خطاب الملك.. مضامين إنسانية وحقوقية

خطاب الملك عبدالله الثاني في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع عشر من شهر أيلول لعام 2023، جاء ليرسخ مضامين إنسانية ومعطيات والتزامات دولية تجاه عدد من القضايا. يأتي الخطاب بتشخيص دقيق لواقع الحال ورؤية إنسانية حقوقية معمقة. وفي هذا الإطار لا يمكن قراءة هذا الخطاب أو الاستماع له دون الوقوف على جملة من القضايا والنقاط الجوهرية منها:

اضافة اعلان


أولًا: في الوقت الذي أكد الخطاب على بيان حجم المسؤوليات والآثار المترتبة على الأردن في ظل أزمات اللجوء المتتالية التي شهدها، كانت مضامين الخطاب واضحة بأن الأردن يحترم التزاماته الدولية طوعا وانطلاقا من إعلائه لمقتضيات التضامن الإنساني وبدا ذلك واضحا من خلال اشارة جلالته إلى الآتي»اللاجئون هم إخوتنا وأخواتنا، إنهم يتطلعون لبلداننا لتساعدهم في إنهاء الأزمات التي أخرجتهم من أوطانهم..». تأتي هذه التأكيدات بالرغم من أنّ الأردن لم ينضم إلى الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951، إلا أنّه كان على الدوام الدولة التي تكاد تكون الوحيدة الملتزمة بمبدأ عدم الردّ أو الطرد للاجئين. 


ثانيا: تعدّ مضامين العدالة والتضامن الإنساني لمواجهة  الأزمات العابرة للحدود من المبادئ الراسخة التي قامت عليها حقوق الإنسان وقيمها، وترسيخا لهذه المفاهيم جاءت مضامين الخطاب لتؤكد أن هذه القيم إن لم تبق قائمة راسخة وذات حضور في التعاطي الدولي مع أزمة اللجوء واللاجئين فإن انعكاسات عديدة ستأخذ مزيدا من التوسع والانتشار والتفاقم تؤثر على الدول كافة وهنا يشير الخطاب إلى أنه «لا يمكن أن يبقى نقص هذا الدعم الإنساني ضمن بلد أو منطقة معينة فقط؛ فالخوف والعوز دوما يتسببان بزيادة كبيرة في عدد اللاجئين الذين يتوجهون إلى أوروبا وخارجها، في رحلات كثيرا ما يكون مصيرها المأساة..». 


هذه المضامين التي جاء بها الخطاب تذكرنا دوما بالحقيقة الثابتة أن الإعلانات والمواثيق والاتفاقيات والقرارات الدولية لن تؤت أكلها في المجال الإنساني ما لم يقرر الأفراد وتعتزم الأمم على جعل هذا العالم يتمتع بقدر أكبر من الإنسانية. فالإنسانية- وكما أشار أحد التقارير الدولية- «هي الجسر الذي يصل بين الأخلاق وحقوق الإنسان والقانون، وهذه المتطلبات هي التي تجعل العالم مكانا آمنا ويتمتع بالسلام للجيل الحاضر والأجيال القادمة».


لهذا يتساءل جلالته في معرض الخطاب «...هل سنجتمع في تضامن عالمي للوصول إلى جذور المشكلة، وحل الصراعات والأزمات التي تدمر الحياة والأمل». تساؤل يتوجب أن يبقى سائرا في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة وان لا ينتهي بانتهاء هذا الخطاب.


ثالثا: تنطلق لغة الخطاب من حقائق رقمية ثابتة بالاشارة إلى أنه «عندما تفوق الكوارث الوصف، فإننا نلتفت إلى الاحصائيات المروعة...هذا العام يواجه أكثر من 345 مليون شخص حول العالم خطر انعدام الأمن الغذائي أو الجوع بشكل يومي...ومن بين الفئات الأكثر عرضة لهذا الخطر (108) ملايين لاجئ من الذين نزحوا قسرا من بيوتهم وتركوا الحياة واعتادوا عليها..يشكل الأطفال 40 بالمائة من هؤلاء اللاجئين، أكثر الفئات عرضة للخطر...».


ومعطيات رقمية أخرى يوردها الخطاب منها ما يتعلق بالأردن تحديدا تجعل العالم يقف أمام حقائق تستنهض مسؤولياته الدولية والإنسانية، إلا أن ما يستحق التوقف مطولا أن المعطيات الرقمية في خطاب الملك عبدالله الثاني تمت أنسنتها؛ فالجانب الرقمي لم يوظف إلا خدمة لبيان حجم المعاناة الإنسانية وآثارها ولم تقدم كبيانات صماء بل تمّ بث الانسانية في جوانبها ليصل للعالم صوت هؤلاء، فيشير الخطاب»...منهم الأمهات والآباء والاجداد، الذين اضطروا إلى الهرب في رحلات محفوفة بالمخاطر لانقاذ أسرهم... منهم شباب لديهم أحلام واعدة وأطفال صغار يستحقون فرصة تحقيق أحلامهم الكبيرة، إنهم يعتمدون على المجتمع الدولي ليتمكنوا من تحمل هذه الحياة الصعبة...» ويستطرد الخطاب انتهاء بالاشارة الواضحة الثابتة « أنهم ليسوا مجرد احصاءات وأرقام، إنهم اخوتنا واخواتنا في الإنسانية وشركاؤنا في عالمنا..».


خطاب جلالة الملك في الجمعية العامة للأمم المتحدة وكما هي العادة خطاب يجمع بين القانون والأخلاق والإنسانية ومبادئ التضامن والعدالة والمساواة وقبل هذا وذاك الكرامة، هو خطاب يذكرنا ويذكر المجتمع الدولي ابتداء أنّ قيم الإنسانية وحقوق الإنسان يتوجب ان تشكل اتجاها ومنهج حياة للأفراد، وأن تشكل  اطارا لصانعي السياسات الدولية في آن واحد وصولا لمجتمعات سالمة ومسالمة لا يهمش فيها أحد.

 

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا