المرتكزات العقائدية للفكر الإبادي الصهيوني (6)

ثمة الكثير من اليهود في العالم ممن يقرأون العقيدة اليهودية على أنها دين خيري، ويتنصلون –بتحكيم الحس السليم والمنطق الأخلاقي- من التأويلات المتطرفة للنصوص التوراتية/ التلمودية/ الحاخامية التي توصي اليهود بالانفصال والعنصرية والإقصاء.

اضافة اعلان

 

ويرفض هؤلاء اليهود بشدة المشاركة في –أو دعم- المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، الشيطاني وغير الأخلاقي بطبيعته. بل إن هناك طوائف يهودية متدينة ترى في المشروع الصهيوني افتئاتًا على الله ومخالفة لتعاليمه التي حكمت على اليهود بعدم السعي إلى إقامة دولة يهودية، والاندماج بدلًا من ذلك في الأمم التي ينتمون إليها.


لكنّ الذي سهل نجاح المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين وبرره أخلاقيًا كان وجود عدد كافٍ من اليهود المؤمنين بالتأويلات والتعاليم والمقولات اللاهوتية المتطرفة التي ورد جزء منها في هذه المقالات، والتي لا يمكن أن تصدر عن الله تعالى. وفي حين يصف الغرب المتماهي مع الصهيونية المسلمين كلهم بأنهم متطرفون –بل إرهابيون- حتى يثبت العكس بسبب قلة لا تُذكر من معتنقي التأويلات المتطرفة، فإنه يحجم عن وصف الصهاينة الاستعماريين –وهم الذين يشكلون الأكثرية النافذة من اليهود بلا شك- بالتطرف والإرهاب، ممثلين بالكيان الاستعماري قاتل الأطفال القائم على الاستيلاء. وليست هذه الازدواجية القبيحة غريبة على كل المنظومة الاستعمارية الاستغلالية العنصرية، المزدرية للإنسانية بنفس المقدار.


بالإضافة إلى احتقار اليهود للأغيار كجزء من العقيدة الاستعلائية (كل غير اليهود بلا استثناء)، وادعاء الترخيص لليهود بقتلهم، يستند الصهاينة المتطرفون أيضًا إلى مجموعة من النصوص اللاهوتية التي تضع لهم قواعدهم «الأخلاقية» الخاصة.

 

وتبرر هذه التعاليم –بل وتوصي بخداع بقية الأمم ومصادرة حقوقها وممتلكاتها وتجريدها من إنسانيتها، كجزء من الامتياز الذي تزعم هذه النصوص أن الله منحها لليهود وحدهم باعتبارهم شعبه المختار.


تستلهم نظرية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني إلى مجموعة من التعاليم التي وضعها «الحكماء» وسُجلت في التلمود، تؤكد حق اليهود في الاستيلاء على أي شيء في العالم، بالسرقة والنهب والخديعة وكل ما يعتبر في العرف الإنساني سقوطًا أخلاقيًا يستوجب الشجب والعقاب. وبشكل أساسي، تمكّن هذه التعاليم قادة الكيان وأفراده من الادعاء علنًا وبإيمان بأن استعمار فلسطين وتجريد أهلها من ممتلكاتهم فيها هو وفاء مطلق لإرادة الله وتجسيد مطلق للإيمان والأخلاق اليهودية. لم لا وهم يأخذون جزءًا يسيرًا فقط من حقهم، الذي هو امتلاك كل العالم؟


جاء في تلمود وليام ديفدسون عن الاستيلاء بالاستغفال: «اشترى رافينا ‏‏وأممي (غير يهودي)‏‏ شجرة نخيل‏‏ معًا من أجل ‏‏تقطيعها‏‏ وتقسيم الخشب بينهما. وقال رافينا ‏‏لمرافقه: أسرع واسبق‏‏ الأممي حتى تتمكن من إحضار نصيبي من الخشب ‏‏من جذع‏‏ الشجرة، الذي هو أكثر سُمكًا من الجزء العلوي من الشجرة، ‏‏لأن الأممي يعرف‏‏ فقط ‏‏عدد‏‏ جذوع الأشجار التي من المقرر أن يتلقاها ولن يدرك أنك تأخذ القطع الأكثر سُمكًا». 


وفي نفس التلمود، (بافا كاما 10113، ب): ‏يقول شموئيل‏‏ أنه ‏‏يجوز‏‏ الاستفادة ماليًا من ‏‏خطأ‏‏ تجاري من أممي، أي أنه لا حاجة إلى إعادة فرق الخطأ. ويلاحظ الجمراه (الكتاب الثاني من التلمود)‏ أن هذا ‏‏يشبه تلك‏‏ الحادثة ‏‏التي اشترى فيها شموئيل وعاء ذهبيًا [‏‏لاكنا‏‏] من أممي مقابل ثمن‏‏ وعاء ‏‏حديدي،‏‏ الذي كان ‏‏أربعة دنانير، حين وضع‏‏ شموئيل ‏‏دينارًا‏‏ ‏‏إضافيًا‏‏ في المبلغ الذي دفعه حتى لا يدرك الأممي خطأه»).


وجاء في التلمود البابلي، شولشان أروخ، شوسشِن هامسبات 156: «عندما يكون لدى يهوديّ أمميّ في براثنه، قد يذهب يهودي آخر إلى نفس الأممي، ويقرضه المال ويخدعه بدوره، ويهلك الأممي. لأن ممتلكات الأمميين، وفقًا لشريعتنا، ليست ملكًا لأحد، وأول يهودي يمر له الحق الكامل في الاستيلاء عليها».‏


وفي شولشان أروخ، شوسشِن هاميسبات 384: «جميع ممتلكات الأمم الأخرى تنتمي إلى الأمة اليهودية، والتي، بالتالي، يحق لها الاستيلاء عليها من دون أي وازع».‏
وفي توسيفتا، عبدا زارا 8، 5: «كيف نفسر كلمة ’سرقة‘: يُحظر على الغوي (غير اليهودي) السرقة أو السلب أو أخذ النساء كرقيق، وما إلى ذلك، من غوي أو من يهودي. لكن اليهودي ليس ممنوعًا من فعل كل هذا مع غوي».‏


وفي سيف، جيه بي.، 92، 1: «أعطى الله اليهود السلطة على ممتلكات ودماء جميع الأمم».‏


وفي شوسشِن هام 388، 15: «إذا أمكن إثبات أن أحدًا أعطى أموال الإسرائيليين للغوييم (جمع غوي)، فيجب إيجاد طريقة -بعد دراسة حكيمة- لمحوه من على وجه الأرض».‏


وفي شوسشِن هام، 266، 1: «يجوز لليهودي أن يحتفظ بأي شيء يجده ينتمي إلى الأمم (غير اليهود). لأن من يعيد الممتلكات المفقودة (للأمم) يخطئ ضد الناموس بزيادة قوة المخالفين للناموس. ومع ذلك، من الجدير بالثناء إعادة الممتلكات المفقودة إذا تم ذلك لتكريم اسم الله، أي إذا كان المسيحيون بذلك سيمدحون اليهود وينظرون إليهم على أنهم أناس شرفاء».‏


وإذن، لا خطأ على الإطلاق، حسب هذه التعاليم، في الاستيلاء على وطن الفلسطينيين حتى لو كان للفلسطينيين ومن دون حاجة إلى ذرائع «أرض الميعاد» و»شعب الله المختار» وما شابه. إن حال فلسطين ينطبق على كل وأي قطعة من الأرض، أو أي مال أو أملاك لأي شخص أو شعب في العالم. هذه هي المعتقدات التي يعتنقها الكيان الذي نواجهه في المنطقة من العالم.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا