مؤرخون يدعون لتوثيق الحرب الوحشية الصهيونية على قطاع غزة

حرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين في قطاع غزة-(أرشيفية)
حرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين في قطاع غزة-(أرشيفية)

يتولى المؤرخون دورا مهما في دراسة وتدوين التاريخ، ولا سيما دورهم في توثيق وتسجيل المجازر والمذابح التي يرتكبها الغزاة والمستعمرون بحق أصحاب الأرض الحقيقيين في فلسطين، إذ دون المؤرخون آلاف الكتب التي تتحدث عن مرتكبي هذه المجازر، من خلال كشف الوثائق التي تبين تاريخ الحركة الصهيونية تجاه القضية الفلسطينية.

اضافة اعلان


حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي تجاه غزة والشعب الفلسطيني، تحتم على المؤرخ أن يقوم بدوره من خلال توثيق بشاعة هذه المجازر الإسرائيلية من قتل النساء والأطفال وهدم المنازل والأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس، وقطع جيمع الإمدادات من الكهرباء والماء والغذاء. 


ويتشارك المثقفون والكتاب مع المؤرخين بتأريخ هذه الجرائم والمجازر التي قام ويقوم بها الصهاينة في قطاع غزة. من خلال كتاباتهم للروايات والسير التي توثق ما يجري من مجازر بشعة وحرب إبادة جماعية وتطهير عرقي.


من جهته يرى المؤرخ الدكتور علي محافظة، أن هناك تقصيرا عربيا في الكتابة التاريخية العلمية عن القضية الفلسطينية باللغة العربية وباللغات الأجنبية بوجه عام، ولغات الأمم الإسلامية كالتركية والفارسية والأوردية والماليزية والأندونيسية والأذرية والصينية والهندية، من أجل أن تصل القضية الفلسطينية لهذه الشعوب ومعرفة ما يقوم به الصهاينة من اعتداءات وقتل بحق الشعب الفلسطيني.


وبين أنه مع تطور وسائل الإعلام الحديثة أصبح من مهام الصحفيين والإعلاميين والمصورين، أن يسجلوا الأفلام للأحداث وتصريحات القادة السياسيين والعسكريين وما يجري من عمليات قتل وتعذيب واعتداءات من جانب إسرائل وقادتها وجيشها، وعلى المختصين بصناعة الأفلام "التلفزيون والسينما" من مخرجين وغيرهم من، الفنانين إخراج هذه الصورة والتصريحات في أفلام حية وتقديمها للعالم وللشعوب العربية والإسلامية.


ويعتقد محافظة، أنه بعد ذلك يأتي دور المؤرخين، الذين يعتبرون مثل هذه الأفلام مصادر أولية مهمة لهم في عملية التوثيق، "ونجد لدى الكتاب والروائيين والمثقفين الفلسطينيين تقصيرا في كتابة مذكراتهم الشخصية وما عاشوه من تهجير قسري من مدنهم وقراهم، وكتابة الروايات التي تسجل معاناة أهلهم وذويهم من عذاب وقسوة وجوع وفقر، وترجمة هذه الروايات إلى اللغات الأجنبية، وعدم كتابة هذه الروايات، ويعد تقصيرا واضحا وجزءا من لامبالاتنا وإهمالنا لواجبنا الوطني والقومي".


ويقول محافظة:"إن العدو الصهيوني تغلب علينا في هذا المجال، فقد قام بعمل الدراسات العلمية والتاريخية المبنية على التزوير والخداع والأساطير والأكاذيب التي كتبها المثقفون الصهاينة باللغات الأجنبية، التي لا تقارن في كميتها وفي انتشارها، مع إنتاجنا الضعيف والقليل". 


ويشير محافظة، إلى آلاف المقالات والكتب التي ألفها الصهاينة وأنصارهم عن تاريخ فلسطين القديم، بينما قلما نجد عددا محدودا من البحوث التي كتبها مؤرخون أو علماء آثار عرب في هذه الموضوع، لافتا إلى أن الصهاينة أبدعوا في صناعة الأفلام التي تصور ما تعرضوا له من تعذيب على يد النازيين والعنصريين الأوروبيين عبر العصور.


ويضيف، أمامنا الفرص لإنتاج أفلام تصور محاولات الاحتلال الصهيوني لإبادة شعبنا العربي الفلسطيني مع تطور وسائل الاتصال والإعلام الحديثة، داعيا وسائل الإعلام إلى أن "تقوم بدورها الوطني والقومي والإنساني في مجابهة كيان عنصري استعماري استيطاني يهدف إلى إبادة شعب فلسطين وتهجيره من أرضه ومدنه وقراه. لابد من أن نتخلى عن اللامبالاة والإهمال والكسل، ونتصدى للتحديات التي تواجهنا وتهدد حياتنا ومستقبل أجيالنا".


من جانبها، تدعو المؤرخة الدكتورة هند أبو الشعر، المؤرخين إلى القيام بدورهم في التوثيق للأحداث الجماعية والفردية أيضا، مبينة، أنه لا يمكن أن يعيش المؤرخ في برج عاجي يراقب ما يجري، فهو العقل المحلل الذي يقوم بدور تنويري وتوثيقي في آن، ومن هذه الرؤية، فإن المؤرخ هو ضمير الأمة لا يمكن تجاهله جنبا إلى جنب مع السلاح، وحشد الأسلحة المادية والمعنوية في معركة جماعية، تعتبر معركة مصير ووجود.


وتضيف، علينا أن نستخدم التوثيق في قضيتنا الجماعية قضية فلسطين، فما يحدث في غزة ليس حالة مفاجئة، ولا يمكن فصلها عن تراكم الأحداث منذ بدايات الحركة الصهيونية، التي تبنت مقولة مؤسفة: (فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض)، وهي لذلك تمحو وبشكل ممنهج ومبرمج المعالم في أرض فلسطين، ومنها القرى التي محيت عن الأرض منذ النكبة في القرى المهجرة، لإلغاء المعالم الحضارية التي تؤكد الوجود العربي المتراكم عبر العصور، وتلجأ لمحو الأسماء عن الخرائط وعن الأرض في آن، بحيث أصبح الصراع اليوم على الهوية والتاريخ والوجود، بإلغاء الشعب الممتد والمتجذر بمكوناته، وإحلال شعب آخر (مستورد) من كل أنحاء العالم.


وتدعو أبو الشعر المختصون في "العهد العثماني"، الذي يمتد على أرض بلاد الشام ما بين الأعوام 1516م – 1918م، لتوثيق كل مظاهر حياتنا في كل مدينة وقصبة وقرية ومزرعة في فلسطين، وخاصة على أرض القدس، ومفتاحها الذي يتمثل في اختلاط الحضارات وتمازجها وتصالحها، لكنها مدينة هويتها عربية، فمن خلال مجموعات السجلات والدفاتر التي وثقت فيها الدولة لمدينة القدس مثلا، نستطيع تتبع يوميات الأهالي في القدس من خلال سجلات المحاكم الشرعية، وسجلات التحرير، والأوقاف.


وتتابع، نحن نستطيع معرفة حارات القدس، بكل ما تحويه من أهال، بأسمائهم، وفئاتهم، ومهنهم، ودورهم، ويمكن رصد أصحاب المهن بأسمائهم، وإحصاء كل مظاهر حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، ونستطيع معرفة أثمان الحاجات في الدكاكين، وكل هذه المعلومات تسجل الناس بأسمائهم وأسماء عائلاتهم التي ما تزال على أرض القدس منذ العام 1516م على أقل تقدير.


وتؤكد أبو الشعر، ضرورة أن تقف كل المؤسسات مع جهود المؤرخ الذي يملك العلم والمعرفة وبيده عالم التوثيق والذي يعمق جذورنا ويؤكدها، يجب ألا يترك المؤرخ وحده، وعلى المؤسسات أن تدعمه وتساهم في تعميم معرفته لتصل للعالم، إنها معركة مصير، إسرائيل اليوم تريد إبادة قطاع غزة، وخلق واقعها الذي يجعل مستوطناتها تتمدد وتطرد الأهالي، وعلينا أن نعرف كلنا أن معركة المصير هذه تحتاج منا توظيف كل شيء، كل شيء من أجل البقاء والصمود، ولنا الثقة بأهلنا وإرادتهم التي يعرفها تاريخهم الذي نفخر به.


لذ،ا دور المؤرخ في هذه الأيام كبير، وفق أبو الشعر، لأنه الرد على التشويه الكبير للتاريخ، والذي تحاول إسرائيل القيام به منذ قيامها المشبوه ، ولأن بوصلتنا هي القدس، فنحن على الطريق الصحيح، والقدس منارتنا حتى آخر الدهر.


ويقول المؤرخ الدكتور عبد الله العساف: "على المؤرخ التحقق من مصادره المختلفة، والتي يجب أن تكون موثوقة بنقل المعلومات الصحيحة لا المفبركة، بحيث يتمكن من إعطاء صورة واقعية حقيقة لما يحصل من أحداث ووقائع وذلك من أجل وضع الأحداث التاريخية في سياقاتها الصحيحة، من خلال منهجية ورؤية وطنية وقومية عربية".


ويضيف، من واجب المؤرخ العربي أن يقوم بتدوين وثوثيق ودراسة جرائم العدو الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني، وكشف ما تقوم به الصهيونية من تزوير للحقائق بمختلف الطرق، وهذه مهمة نضالية يجب أن يقوم بها المؤرخ ويحملها بأمانة علمية وصدق وموضوعية وشجاعة وجرأة.


ويكمل العساف، يجب عليه التوثيق والتأريخ لنضالات وبطولات المقاومة في غزة لأننا أحوج ما نكون في هذه الفترة لدراسات تؤسس وتعيد الاعتبار إلى الكرامة العربية، فلا يمكن لأبناء الوطن العربي الشعور بالكرامة والاعتزاز من غير التعرف إلى تاريخهم الوطني والقومي المجيد. 

 

ويزيد، في هذه الأيام يجب علينا كمؤرخين أن نقوم بتدوين الأحداث اليومية لمجريات العدوان الإسرائيلي على غزة، وتوثيق الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني من قتل وتهجير ممنهج، وترويع للمدنيين، ولا سيما النساء والأطفال منهم، وعملية هدم المنازل والأحياء السكنية والبنى التحتية من مستشفيات ومدارس وغيرها الكثير الكثير.


ويؤكد العساف، أهمية تدوين الحراك الشعبي من وقفات ومظاهرات وفعاليات مناهضة للعدوان الإسرائيلي البغيض على غزة وسكانها. وجمع البيانات السياسية والتصريحات المنددة والرافضة للعدوان، والتي تعكس وجهات النظر والموقف الشعبي والرسمي في مختلف أرجاء العالم، وجمع الصور التي توثق تلك الجرائم.

 

ويجب ألا يفوت المؤرخ بعد الانتهاء من تلك الحرب جمع الرواية الشفوية من أهالي غزة، وذلك بالتواصل معهم وتسجيل مشاهداتهم عن تلك الاعتداءات والانتهاكات الجسيمة التي تعرضوا إليها.


ويقول العساف: "أنا في الوقت الحالي شاهد عيان على الحراك الشعبي الأردني المناهض للاعتداء الصهيوني البغيض على غزة وأهلها، لذلك أقوم من منطلق واجبي الوطني والقومي العربي بتدوين فعاليات هذا الحراك وجمع البيانات والتصريحات التي تصدر عن مختلف القوى السياسية، فضلا عن المشاركة الشخصية في تلك الفعاليات اليومية وكتابة وإصدار البيانات". 


ويؤكد أهمية حفظ هذه المادة التاريخية لأنها ستكون بمثابة سجل تاريخي يقدم للأجيال القادمة ويبين لهم مواقف الوطنيين الأردنيين الغيورين والمحبين والمخلصين للقضية الفلسطينية، والمساندين لنضالات الشعب العربي الفلسطيني في مقاومته للاحتلال الصهيوني البغيض، وحتى يحث الجيل القادم على الاقتداء بأسلافهم تجاه فلسطين وشعب فلسطين ومساندته ضد الاحتلال الصهيوني الغاصب.


من جانبه يرى المؤرخ الدكتور جورج طريف، أن للمؤرخين دور كبير في كشف زيف الادعاءات الصهيونية تجاه فلسطين بشكل عام وغزة بشكل خاص، مثلما له دور كبير في توثيق الجرائم التي يرتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء شعبنا في قطاع غزة وخصوصا قتل آلاف المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ بشكل يومي، عدا عن تدمير بيوتهم وتشريد المئات منهم واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا والسلاح الفسفوري ضدهم.


ويضيف طريف، على المؤرخين تقع مسؤولية توثيق هذه الجرائم اللإنسانية وجرائم هذا العمل العدواني الصهيوني المتواصل على أبناء قطاع غزة، وعلينا أن نعي ممارسات هذا العدو الغاصب التي تصل إلى مرتبة جرائم الحرب وفي مقدمتها  فرض منع وصول الغذاء والدواء وقطع الكهرباء والماء والطاقة ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. والتدمير الممنهج لبيوتهم وتهجيرهم قسريا منها، مخالفا اتفاقية جنيف.


ويدعو إلى توثيق هذه الجريمة الكبرى للعدو الصهيونين التي تتمثل في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتواصل اعتداءاته على المقدسات الإسلامية والمسيحية ضاربا  بكل القوانين والأعراف والقرارات الصادرة عن الشرعية الدولية عرض الحائط.