طوق الياسمين

قبل عقود كانت بيانات القمم العربية وحتى لغة الإعلام والسياسة تستعمل مصطلح "دول الطوق"، وكان المقصود به الدول العربية المحيطة بإسرائيل وهي مصر والأردن وسورية ولبنان، وكان هناك مصطلح مرادف وهو دول المواجهة، وكانت القمم العربية تخصص دعما ماليا خاصا لهذه الدول بسبب الدور الذي تقوم به.

اضافة اعلان


لكنّ الطوق تفكك على أكثر من مرحلة عبر معاهدة كامب ديفيد، ثم مؤتمر مدريد وأيضا دخول ياسر عرفات نادي المفاوضات السرية التي أنتجت أوسلو وسلطة رام الله التي خضعت للتفكيك أيضا بالشقاق بين فتح وحماس وتحول غزة أيضا إلى كيان مستقل.


لكن هذا التفكيك عبر وجود معاهدات سلام لم يكن الأداة الوحيدة، فدخول الدول في نفق التدمير الداخلي كان مهما لتفكيك الطوق، فدخلت لبنان منذ عام 1975 حربا أهلية شاركت فيها منظمة التحرير الفلسطينية التي ابتعدت بالمشاركة عن قضيتها الأساسية، وكان احتلال بيروت وقبله اجتياح إسرائيل للبنان خلال فترة الحرب الأهلية، وكان أيضا طرد منظمة التحرير وكل عناصرها من لبنان بعد حرب 1982.


لكن لبنان ولد فيه حزب الله بعد مجيء الخميني وخاض الحزب حروبا مع إسرائيل كان آخرها عام 2006 ومنذ ذلك الوقت توقفت الحروب وبقيت التهديدات فالحزب التزم بقرار مجلس الأمن وتحوّلت أولوياته إلى الداخل اللبناني ثم استنزف نفسه في الحرب في سورية منذ أكثر من عشر سنوات.


لكن هذا الطوق كان بحاجة إلى عملية تدمير من نوع آخر حيث دخلت دول الطوق في أزمات سياسية واقتصادية وأمنية منذ 12 عاما، وكل دولة لها أزمتها الخاصة بما في ذلك الاحتلال الذي خضع له العراق الذي دخل بعد ذلك في دوامة المحاصصة الطائفية، وكانت تنظيمات الإرهاب جزءا من أدوات تدمير المنطقة وإعطاء مبرر لتطرف المليشيات الطائفية، رغم أن كلا الطرفين لا يحتاج لمبرر، لأنه يقدم نفسه حاملا لرسالة الإسلام وليس آلة قتل وتشويه للدين.


خريطة دول الطوق بل وما حولها دول غارقة في مشكلات وأزمات سياسية أو أمنية أو تطرف أو أزمات اقتصادية كبرى أو اقتتال داخلي، وكلها تنهك فكرة الدولة وتضرب أصولها، بل إن بعض أزمات دول الطوق أو ما حولها غير قابلة للحل، وبعضها مثل أزمة السودان الأخيرة تظهر دون مقدمات ولا أفق الحل ولو جزئيا.
والاستثمار الإسرائيلي لكل هذا الواقع أنها ترسم منذ سنوات خريطة جديدة وواسعة لعلاقات ومعاهدات وتفاهمات في العالم العربي ليست مرتبطة بسياسة الاحتلال تجاه فلسطين، وتذهب بعيدا في عمق آسيا وأفريقيا وأيضا في المحيط القريب.


اليوم ليس هناك دول طوق وهذا ليس جديدا لكن دول الطوق وما حولها من أطواق فقدت مناعتها الداخلية بالأزمات والحروب الداخلية والإرهاب والفقر، ومؤكد أن كل هذا ليس صدفة بل هناك عمل كبير وصل بالأمور إلى ما نحن عليه.. فقد تحول إلى طوق الياسمين.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا