لسنا بخير!

محمود خطاطبة- عندما يفتح الطبيب جرحا لأحد المرضى، فإنه يتحتم عليه تنظيفه تمامًا، قبيل القيام بـ”تخييطه”، فأحد الشعراء يقول “إذا ما رم (خيط) الجرح على فساد، تبين فيه تفريط الطبيب”.. فأكبر الأخطاء أن يتم إغلاق الجرح على “وسخ”. فالطبيب عندما يعرف تمامًا سبب علة مريضه أو وجعه، وبالتالي يشخص الحالة المرضية، فإنه حتمًا يكون قد قطع ما يقارب من ثلثي العلاج.. وما ينطبق على الطبيب ومريضه، ينطبق تمامًا على ما يحصل بين الدولة وما تواجهه من مشكلات وأزمات ومعيقات وتحديات من جهة، وبينها وبين المواطن، والفجوة الآخذة بالاتساع بينهما من جهة ثانية. فعندما يبلغ عدد المقترضين الأردنيين من البنوك، نحو مليون ومائتي ألف مواطن، فذلك يعني أننا لسنا بخير، إذ أنه وبحسبة بسيطة فإن هؤلاء يشكلون خمس المواطنين، وبالتحديد حوالي 18 بالمائة من عدد الأردنيين. وعندما يطالب جل أولئك بتأجيل القروض البنكية، أكانت تعليمية أم سكنية أم شخصية، غير آبهين بالأثقال المترتبة عليهم جراء ذلك، من قبيل زيادة مدة أو قيمة القرض نفسه، فإن ذلك يعني أننا لسنا بخير، وأمام حدث جلل يتأثر به الكثير من المواطنين سلبًا. وعندما يكون هناك تدمير ممنهج للكثير من مؤسسات الدولة، بطريقة متعمدة، من خلال وضع الرجل غير المناسب على رأس إدارة، ليس أهلًا لها، وإنما قادته “محسوبية” أو “واسطة” أو “كوتا”، فإننا واقعيون وليس سوداويين، لكن لسنا بخير. وعندما يوجد انعدام الأمن الغذائي لـ6 أسر من كل 10 أسر، تتلقى مساعدات من صندوق المعونة الوطنية، و65 بالمائة من الأسر تشتري الطعام بالدين، فذلك يعني أننا لسنا سودايين، لكن حتمًا لسنا بخير. وعندما تكون 11 بالمائة نسبة الأردنيين الذين يتقاضون أجورًا أو رواتب شهرية تتجاوز قيمتها ألف دينار، والباقي أقل من ذلك، فإن ذلك يعني أننا لسنا بخير، خصوصًا إذا ما علمنا بأن السواد الأعظم من الشعب الأردني دخله الشهري يتراوح ما بين 450 و550 دينارًا شهريًا، فضلًا عن أن خط الفقر يبلغ حوالي ثمانمائة دينار، حسب أرقام مؤسسات ومنظمات مستقلة. وعندما يقول رئيس مجلس الأعيان، فيصل الفايز، بأن “جبهتنا الداخلية ضعيفة، والأحزاب غير قادرة على حمل المرحلة”، فذلك يعني أننا لسنا بخير، ونأمل أن لا ينعتنا أحد بأننا سوداويون، خصوصًا أن الفايز قد شغل سابقًا رئاسة مجلسي الوزراء والنواب، فضلًا عن رئاسة الديوان الملكي الهاشمي. وعندما تكشف مراكز الدراسات والأبحاث، من خلال استطلاعات للرأي، عن أزمة ثقة مستمرة ما بين الحكومة والمواطن، وأن الفجوة في هذه الثقة تزداد يومًا بعد يوم، فذلك يقينًا أننا لسنا بخير. وعندما تنتهك حقوق العمال، أكانت مادية أم معنوية، في الكثير من المؤسسات والشركات الخاصة، وعلى مرأى ومسمع من أصحاب القرار، فذلك يعني أننا لسنا بخير. وعندما يكون هناك تدمير ممنهج للزراعة في وطننا، من خلال التضييق على المزارعين، وارتفاع مستلزمات الإنتاج الزراعي، ودفع المزارع إلى هجر أرضه، مقابل دنانير معدودة، فإن ذلك يعني أننا لسنا بخير. وما التعليم عن ذلك ببعيد، فالمتتبع للقرارات والإجراءات التي تتخذ بمعدل فصلي، إن لم يكن شهري، فإنه وبقرارة نفسه يعلم يقينًا أنه تم إطلاق رصاصة الرحمة على تعليم كنا قبيل أعوام، نباهي به الدول. وعندما ترتفع معدلات الجريمة والسرقة، وانتشار المخدرات، تجارة وتعاط وترويج، وذلك كله باعتراف مؤسسات رسمية، بالإضافة إلى ارتفاع أعداد المتسولين، فذلك مؤشر جدي وواقعي على أننا لسنا بخير. وعندما ترتفع نسبة العزوبية، بسبب تكاليف الزواج المرتفعة وكذلك الأوضاع المعيشية الصعبة، وكذلك معدلات الطلاق، إذ كان هناك 73.3 حالة طلاق يوميًا خلال العام الماضي، فذلك برهان على أننا لسنا بخير. فقد علمنا منذ نعومة أظافرنا، بأن تشخيص أي مشكلة أو أزمة بشكل سليم صحيح مائة بالمائة، فذلك يعني حل هذه المشكلة أو تلك الأزمة، بنسبة مماثلة. المقال السابق للكاتب معاناة “أمومة” معلمات تعليم إضافياضافة اعلان