصدي المجتمع لها أمر مطلوب وضروري ولكن لنعلم أن حماية الحريات الشخصية والعامة هي من صلب الدفاع عن المجتمع والأفراد وتحصينه، وإن التوازن بين الحرية وبين حماية المجتمع من التعدي عليه وعلى أفراده هو طريق الإصلاح والتحديث السياسي ومستقبل الدولة المدنية الدستورية المعاصرة، فاهم عليّ جنابك!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا