"منصات التواصل" بديل مجاني للمكاتب العقارية.. هل تنتهي مهنة "السمسار"؟

1694276594970898800
احد الأحياء السكنية بمدينة اربد-(الغد)

محافظات-الغد- "الإغلاق".. مصير يلاحق مئات المكاتب العقارية، التي وجد أصحابها أنفسهم وعلى نحو متسارع في متاهة الدعاية الرقمية، وباتت عملية التشبيك التي يقومون بها بين البائع والمشتري لقاء عمولة تحدد مسبقا، تتم خارج مكاتبهم في فضاء منصات التواصل الاجتماعي. 

اضافة اعلان

 

  وتختص مكاتب العقارات بجمع وتنظيم بيانات البائعين وعقاراتهم قبل عرضها على المشترين مع اتفاق مسبق على نسبة عمولة من الطرفين.


شهور مضت، ومحمد الشمالي من محافظة اربد الذي يمتلك مكتب عقارات، ينتظر دخول احد الزبائن الى مكتبه، قبل أن يقرر إغلاقه وتسريح الموظفين لديه، والتوجه لفتح مكتب افتراضي على منصات التواصل الاجتماعي، في خطوة لحجز مساحة وهمية بساحة التنافس اللامحدود على نشاط "السماسرة".         


الشمالي الذي يمتلك خبرة سنوات طويلة في مجال بيع وشراء العقارات، وجد نفسه تائها أمام ما يعتبره "فوضى السوق"، في اشارة منه لحجم عمليات البيع والشراء التي تتم على منصات التواصل الاجتماعي بين البائع والمشتري بشكل مباشر أو عن طريق ما أسماهم بـ "هواة المهنة"، الذين دخلوا على هذا المجال دون اي خبرة معتمدين على تسويق مجاني لأنفسهم عبر التطبيقات المختلفة. 


الشمالي واحد من كثر، اقدموا على اغلاق مكاتبهم بعد تعرضهم لخسائر على مدار سنوات بسبب الكلف التشغيلية التي يتطلبها فتح مكتب عقاري من قبيل أجور المكتب وفواتير كهرباء ورسوم ترخيص واجور موظفين.


يقول أصحاب مكاتب عقارية منتشرة بعددة محافظات، إن المكاتب العقارية باتت شبه خالية من مرتاديها الذين كانوا يأتون لوضع عقاراتهم برهن البيع، لافتين إلى أن البائع والمشتري باتا يفضلان التواصل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات المتخصصة لبيع العقارات بشكل مجاني.


في هذا الخصوص، يقول أبو إيهاب العبادي من محافظة البلقاء، إنه ومنذ سنوات طويلة، ينشط عبر شبكة الإنترنت لاستقطاب الزبائن كمواكبة للتطورات التي يشهدها القطاع، وإيجاد موطئ قدم في أجواء منافسة شديدة فرضها التطور التكنولوجي.


ومن وجهة نظر العبادي، فإن لجوء أصحاب العقارات على تأجيرها أو بيعها من دون وساطة المكاتب، "أثر بلا شك على عمل المكاتب، وكان تأثيره أكبر على المكاتب التي لم تستطع مجاراة ما يحدث من تطورات عبر الإنترنت ومنصات التواصل، فانتهى بها الأمر إلى الإغلاق".


أمام هذا الواقع، اتجه أصحاب مكاتب وفي خطوة لانقاذ أعمالهم إلى استحداث صفحات خاصة بهم، كبيدل عن المكاتب على مواقع التواصل الاجتماعي، تعنى ببيع العقارات.


يقول صاحب مكتب عقاري من محافظة اربد ليث محمد، إنه كان يدفع بدل إيجار المكتب 200 دينار، اضافة إلى فواتير الكهرباء والمياه ورسوم ترخيص سنوية للبلدية، ما دفعه إلى إغلاق مكتبه والعمل داخل منزله على بيع وشراء العقارات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.


ولفت إلى أنه يتواصل مع البائعين عبر هاتفه، ويتم تزويده بكافة البيانات حول العقار المراد بيعه ليقوم بدوره بنشر البيانات على صفحته الخاصة على مواقع التواصل. 


وتابع، عملية تلقي الاعلان ونشر البيانات والتواصل مع الزبائن تتم كلها في عالم أسماه بـ "غير محسوس"، ولكنها أصبحت الطريقة الأنجح والأسرع في عمل السماسرة. 


وأكد أن المكاتب العقارية كانت تلقى رواجا من قبل المواطنين، إلا انه في الوقت الحالي أصبحت غير مجدية في ظل حالة الركود التي تشهدها حركة العقارات في المحافظة من جهة وعزوف المواطنين عن التوجه للمكاتب العقارية وتفضيلهم نشر اعلاناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع المتخصصة لبيع العقارات.


وقال إن إغلاق المكاتب تسبب بتسريح عشرات الموظفين الذين كانوا يعملون في تلك المكاتب ويمارسون أعمال السمسرة، متوقعا أن يلجأ اصحاب المكاتب العقارية الأخرى تدريجيا الى الاغلاق في ظل حالة الركود غير المسبوقة.


بيد أن صاحب مكتب آخر محمد الردايدة يؤكد أن دور المكاتب العقارية لم ينته، إلا أن آلية العمل قد تطورت من خلال استخدام التقنيات الجديدة، لافتا إلى أن العديد من أصحاب المكاتب العقارية قاموا باستحداث تطبيقات خاصة لنشر الإعلانات وتفاصيل العقار عبر التطبيق الالكتروني.


ورغم أن تراجع عمل المكاتب ليس محصورا بمحافظة دون أخرى، غير أن بعضها تشهد منافسة بين المكاتب ومواقع التواصل الى حد ذهب فيه اصحاب مكاتب للمطالبة بضرورة فرض رسوم على هذه المواقع وتنظيم عملها. 


ففي جرش، تنافس وسائل التواصل الإجتماعي مكاتب العقارات في عملهم بشكل لافت، وفق أصحاب مكاتب.


ويعمد مواطنون على شراء او بيع العقارات بشكل مباشر دون اللجوء لأي مكتب عقاري.


يقول عيسى المقابلة صاحب مكتب لبيع العقارات في جرش، إن عمل المكاتب تراجع بشكل واضح، ويعتمد المواطنون على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض التطبيقات التي تقوم بعرض العقار بشكل مجاني من دون تكاليف مالية وعمولة، وهي طريقة أفضل من المكاتب العقارية التي تتقاضى عمولات وأجور مواصلات وبدل خدمات أخرى.


ويعتقد أن الجهات المعنية يجب أن تتقاضى عمولات وضرائب على وسائل التواصل الإجتماعي، أسوة بالمكاتب العقارية التي باتت مهددة بالإغلاق وإندثار أعمالها.


من جهة اخرى، تتم عمليات بيع وشراء العقارات في عدة مناطق بشكل مباشر ومن دون اي وسيلة تواصل وذلك من خلال الأصدقاء والأقارب. 


وتوفر عمليات البيع بهذه الطريق على جميع الاطراف كلف العمولات وتكاليف المكاتب العقارية، وفق المختص بعمليات بيع وشراء العقارات في جرش المهندس محمد عضيبات.


وتتعمق هذه الحالة أكثر في محافظة عجلون، التي تعتمد عمليات بيع وشراء وتأجير العقارات بالدرجة الأولى على معرفة المشتري الشخصية بتلك القطع أو المساكن.


ورغم ذلك وفي ظل وسائل الإعلان المتاحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يلجأ بعض أصحاب عقارات الى الإعلان عن رغبتهم ببيعها، عبر صفحاتهم الخاصة، كما تلجأ المكاتب العقارية هي الأخرى والوسطاء إلى الإعلان عبر صفحاتها عن العقارات المتاحة للبيع.


ويقول عبد المجيد خطاطبة، إن بيع الأراضي غالبا ما يكون بين الأقارب والشركاء في نفس القطع الأمر الذي لا يحتاج إلى وسطاء أو مكاتب عقارية، والتي هي في الأصل محدودة في المحافظة، وأصبحت هي الأخرى وكثير من الوسطاء يمارسون عملهم عبر وسائل التواصل.


ويقول رئيس لجنة السياحة والآثار بمجلس المحافظة منذر الزغول، إن عددا لا بأس به من العرب الخليجيين، خصوصا من السعودية بدأوا منذ فترة بشراء بعض الأراضي والبناء عليها للإقامة فيها خلال زيارتهم للمحافظة.


صاحب مكتب عقاري آخر، وهو سالم العزة، تطرق إلى جزئية قال إنها تضرب عمل مكاتب العقارات وتؤثر سلبا عليها، وهي وجود أعداد كبيرة ممن باتوا يعملون في القطاع بشكل فردي دون مكاتب مرخصة، مشيرا إلى أن هؤلاء يقومون بعد الاتفاق مع مالكي العقارات على جلب زبائن لهم، بنشر إعلانات عبر شبكة الإنترنت، ويتم التواعد في مكان ما مع الزبون المهتم بالاستئجار أو الشراء، واصطحابه مقابل مبلغ مالي إلى المكان الذي يريد استئجاره أو شرائه.


وأشار العزة، إلى أن هؤلاء العاملين يستهدفون بالدرجة الأولى طلبة الجامعات بالتركيز على الإعلان عن "استوديوهات" لتأجيرها لهم مقابل مبلغ مالي.


وحسب عدد من المواطنين، فإن نشر الإعلان عبر التطبيقات الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي سهل على المشتري عناء الذهاب إلى المكاتب العقارية، إضافة إلى أن خيارات النشر عبر تلك المواقع تكون أوسع وتتيح للمشتري خيارات وعروضا إضافية.


وقال حمزة الخطيب إنه قام قبل فترة بعرض عقار للبيع عبر احد التطبيقات وقام بتسجيل طلبه ومساحة العقار وموقعه والسعر وتم نشر رقم هاتفه، مشيرا إلى انه تلقى العديد من الاتصالات للتفاوض على سعر العقار وفي نهاية المطاف تم البيع مباشرة لمواطن آخر من دون عمولة مكتب أو سمسرة.


بدوره، قال رئيس غرفة تجارة اربد محمد الشوحة إن العديد من المكاتب العقارية أغلقت أبوابها بسبب الإنتشار الواسع لشبكة الانترنت، فيما آخرون لم يجددوا تراخيصهم لسنوات نظرا لحالة الركود التي يشهدها السوق العقاري.


وأشار إلى أن انتشار التطبيقات الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي دفع بالعديد من أصحاب المكاتب إلى الإغلاق والعمل داخل منازلهم لتقليل الكلف من أجور شهرية للمكاتب والتراخيص السنوية والرسوم والفواتير وغيرها، الأمر الذي يتطلب من أصحاب المكاتب العقارية التي ما زالت تعمل في السوق تطوير عملها باستخدام التقنيات الحديثة في عملية التسويق لجذب زبائنها.

 

اقرأ أيضا:

 الركود في قطاع العقار .. كيف نتجاوزه