في دعم "دولة فلسطين"

1713095065533332800
فلسطينيون يطالبون بدولة فلسطينية مستقلة، قرب جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتلة - (أرشيفية)
رجا الخالدي* - (فورين أفيرز) 19/3/2024
‏ترجمة: علاء الدين أبو زينة

منذ الأسابيع الأولى من الحرب الوحشية في قطاع غزة، كرست واشنطن قدرًا كبيرًا من الاهتمام لفكرة أن "السلطة الوطنية الفلسطينية" ستشكل، بعد إصلاحها، جزءا أساسيا من أي حكم لما بعد الحرب في القطاع. ولا تريد الولايات المتحدة، شأنها شأن حلفائها العرب والأوروبيين، أن تكون أي من حماس أو إسرائيل مسؤولة عن إدارة غزة بمجرد انتهاء الحرب. والمرشح الافتراضي لتولي هذه المهمة هو "السلطة الفلسطينية" التي أنشأتها منظمة التحرير الفلسطينية لتعمل كسلطة تنفيذية حاكمة خلال اتفاقات أوسلو للسلام، وهي سلسلة من الاتفاقات التي أُبرمت في تسعينيات القرن الماضي، وكان يفترَض أن تفضي إلى حل على أساس الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.‏اضافة اعلان
وما تزال "السلطة الفلسطينية" تحكم جزءًا من الضفة الغربية بعد أن انسحبت إلى حد كبير من غزة في أعقاب الانقسام السياسي الفلسطيني في العام 2006. وفي 14 آذار (مارس)، عين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، رئيس وزراء تكنوقراطي لتشكيل حكومة فلسطينية جديدة مهمتها إعادة توحيد المنطقتين، غزة والضفة، سياسيا وإداريا واقتصاديا -بهدف إعادة إعمار القطاع المدمر في نهاية المطاف. لكن أهمية السلطة الفلسطينية اليوم كوعاء لحمل مثل هذا التغيير العميق هي موضع شك.
‏إن ‏الإيمان بتجديد "السلطة الفلسطينية" هو شيء يتاخم الوهم. فقد أصبحت "السلطة" غير فعالة باطراد منذ انهيار أي شيء يشبه عملية سلام إسرائيلية فلسطينية قبل عقد من الزمن. ولم تعد السلطة محل ثقة بالنسبة لمعظم الفلسطينيين، ويَنظر إليها الأعداء وبعض الأصدقاء على أنها فاسدة. وأصبح رئيسها المسنّ البالغ من العمر 88 عاما زعيما أوتوقراطيا، وأصبح مستوى دعمه بين الفلسطينيين أقل من أي وقت مضى، وفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة. وفي غياب مجلس تشريعي فلسطيني، يحكم عباس بموجب مرسوم منذ 15 عامًا. وكان يواجه، قبل الحرب في غزة بوقت طويل، ضغوطًا متزايدة من الفلسطينيين والدول العربية وإدارة بايدن للتخلي عن بعض سلطاته.‏
‏من الواضح أن أولئك الذين يجادلون بأن السلطة الفلسطينية يجب أن تُصلح نفسَها حتى يمكن أن يُعهد إليها بالحكم في غزة يفوِّتون الفكرة. في عهد عباس -الذي انتُخب في العام 2005 لولاية واحدة لم يتم تجديدها بشكل شرعي- حاول رؤساء الوزراء المتعاقبون إجراء كل إصلاح ممكن في حدود سلطتهم -مع القليل جدًا ليعرضوه. وليست المشكلة الأعمق في "السلطة الفلسطينية" مجرد مسألة تنفيذ أو عاملين. لقد تجاوزت السلطة الفلسطينية فترة صلاحيتها بكثير. وكانت أيامها معدودة منذ فترة طويلة بسبب افتقارها إلى الشرعية وضعفها المتأصل: كانت السلطة الفلسطينية حكومة بلا دولة ذات سيادة لتحكمها. وفي حالتها، جاء مع المسؤولية الكبيرة القليل من القوة. وكان مقدّرًا لها أن لا تكون عربة مؤقتة تحمل الفلسطينيين إلى تقرير المصير كما هو مخطط لها، وإنما أن تكون حارسة للوضع الراهن الذي لا يمكن تحمله. ولم تكن أداة للتحرر بقدر ما كانت أداة للتبعية والإخضاع.
‏بدلاً من تشجيع افتراضات غير واقعية عن مدى ملاءمة "السلطة الفلسطينية" كسلطة حاكمة، ينبغي على الشعب الفلسطيني أن يبني على هذه اللحظة النادرة من التضامن لتحقيق ما تم الالتزام به، وإنما أُنكِر عليه لعقود. اليوم، يمكن للفلسطينيين أن يتحدوا من خلال تبني "دولة فلسطين" من جانب واحد وبشكل جماعي، كتجسيد سياسي لهويتهم ووكالتهم ومصيرهم المشترك. على مدى عقود، كانت منظمات التحرير هي التي تمثل الفلسطينيين، لكن الدولة هي الكيان الوحيد الذي يمكن أن يكون اليوم بمثابة وطن قومي لجميع الأربعة عشر فلسطينيا في جميع أنحاء العالم.‏
‏إن دولة فلسطين راسخة بالفعل في مخيلة الفلسطينيين وفي شرعيتهم الخاصة. وقد أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية تأسيس هذه الدولة كهدف في العام 1988 وحصلت على عضويتها في الأمم المتحدة كدولة مراقب في العام 2012. لكن منظمة التحرير الفلسطينية استمرت في الحكم تحت عنوان "السلطة الفلسطينية" في الضفة الغربية، وحكمت حماس من خلال سلطة فلسطينية رديفة في غزة، في حين وقفت كل من إسرائيل والولايات المتحدة في طريق قيام دولة فلسطينية. ومن الواضح أن هذه كانت وصفة للكارثة؛ أسهمت بطريقة لا يمكن إنكارها في الوصول إلى هجمات حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر).‏
تم إنشاء "السلطة الفلسطينية" لتكون هيئة مؤقتة انتقالية تقود الطريق إلى قيام دولة فلسطينية. والآن، حان الوقت للاعتراف بأنها استنفدت غرضها. ويمكن للتخلي عن المؤسسات القديمة لصالح بناء مؤسسات جديدة في ظل دولة فلسطين أن يوحد الفلسطينيين، ويجدد وكالتهم، ويعيد الشرعية والمساءلة إلى سياساتهم.‏
إذا كان مكسورا...‏
‏قامت منظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل "السلطة الفلسطينية" في العام 1994، واعترفت بها إسرائيل والدول المانحة كهيئة حكم ذاتي مؤقتة تحكُم إلى أن تنتج مفاوضات الوضع الدائم دولة فلسطينية مستقلة في العام 2000. وكانت تلك الخطة جزءًا من عملية أوسلو للسلام. ولكن، كان من المفترض أن تستمر "السلطة الفلسطينية" لخمس سنوات فقط. وقد تغير الكثير منذ العام 1994: انهارت قمة كامب ديفيد في العام 2000؛ وتوفي ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وحل محله محمود عباس؛ وأودت حروب عدة انخرطت فيها إسرائيل بأرواح عشرات الآلاف من الناس؛ وكثفت إسرائيل بناء المستوطنات في القدس الشرقية وبقية أنحاء الضفة الغربية.‏
‏ما يزال الفلسطينيون منقسمين بين منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة منذ ما يقرب من عقدين. في العام 2006، انتصرت حماس على "فتح" في انتخابات المجلس التشريعي ليبدأ ذلك صراعًا مميتًا بين المجموعتين. وتفضل "فتح" المفاوضات (الفاشلة) كطريق إلى إقامة الدولة، في حين تعتقد حماس (بشكل كارثي) أن الكفاح المسلح يجب أن يكون خيارًا لتحقيق التحرير. وفي العام 2017، عدلت حماس ميثاقها ليسمح باللقبول ب‏‏دولة فلسطينية‏‏ على أساس حدود إسرائيل قبل العام 1967، لكن خوف "فتح" من فقدان السلطة في انتخابات ديمقراطية استمر في إعاقة التقدم في الجولات المتكررة من محادثات المصالحة الوطنية التي ترعاها الدول العربية. ولم تكن إسرائيل ولا ‏‏الولايات المتحدة‏‏ بريئة من مساعدة تعميق هذا الانقسام.‏
‏ليس من المستغرب أن تصبح "السلطة الفلسطينية" متصلبة وفاقدة للشعبية. في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، اعتقد حوالي 60 في المائة من الفلسطينيين أنه يجب حل "السلطة"، وفقًا للباحث الفلسطيني خليل الشقاقي. وتعتقد الغالبية العظمى من الفلسطينيين أن عباس وكوادره يجب أن يتنازلوا عن القيادة لجيل أصغر سناً يحكم من خلال المؤسسات، وليس بطريقة الرجال الأقوياء. وما يزال عباس يقود "السلطة الفلسطينية" منذ ما يقرب من عقدين، ويؤجل إجراء الانتخابات مرارًا. وكان آخر تأجيل في العام 2021. وهو يحكم من خلال دائرة مغلقة من المقربين مع القليل من الاهتمام بمشورة الخبراء أو الحلفاء السياسيين أو المرؤوسين. كما أصبحت "السلطة الفلسطينية" متضخمة ومنتفخة بشكل متزايد. ولديها الآن 25 وزارة، وعشرات الوكالات العامة، و147.000 موظف في جهاز الخدمة المدنية -ومع ذلك، بالكاد تستطيع كل هذه البنية توفير الخدمات الأساسية للجمهور. إن الفلسطينيين يستحقون -ويمكنهم أن يفعلوا- ما هو أفضل.‏
بالنسبة للفلسطينيين الذين يشاهدون العالم وهو يتدخل في تقرير مصيرهم، فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الفكرة السائدة بين السياسيين الأميركيين، والقاضية بأن جلب زعيم تكنوقراطي، مستقل عن الفصائل السياسية، سيكون بطريقة ما العصا السحرية التي ستصلح "السلطة الفلسطينية". إن مشاكل الحكم الفلسطيني تحتاج إلى أكثر من مجرد إصلاحات مجزأة، أو قوانين جديدة، أو مجموعة أخرى من الوزراء. اليوم، يخطئ الصخب الإعلامي حول مَن يمكن أن يكون الرئيس أو الوزير القادم الهدف. إن الأمر لا يتعلق بالأفراد وإنما بالهياكل.‏
قام الفلسطينيون بإصلاح "السلطة الفلسطينية" مرة تلو المرة، ودائمًا مع تحقيق القليل ليعرضوه. على سبيل المثال، من العام 2006 إلى العام 2012، اتبع رئيس الوزراء، سلام فياض، ما تسمى بـ"أجندة بناء مؤسسات الدولة". وأمل في أنه إذا تمكن من تعزيز مؤسسات "السلطة الفلسطينية"، فإن "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" سيصدقان على أنها "جاهزة لإقامة دولة"، مما يقنع إسرائيل بإنهاء احتلالها والعالم بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية. وتضمن برنامج فياض إجراء إصلاحات في المالية العامة وانتهاج سياسات صديقة للسوق، لكن ذلك لم يسفر عن تغييرات ذات معنى في الجانب الإسرائيلي. ومنذ ذلك الحين، نأى رؤساء وزراء آخرون بأنفسهم عن هذا النهج، ولكن لم تكن لديهم الكثير من الأدوات للرد على الجمهور الفلسطيني الذي يزداد سخطًا بسبب سوء الإدارة، وتواضع الخدمات، وجهاز خدمة مدنية زبائني مكتظ بذوي الرتب العليا.‏
‏كانت بعض الإصلاحات في "السلطة الفلسطينية" ناجحة. فقد غيَّر عرفات الدستور بحيث يفصل بين بعض السلطات الرئاسية وسلطات رئاسة الوزراء، وتحرك نحو شيء أقرب إلى النظام الفرنسي. وكان هذا مهما في خلق بعض الضوابط والتوازنات، لكنَّ عباس تجاهل العديد من القيود المفروضة على سلطته. وتوفر "السلطة" الخدمات والمرافق العامة الأساسية، وتحاول الاستجابة للمطالب الاجتماعية، لكنها تفتقر إلى السلطة الحقيقية أو المصداقية لإحداث التغيير المطلوب. ولم يجتمع الفرع التشريعي للسلطة الفلسطينية منذ انقسام السلطات الحاكمة في الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 2007. ومنذ ذلك الحين، صدرت قوانين "السلطة الفلسطينية" بتوصيات وزارية ومرسوم رئاسي، مما خلق مستنقعا قانونيا تصعب الملاحة فيه.‏
‏جلبت قوة أمنية موحدة بقيادة عباس حداً لانعدام القانون الذي ساد خلال فترة الانتفاضة الثانية في المناطق التي تسيطر عليها "السلطة" في الضفة الغربية، وما تزال هذه القوات تشكل رصيدًا لقدرة عباس على الحكم في الولاية القضائية الأساسية للسلطة الفلسطينية. ويتناقض ضعف الوظائف المدنية في "السلطة الفلسطينية" مع قوة قواتها الأمنية التي تضمن القانون والنظام بين الفلسطينيين -لكنها تتنحى جانبًا في مواجهة العمليات العسكرية الإسرائيلية وهجمات المستوطنين. ويعزز هذا الموقف صورتها الشعبية باعتبارها ليست أكثر من عجلة في نظام الاحتلال الإسرائيلي.‏
‏كما تعاني "السلطة" اقتصاديا وماليا أيضًا، حيث يعتمد الاقتصاد الفلسطيني اعتمادًا كبيرًا على العمل في إسرائيل وعلى الإيرادات التي تسيطر عليها إسرائيل، التي تمثل مجتمعة أكثر من ثلث الدخل القومي والتي انهارت الآن في وقت واحد. فمنذ تشرين الأول (أكتوبر)، منعت إسرائيل دخول معظم الفلسطينيين البالغ عددهم نحو 180.000 الذين كانوا يعملون سابقًا في إسرائيل، في حين يمنع وزير المالية الإسرائيلي المتطرف الحالي تحويل أموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن "السلطة" إليها، بهدف معاقبتها على دفع الرواتب والمعاشات التقاعدية لموظفيها في غزة. ولم يعد من الممكن الاعتماد على "السلطة الفلسطينية" لدفع رواتب القطاع العام كاملة في غزة أو الضفة الغربية، وهو آخر بقايا الغرض من وجود "السلطة" وسلطتها.‏
بداية جديدة‏
‏أصبحت السلطة الفلسطينية الآن مختلة وظيفيا للغاية بحيث لا يمكن إحياؤها أو إصلاحها أو إعادة بنائها. ولم يعد بإمكان منظمة التحرير الفلسطينية الادعاء بأنها تمثل جميع الأربعة عشر مليون فلسطيني. كما لا يمكن لحماس وفصائل المقاومة أن تتولى الحكم بعد أن يهدأ غبار الحرب في غزة، لأنه يبدو أنها ستكون محطمة تنظيميا. والشعب الفلسطيني في حاجة ماسة إلى -ويستحق- حكومة فعالة ونزيهة.‏
‏إن الكيان السياسي الفلسطيني الشرعي الوحيد الذي لم يلوثه الفشل هو دولة فلسطين. وهي تنتظر في الأجنحة لتحتل مكانها بين دول العالم. وقد حان الوقت لأن يتخلص الساسة الفلسطينيون، من "فتح"، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك من فصائل المقاومة، من "السلطة الفلسطينية". يجب أن يؤيدوا تشكيل حكومة مؤقتة جديدة لدولة فلسطين، تتولى تمثيل جميع الفلسطينيين، وحكم الفلسطينيين تحت الاحتلال اليوم وداخل دولة حرة غدًا.‏
‏وليس من الضروري أن تكون العملية ثورية، وإنما يمكن أن تكون انتقالية،على غرار الطريقة التي نقلت بها منظمة التحرير الفلسطينية سلطاتها إلى "‏‏السلطة الفلسطينية"‏‏ بعد أوسلو. يحتاج الفلسطينيون إلى انتقال سلس للسلطة. وهذه المرة، ستؤدي عملية تشكيل الدولة إلى طي الفصائل السياسية الفلسطينية، فضلاً عن "السلطة الفلسطينية" ومؤسساتها، ضمن الإطار الأوسع وغير الحزبي للدولة. ويجب أن تبدأ العملية داخل منظمة التحرير الفلسطينية، التي هي الطرف الموقع على اتفاقيات أوسلو والمتمتعة بوضع الممثل القانوني والدبلوماسي لتمكين الدولة من أداء وظائفها. ويجب على عباس، الرئيس الفخري لـ"السلطة الفلسطينية" ومنظمة التحرير الفلسطينية، أن يعلن بداية عملية تأسيس للدولة محددة زمنيا، من خلال سلسلة من التدابير التي يكون من شأنها إنشاء مؤسساتها، بدءاً بحكومة مؤقتة لدولة فلسطين مخولة بالحكم في الأراضي المحتلة، وإعادة إعمار غزة المدمرة بدعم دولي، والتحضير لانتخابات وطنية.‏
‏لا يمكن للترتيبات التكنوقراطية للحكم الرشيد في الضفة الغربية وقطاع غزة أن تنجح إلا إذا أغلَق الحوار السياسي الوطني فصل الانقسام وفتَح فصلاً جديدًا يركز على بناء الدولة. ومن خلال مجلس رئاسي تشكله فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ‏‏وحماس‏‏، إلى جانب مجلس استشاري عام (مثل المجلس الوطني النائم لمنظمة التحرير الفلسطينية)، يمكن مناقشة الخطوط العريضة لمستقبل ديمقراطي والاتفاق عليها، بينما يتم ترك مسألة تحديد الأنسب لقيادة الشعب الفلسطيني لصناديق الاقتراع. وخلال هذه المرحلة، ينبغي أن يجتمع كبار الخبراء القانونيين الفلسطينيين من جميع أنحاء العالم لصياغة دستور للدولة.‏
‏يجب أن تبقى العلاقات الأمنية والخارجية ضمن اختصاص الرئيس، في حين يجب أن يكون التمويل والإدارة وإعادة الإعمار تحت إشراف رئيس الوزراء، وهو التوازن الذي كان من المفترض أن يتم تأسيسه قبل 20 عامًا، لكن عباس تجاهله. ويمكن النظر في كيفية تكريس هذه الأدوار في الدستور بواسطة المجلس الرئاسي وهيئة استشارية مثل المجلس الوطني. ولكن، يجب أن تكون لدى رئيس الوزراء الجديد، منذ اليوم الأول، فرصة لإظهار انفصال نظيف عن إرث أسلافه. ويمكنه تشكيل حكومة رشيقة أصغر حجمًا تضم نصف عدد الوزارات الحالية، والمضي قدمًا في تنفيذ إصلاحات للمالية العامة والخدمة المدنية وبقية الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تمت عرقلتها لسنوات.‏
‏في البداية، يجب أن يكون المواطنون المقيمون في الدولة هم الخمسة ملايين فلسطيني الذين يحملون الآن بطاقات هوية وجوازات سفر صادرة عن "السلطة الفلسطينية"، ولكن ينبغي على الدولة في نهاية المطاف منح الجنسية من دون حقوق الإقامة للاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، كتأكيد للهوية. ويمكن البدء في اعتبار الفلسطينيين مواطنين أفرادًا في دولة تربطهم بوطنهم، وليس كمجموعة من مجتمعات وفصائل الشتات.‏
‏قد يبدو أن حكومة يجري تشكيلها كجزء من دولة فلسطين الجديدة ستقدم القليل من الفوائد المادية مقارنة بالتكوين المكسور للسياسة الفلسطينية اليوم. ومن غير المرجح أن تعترف بها الولايات المتحدة أو ‏‏إسرائيل‏‏. وسوف تبقى تحت الاحتلال الإسرائيلي ولن توفر أي فوائد دبلوماسية زيادة عما يقدمه النظام الحالي. لكن حكومة جديدة ستوفر للفلسطينيين فرصة لبناء هياكل جديدة أفضل، وتتيح لهم فرصة لاستعادة الثقة في قيادتهم ونيل احترام العالم. وستكون الدولة شاملة لجميع الفصائل الفلسطينية وستكون بمثابة منتدى يمكن فيه إيجاد القواسم المشتركة وحل الخلافات. لقد حان الوقت لأن تصبح دولة فلسطين أكثر من مجرد حبر على ورق. وسيكون تشكيل حكومة باسمها هو الخطوة التالية في المسيرة الطويلة نحو التحرر الوطني.‏

*‏رجا الخالدي‏‏ Raja Khalidi: خبير اقتصادي في مجال التنمية في رام الله.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Case for Palestine