إحصاءات "العنف الأسري".. كيف تعكس لعبة أرقام الحالات والبلاغات حقيقة حجم الظاهرة؟ 

1692977419090558600
العنف الأسري

استوقفت إحصائيات حديثة بشأن تسجيل 1320 حالة عنف جسدي أسري، موثقة في إدارة حماية الأسرة والأحداث في النصف الأول للعام الحالي، خبراء ومتخصصين في الحماية من العنف، إذ رأى بعضهم فيها “زيادة مقلقة تعكس تنامي حجمها”، وآخرون رأوا بأن تحليل خصائص البيئة الاجتماعية والاقتصادية لتلك الأسر وحالات العنف، الفيصل في تحديد حجم الظاهرة ومستويات خطورتها وجذورها. 

اضافة اعلان


وإذ توافق الخبراء في أحاديثهم لـ”الغد”، على ضرورة مواجهة هذا العنف بمختلف أشكاله، لما يحمله من تداعيات سلبية على استقرار المجتمع وسلامة بنية الأسرة فيه، رأوا بأن المنظومة التشريعية بشأنه في الأردن متقدمة، أمام تزايد حجم البلاغات الواردة إلى إدارة حماية الأسرة وقدرها 28 ألفا منذ بداية العام، وفقا لتصريحات إعلامية لمدير الإدارة العميد سائد القطاونة، قبل أيام. 


وازدادت حالات العنف الجسدي المسجلة في الإدارة للعام الحالي في الفترة ذاتها من العام الماضي (1273) حالة، بصورة طفيفة قدرها 47 حالة، بينما لم تفصح الإدارة بعد عن طبيعة هذه الزيادة والأطراف المشتكية فيها، مع تأكيد القطاونة أنها لا تشكل مصدر قلق كبير، وهي في حدود معدلاتها الطبيعية، نظرا لحجم الزيادة السكانية، وشمول الإحصائيات لكل المقيمين على الأراضي الأردنية. 


وفي وقت اعتبرت فيه الإدارة، أن زيادة حجم البلاغات، انعكاس طبيعي لتطوّر ثقافة التبليغ واعتماد آليات حماية لسرية المبلّغ، شددت على أن دورها هو دور الضابطة العدلية، وأن هناك حاجة للتركيز على المرحلة الوقائية من العنف قبل حدوثه. 


الخبير في مجال الحماية أيمن الرفاعي، يعتقد بأن التعاطي مع الأرقام المجرّدة “لا يعكس” حقيقةً طبيعةَ وحجم هذا الأمر في المجتمع، في وقت لا تقتصر فيه حالات العنف على ما ورد إلى أجهزة إنفاذ القانون، فهناك مؤسسات أخرى تستقبل حالات عنف بسيط، وقال إن “الرقم الأسود لا يمكن التحقق منه بشكل كامل في أي مجتمع أو أي دولة في العالم، بسبب عدم التبليغ عن كل الحالات”. 


ويربط الرفاعي، الزيادة المسجّلة في الأرقام بخاصة لهذا العام، بعدة أسباب موضوعية، منها توسّع الاختصاص النوعي للإدارة، ودخول قضايا جديدة ضمن صلاحياتها في الضابطة العدلية، كإفساد الروابط الزوجية وقضايا الزنا والأحداث، ما يعني أن زيادة الحالات المسجلة التي تمضي بإجراءاتها القانونية، متوقعة.  


ولفت الرفاعي، إلى ترسيخ ثقافة “رفض المرأة” للعنف حتى بأبسط أشكاله. رافضا وسم أي فئة اجتماعية أو عمالية بـ”العنف”، لأن “تحديد جذور العنف بحاجة لدراسات منهجية، وأن العوامل الاقتصادية والاجتماعية بسمات معينة، لا تشكل بالضرورة بيئة خصبة لحدوثه”.


كما يعتقد بأن “تبرير العنف” في الثقافة المحلية، أحد أبرز المشاكل القائمة، كتبرير العنف ضد الزوجة أو الأخوات أو البنات، ويحتاج لحملات توعية أكبر، تبدأ في الحلقات الأولى للمدارس، باعتبارها من الجهات التي تتقاعس عن التبليغ بوجود حالات إهمال أو تقصير أو عنف بحق الطلبة، خشية الإضرار بسمعتها، وبالذات في القطاع الخاص. 


ويجرّم قانون الحماية من العنف الأسري لسنة 2017 في المادة (4) كل من يتخلّف عن التبليغ من مقدمي الخدمات الصحية والاجتماعية أو التعليمية، عن أي “حالة عنف أسري”، تتعلق بفاقدي الأهلية أو ناقصيها، حال علمهم بها، ويعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على أسبوع أو بغرامة لا تتجاوز الـ50 دينارا، أو بكلتا العقوبتين. 


من هنا، شدد الرفاعي على ضرورة تفعيل آليات التبليغ في القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية، مستشهدا بمستشفى حكومي سجل في سنة، عشرات التبليغات للجهات المختصة، مؤكدا ضرورة رفع منسوب التحذير من خطر العنف بخاصة ضد الأطفال، عبر وزارتي التربية والتعليم والصحة، في ظل وجود نظام أتمتة، بدأ العمل به تجريبيا منذ بداية العام في مناطق شرق عمّان، وفي ظل وجود تشريعات منصفة. 


ورصدت جمعية تضامن في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، وفاة 16 ضحية، منها 12 أنثى و4 ذكور، في جرائم قتل اسرية، ولم تصدر عن جهات رسمية تقارير إحصائية شاملة لجرائم القتل الأسرية، كما لم تعلن للآن طبيعة الاعتداءات الجسدية المسجلة وتوزيعها ونسب تكرارها. 


الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة د. محمد المقدادي، قال إن المنظومتين:  التشريعية والحماية الرسمية في الأردن، من الأفضل تطبيقا، فتداول الإحصاءات والأرقام، لا تعكس مؤشرات حقيقية عن حجم العنف وجذوره، مبينا أن التعامل مع قضايا العنف الأسري محليا، يجري وفق منهج شمولي، تتشارك فيه أجهزة إنفاذ القانون والصحة والتربية والتنمية الاجتماعية، ومنظمات مجتمع مدني. 


وأشار المقدادي إلى أن قسم حماية الأسرة، كان يستقبل عند تأسيسه في العام 1997 نحو 100 حالة سنويا، واليوم نتحدث عن استقبال إدارة حماية الاسرة آلاف الحالات، لكن هذا لا يعني أن “الأسرة الأردنية خربت”.


ونوه بوجود 30 ألف ملف (تراكمي) قيد المتابعة حاليا لدى الإدارة، ما يعكس حالة تطوّر في الثقافة المجتمعية، اذ لم يكن من المتقبّل سابقا تقديم زوجة لشكوى بحق زوجها. 


وقال المقدادي “برغم هذا التطور، ما يزال هناك ثقافة تفيد بأن التأديب للزوجة وللطفل من حق الزوج. نحن بحاجة لمزيد من التوعية، بخاصة وأن آليات وأطر الاستجابة الرسمية قائمة”، بما في ذلك تأسيس الفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف، الذي يضم 32 مؤسسة، وتطوير الإطار الوطني لحماية الأسرة من العنف. 


وشدد على الحاجة لإجراء دراسات تختص بدراسة عوامل ومتغيرات الجرائم المسجلة، بخاصة جرائم القتل الاسرية، للوصول إلى دلالات إحصائية حولها، موضحا بأن “متوسط جرائم القتل مثلا في المجتمع الاردني ضمن الحدود الجيدة، فالمتوسط العالمي لجرائم القتل هو 6/ 100 ألف نسمة، والمتوسط في الأردن 1-1.6/ 100 ألف”. 


أما بشأن حجم الإجراءات لمواجهة العنف الأسري وحجم موازناته، وعدد مقدمي الخدمة والأطباء النفسيين وكفاءتهم إن كانت كافية أو غير كافية، فاعتبرها المقدادي مسألة أخرى، إذ ركز قانون الحماية من العنف الأسري 2017 على نهج إصلاحي بعد إلغاء قانون 2008، بما يسهم بتسوية النزاعات في الجنح، معتبرا أن التشريعات جيدة جدا. 


وربط مقدادي بين ضرورة إجراء الدراسات لحالات العنف الأسري مع 3 قرارات قضائية منفصلة صدرت في العام 2022 متعلقة بجرائم قتل “زوجات”، أظهرت أن جانيا كان متعاطيا للمخدرات، وآخر من أصحاب السوابق، وثالثا يعاني من اضطرابات نفسية، وقال “وإن كانت هذه الخلاصات ليست علمية، إلا أنها تحمل مؤشرات حول جذور العنف”. 


وأوضح أن هذا يعني، بأن أسباب العنف الأسري، قد تكون فردية أو اجتماعية أو ثقافية، أو جراء علاقات اجتماعية، كتعاطي المخدرات وشرب الكحول التي تعتبر من جذور العنف الخصبة عموما، وفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية.


المحامي والناشط الحقوقي صلاح المعايطة، رأى أن هناك عدة أوجه لتفسير إحصاءات العنف الأسري المسجلة في الإدارة بتلك الزيادة الطفيفة في الإطار العام، أبرزها: محاولة التأكيد الرسمي على أنه ما يزال ضمن معدلاته الطبيعية.  


وبين المعايطة، أن إعلان الأرقام مهما كانت، هو بحد ذاته “مهم”، ليس من أجل العامة، بل من أجل الباحثين وإجراء الدراسات المعمقة، مع ضرورة التركيز على خصائصها.


وأضاف إن “حجم الاعتداءات الجسدية المسجلة، يعكس حتما الرفض المجتمعي للعنف الأسري حاليا. في المقابل، فإن محاذير الإعلان عن الأرقام من الإدارة متفهمة، لأسباب تتعلق بمحاولة أشخاص، توجيه اتهامات لها بأنها تفسد المجتمع، بما تطبقّه من آليات حماية، بخاصة في حالات يحدث فيها عنف داخل الأسرة، وتنفذ فيها أحكام حبس وتوقيف، ما قد ينتج عنه دائرة متجددة للعنف، بسبب الثقافة الاجتماعية الرافضة لمحاكمة أب يعنف ابنته أو زوجته”. 


لكن المعايطة يرى أيضا، أن حساسية التعاطي مع الأرقام، يمكن معالجتها دون التسبب بمخاوف اجتماعية حيال التبليغ أو اللجوء إلى الإدارة، بل عبر بيان أوجه الضرر نتيجة العنف الواقع في حالات العنف، اجتماعيا واقتصاديا، والحلول الممكنة للحد من العنف الأسري في مجتمع، يشهد أيضا تحوّلات ثقافية كبرى عند الأجيال الجديدة، تجاه مفهوم العائلة ومنظومة الأسرة والتربية. 


وشدد، على ضرورة التركيز على الحملات التوعوية للأهالي قبل الأطفال، بحقوق الأسرة والأطفال، بخاصة أن هناك تبليغات قد تحمل نوايا كيدية داخل الأسر، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت بدائل لتعليم الأجيال الجديدة حقوقهم وحرياتهم، لكن أحيانا بطرق “سلبية”، قد توصلهم للتمرد على الأهل، ما يتسبب بوقوع عنف”. 


وقالت الناشطة نهى محريز من جمعية تضامن، إن هناك تحديات كبيرة أمام جهود مناهضة العنف الأسري وازدياد حالاته، برغم وجود منظومة تشريعية متكاملة، بخاصة قانون الحماية من العنف الأسري واستراتيجية الحماية الوطنية. 


ورأت محريز، أن الحديث عن الأرقام والإحصائيات، قد لا يشكل أثرا بعيد المدى في الحد من العنف الأسري، بقدر بيان مخاطره وتهديده للأمن والسلم المجتمعين، مؤكدة أهمية تبديد المفاهيم الاجتماعية حيال اعتباره “مسألة خاصة وحرية شخصية داخل الأسر”، داعية لتخصيص مساحات منتظمة في وسائل الإعلام للتوعية بمخاطره وتجريمه، كسياسة وقائية.

 

اقرأ المزيد : 

"العنف الأسري": إعادة التعريف وشمول "الإلكتروني" و"الاقتصادي"