سجل الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط

كارول سيلبر* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 15 آذار (مارس) 2023 استجابت بكين للنزاعات الإقليمية عبر مجموعة من المنتديات متعددة الأطراف وخطط السلام والمبعوثين، ولكن من دون تقديم الالتزامات الأعمق والمتابعة المطلوبة لحلها. * * في ضوء إعلان الصين أنها توسطت للتوصل إلى اتفاق غير متوقع بين إيران والمملكة العربية السعودية، يصبح تاريخ البلد في التخفيف من حدة النزاعات الإقليمية أمراً جديراً بالدراسة. فقد استضافت بكين بانتظام مؤتمرات قمة، وأرسلت مبعوثين لمعالجة التوترات في الشرق الأوسط، لكن هذه المبادرات نادراً ما أسفرت عن نتائج ملموسة.

منتديات متعددة الأطراف

تعاملت الصين بانتظام مع دول المنطقة من خلال آليتَيْن: “منتدى التعاون الصيني الأفريقي”، الذي اجتمع كل ثلاثة أعوام منذ تأسيسه في العام 2000 والذي يضم جميع دول شمال إفريقيا، و”منتدى التعاون الصيني العربي”، الذي اجتمع كل عامين منذ إقامته في العام 2004 ويضم جميع دول “جامعة الدول العربية”. وقد ركز “منتدى التعاون الصيني العربي” بصورة أكبر على النزاعات الإقليمية، ولا سيما السلام العربي الإسرائيلي، على الرغم من أن المناقشات شملت أيضاً الصراعات في العراق وليبيا والصومال والسودان وسورية واليمن. إضافة إلى ذلك، أُشيد باجتماع عُقد في كانون الأول (ديسمبر) بصفته “القمة الصينية العربية” الأولى، ولكن المراقبين خلصوا إلى أنه كان تجمعاً روتينياً أُعيدت تسميته وليس مناسبة جديدة. ولم يعقد اجتماع “منتدى التعاون الصيني العربي” الذي كان من المقرر عقده العام الماضي، بينما خدمت هذه القمة الغاية نفسها إلى حد كبير. يتمثل أحد الأهداف الرئيسية لبكين من خلال هذين المنتديين في عرض معاييرها السياسية على الدول الإقليمية. وفي كل من “منتدى التعاون الصيني الأفريقي” و”منتدى التعاون الصيني العربي”، شددت الصين مراراً وتكراراً على “المبادئ الخمسة للتعايش السلمي” و”التعاون بين بلدان الجنوب”. كما استغلت هذه التجمعات ومؤتمرات القمة الثلاثة التي عُقِدت بشكل متزامن في كانون الأول (ديسمبر) الماضي من أجل تعزيز دعم سياسات محددة داخل الصين وخارجها -وبالتحديد، تعاملها مع الأويغور في شينجيانغ، وموقفها من تايوان، و”مبادرة الحزام والطريق”.

الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية

خلال “مؤتمر مدريد” الذي عقد في العام 1991، طرحت الصين اقتراحاً من خمس نقاط بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنها لم تشارك في المحادثات. ومنذ ذلك الحين، أصدرت نسخاً متعددة من هذا الاقتراح، خاصةً بعد جولات من التوتر المتصاعد، وهي: اقتراح من خمس نقاط في أيار (مايو) 2003، وخطة من أربع نقاط في أيار (مايو) 2013، واقتراح من خمس نقاط في آب (أغسطس) 2014، وخطة من أربع نقاط في آب (أغسطس) 2017، وخطة أخرى من أربع نقاط في أيار (مايو) 2021. وكان جوهر كل اقتراح هو نفسه تقريبًا: التوصل إلى حل على أساس الدولتين، مع دولة فلسطينية على حدود العام 1967 تكون فيه القدس الشرقية عاصمة فلسطين، وإنهاء التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، والضغط من أجل بذل جهود دولية تسهل السلام والتعاون بين الجانبين. ومنذ العام 2002، أوفدت بكين “مبعوثاً خاصاً لقضية الشرق الأوسط” للتركيز على الشؤون العربية الإسرائيلية. والمبعوث الحالي، تشاي جون، هو الخامس الذي يخدم في هذا المنصب. كما استضافت الصين “ندوة السلام الفلسطينية الإسرائيلية” أربع مرات بين العامين 2006 و2021. وفي الندوة الأخيرة، دعا وزير الخارجية السابق، وانغ يي، الإسرائيليين والفلسطينيين إلى إجراء محادثات مباشرة في الصين. وجاء ذلك في أعقاب الإعلان في “منتدى التعاون الصيني العربي” في العام 2018 الذي قال فيه الرئيس شي جين بينغ أن الصين تخطط لعقد مؤتمر دولي حول فلسطين. على الرغم من هذه التعبيرات المتكررة عن الدعم، لم تتخذ بكين خطوات ملموسة لدفع عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. ففي العام 2013، على سبيل المثال، أعربت الصين عن موافقتها الضمنية عندما حاول وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، استئناف المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، ولكنها لم تقدم منصة بديلة عندما انهارت هذه المحادثات في نهاية المطاف. وفي العام 2017، عندما اندلعت التوترات في أعقاب قرار الولايات المتحدة نقل السفارة الأميركية إلى القدس، استضافت الصين وفداً من ممثلين إسرائيليين وفلسطينيين. وكانت النتيجة قراراً دعا إلى التوصل إلى اتفاق على أساس حل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وتجميد بناء المستوطنات أو توسيعها، والاعتراف بدور الصين في تعزيز الجهود الدولية التي تدفع محادثات السلام. ومع ذلك، كان هذا القرار غير ملزم، وكان الوفدان غير مستعدين حتى لعقد مؤتمر صحفي مشترك عند اختتام المحادثات.

الدبلوماسية الخاصة بسورية

اتبعت الصين نهجاً مشابهاً إزاء الحرب الأهلية السورية. فبعد دعم “الجامعة العربية” وخطة السلام للأمم المتحدة المكونة من ست نقاط، أصدرت بكين اقتراحها الخاص المكون من أربع نقاط في العام 2012، وخطةً من “خمسة مبادئ” في العام 2014، وخطةً من أربع نقاط في العام 2021. ودعت كل وثيقة إلى احترام السيادة السورية وسلامة أراضي البلاد، وتسريع إعادة الإعمار، ومحاربة الإرهاب، ودعم الانتقال السياسي الشامل أو حل النزاع. كما عينت بكين “مبعوثاً خاصاً لسورية” -شي شياويان، الذي يشغل هذا المنصب منذ العام 2016. لم يكن لدى الصين الكثير لتظهره مقابل هذه المبادرات، على الرغم من أن تركيزها على “عدم التدخل” في الأعوام الأولى من الحرب أدى إلى تفاقم التوترات بين أعضاء “منتدى التعاون الصيني العربي”. وقد اعترضت العديد من الحكومات العربية على تأكيدات بكين أن قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن سورية تنتهك مبادئ السيادة ووحدة الأراضي.

الدبلوماسية تجاه دول الخليج

عندما تصاعدت التوترات بين قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في العام 2017، اتخذت الصين عدداً من الخطوات، حيث أرسلت مسؤولاً دبلوماسياً لزيارة دول الخليج لمدة ثلاثة أيام، ودعا وزير خارجيتها إلى عقد حوار بين هذه الدول، واستقبلت بكين وفدَين رفيعَي المستوى من المنطقة. ولكن، على الرغم من هذا التواصل، قطعت العديد من دول المنطقة علاقاتها مع قطر على أي حال، واستأنفت بكين ببساطة علاقاتها القائمة مع جميع الأطراف. في هذا الوقت تقريباً، بدأت الصين تعبر أيضاً عن اهتمام أكبر بتهدئة التوترات الإقليمية، بما فيها تلك القائمة مع إيران. في العام 2016، ذكرت إحدى وثائق السياسات الحكومية أن بكين “تدعم الدول العربية والإقليمية في جهودها لبناء آلية أمنية للتعاون الجماعي الإقليمي الشامل والمشترك”، لكنها لم تذكر عملية تقودها الصين لتسهيل تلك الجهود. وفي العام 2018، ذهب وزير الخارجية السابق وانغ إلى أبعد من ذلك عندما أشار إلى أن بكين مستعدة للانضمام إلى الدول العربية في أن تصبح “بانية السلام وميسرة الاستقرار ومشاركة في التنمية في الشرق الأوسط”. وتم توضيح هذا الموقف بشكل أكبر بعد عامين عندما اقترح إقامة “منصة حوار متعددة الأطراف لمنطقة الخليج”. وجاء الاقتراح الأخير خلال محادثات مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف -وهو اجتماع أثارته مخاوف بشأن تفكك الاتفاق النووي. ومع ذلك، في حين يمكن اعتبار الاتفاقية الإيرانية السعودية الحالية تتويجاً نهائياً لهذه الجهود، يبقى أن نرى إذا ما كانت هذا الاتفاق سيشكل اختراقًا فعلياً في سجل الصين على صعيد الدبلوماسية الإقليمية التي كانت غير مثمرة إلى حد كبير. *كارول سيلبر: مديرة أبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومساعدة أبحاث في “برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر” حول “منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط”.

اقرأ المزيد  في ترجمات

اضافة اعلان