قاعدة "مالك الأشتر"!

موفق ملكاوي بعد تدمير العراق على يد الأصدقاء قبل الأعداء، لم يعد شيء قادرا على إبطاء الزحف الإيراني في المنطقة، فبعد استيلائها على العراق وسورية وعلى القرار والقوة والحلفاء الأقوياء في لبنان واليمن، لا بد لها من أن تفكر في خطوتها التالية. المعلومات التي أوردتها صحيفة القبس الكويتية عن أن إيران تبني قاعدة عسكرية كبيرة داخل سورية وقرب الحدود مع الأردن، تأتي ضمن سياق السياسة الإيرانية المعتادة خلال العقدين الأخيرين، بعد أن حققت نجاحات كبيرة في العديد من الملفات، خصوصا الملف النووي الذي تقف حياله واشنطن عاجزة عن أي اختراق حقيقي، بعد خلافات قوية مع حلفائها الأوروبيين، بينما تتبع طهران في سياسة «الخطوات الصغيرة» في إدارة الملف. «القبس» نقلت عن مصادر إيرانية وجود تعزيزات عسكرية من ميليشيا فيلق القدس، وأن الحرس الثوري أرسل «ثلاث وحدات جديدة من لواء فاطميون الأفغاني» إلى درعا، بإشراف خبراء إيرانيين، وقد تضمن تدريباتهم استخدام الصواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيرة. طموح طهران بنفوذ ما داخل الأردن لم يكن سرا، فقد عبر عنه القائد العسكري الإيراني البارز قاسم سليماني مرات عديدة قبل أن يتم اغتياله بغارة أميركية استهدفت موكبه في بغداد مطلع العام 2020. امتلاك نفوذ داخل الأردن لا يشكل سوى خطوة أخرى في تحقيق الطموح الإيراني لإثبات الوجود في منطقة تشتعل فيها الصراعات منذ عقود، أو كما يقال تريد أن تثبت جدارتها بأن تكون شرطي المنطقة الرئيسي، متنافسة في ذلك مع تركيا والكيان الصهيوني، وربما مع الصهاينة وحدهم بعد تراجع التأثير التركي في المنطقة، وانقلاب العديد من القوى السياسية والشعبية ضد أنقرة في أعقاب تدخلاتها في الحرب داخل سورية. لكن سؤالا مهما يقفز هنا، وهو: لماذا حرقت الحرب في سورية أوراق أنقرة، بينما عززت أوراق طهران داخل الشارع العربي بعامة، والأردني على وجه الخصوص، رغم أن البلدين ولغا بالدم السوري حتى النخاع؟! الجواب بسيط جدا، وهو جواب يمتد على مساحة واسعة من التاريخ العربي؛ قديمه وحديثه، وهو الوقوع في عشق الديكتاتوريات المتزينة بالمقولات القومية أو الأخلاقية. ونقول إنها مقولات لأنها لا تصمد أمام المنطق والواقع والتجربة. نحن حتى اليوم، لا نستطيع أن نجري تقييما موضوعيا لتجارب مهمة ما نزال ندفع ثمنها، مثل تجارب جمال عبد الناصر في مصر وفلسطين ولبنان والعراق واليمن، وفي سورية بالذات التي أفرغها من النخب، وحولها إلى دولة بوليسية قمعية على يد رجله عبد الحميد السراج. كما لا نريد أن نفتح الباب للخوض في تشجيعه المنظمات الفلسطينية في الأردن لسلوك الفوضى، ثم تردده في دعمها، وصولا إلى انسحابه من التزامه، وخروجه بمظهر المصلح في اجتماع القاهرة نهاية العام 1970. ما أريد قوله في هذا المقال هو إن العقل العربي، حتما يختلف عن نظرائه من عقول الأمم الأخرى. لا أدري إن كان المستوى التشريحي يحقق هذا الإثبات في الاختلاف، لكنني متأكد أن هناك هوة عميقة بين الاثنين حين نأتي إلى المستوى المعرفي. بالنسبة لحاكم دمشق، ما يزال منذ عقد كامل ينام في العسل، فهناك من يفكر ويعمل عنه؛ روسيا، إيران، حزب الله، والميليشيات المرتزقة التي تعمل بنظام الساعة في قتل وإرهاب السوريين، ويحظى أولئك كلهم بمباركة القوميين واليساريين والمتنفعين والفلول. طبعا لا ننسى الجانب الآخر من المعادلة، التنظيمات الإرهابية العديدة والدول التي استباحت تراب سورية. لا تستغربوا إن وجدتم من بيننا من يؤيدون إيران القابعة على حدودنا. لا تستغربوا؛ فهم بلا منطق. هؤلاء يخرجون بالآلاف لتأكيد حق نظام دكتاتوري بإبادة شعبه بالكيماوي أو المذابح الجماعية، لأنهم سيجدون المبررات غير الأخلاقية الكافية لذلك. هؤلاء يفكرون بهذه الطريقة البشعة. يفكرون بكل ما هو غير أخلاقي لكي يبقوا على شعرة معاوية، تلك التي لطختنا بالعار، وسحبت منا مبادئنا وأخلاقنا وانحيازنا الإنساني. إن وجدتم غدا من يؤيد تدخلا إيرانيا، بأي شكل من الأشكال، في الأردن، فلا تستغربوا ذلك، وعودوا إلى التاريخ لكي تروا أن ابن العلقمي تكرر بصورة مزرية على الدوام!! إنها اصطفافات المصالح التي يتم إلباسها بالمنطق الزائف، والبوصلة التي يقولون إنها لا تكذب، بينما هي كاذبة على الدوام حين يستخدمها الأعداء لتخديرنا. إنها الاصطفافات التي رأينا كم هي مخزية خلال سنوات العبث العربي، فرأينا جهات كثيرة تدافع عن حقوق جميع الجهات، ولكنها تتهرب من استحقاق الوطن ومواطنيه! المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان