مخاطر تفكك السودان

غوينايال لونوار* - (أوريان 21) 28 نيسان (أبريل) 2023

تضع المواجهة بين عبد الفتاح البرهان وحميدتي وحدة السودان ومكانة المناطق الطرفية على المحك. حتى أن مخاطر تفكك هذا البلد الشاسع باتت حقيقية.
* * *
نُظمت مظاهرة في شندي يوم الثلاثاء 18 نيسان (أبريل) 2023. وقد يبدو هذا الحدث ثانويا بينما يواصل القتال بالأسلحة الثقيلة وقصف الطائرات المقاتلة ترويع سكان العاصمة السودانية، وحيث تصل شهادات عن النهب والقتل الذي حصل في دارفور، وحيث يعيش الناس في جميع أنحاء البلاد حالة رعب لا نهاية لها منذ يوم السبت 15 نيسان (أبريل)، بسبب تنافس الجنرالين والقوات التابعة لهما. لكن الأمر ليس كذلك. فقد تكون هذه المظاهرة علامة على تدهور أكبر للوضع والدخول في دوامة.

اضافة اعلان

ثمة موكب لشاحنات بيك-أب يعتليها رجال يرتدون جلابيات بيضاء، ويلوحون بقبضاتهم أو بسلاح خفيف.

وهو استعراض عدواني للقوة، تم تنظيمه لدعم الجيش الوطني الذي يقاتل ضد القوات شبه العسكرية التابعة لحميدتي، "الدعم السريع".

ويقول مكان المظاهرة شيئاً أيضًا، حيث تقع شندي على بعد 160 كم شمال شرق الخرطوم، على الضفة الشرقية لنهر النيل. وقد ولد اللواء عبد الفتاح البرهان، القائد الفعلي للبلاد والقائد العام للجيش وأحد أطراف القتال الحالي، في قرية مجاورة والتحق بالمدرسة الثانوية في شندي.

كما تنحدر من هذا الجزء من البلاد معظم الطبقة الحاكمة في السودان منذ استقلالها. وتتهم ما تسمى بالمناطق الطرفية -وفي مقدمتها دارفور- هذه النخبة بالتمييز ومصادرة السلطة.

ودارفور هي مسقط رأس محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي"، ومهد "قوات الدعم السريع".

الخرطوم والوسط ضد بقية البلاد

باختصار، وكما تقول المحللة السودانية ومؤسسة مركز "كونفلونس ادفايزوري" للاستشارات في الخرطوم خلود خير، وهي مراقبة دقيقة جدًا لبلدها، يخشى أن تكون هذه المظاهرة في شندي نذيرًا بتغيير في طبيعة الصراع الدائر.

وكتبت في صفحتها على "تويتر": "يتم فعلاً وبوحشية إضفاء طابع عرقي على الصراع. قد لا ينحصر الأمر عن قريب في طموح بمحصلة صفرية للرجلين، بل سيصبح استعادة لمشاكل السودان المزمنة: من له حقوق على الدولة؟ وهو نزاع يقوض حتى قدرة البلد على البقاء".

لفهم هذا النزاع وعنف المواجهة، يجب العودة إلى تاريخ السودان. فقد حكم البلاد منذ استقلالها في العام 1956 -باستثناء فترات نادرة وقصيرة من الحكم المدني والديمقراطي- جيش تتكون قيادة أركانه من ضباط ينحدرون من وسط وشمال البلاد.

ومنذ الاستقلال، دارت نزاعات بين هذا المركز -أي الخرطوم ووادي النيل- وما تسمى بالمناطق الطرفية. وعادة ما تتم في السودان الإشارة إلى سكان المركز على أنهم "عرب" أو "نيليون"، وهم يحبون تقديم أنفسهم على أنهم "أبناء البلد".

وفي المقابل، يصنف سكان الأطراف بأسماء مجموعتهم العرقية (البجا، الفونج، النوبة، الفور، المساليت، وآخرون كثيرون لا نذكرهم).

غالبًا ما ينظر إلى الرعاة الرحل "العرب" في الشرق على أنهم بالكاد سودانيون، لأن قبائلهم تمتد إلى البلدان المجاورة حيث قامت برسم الحدود هنا -كما في كامل إفريقيا- القوى الاستعمارية.

ودارت حربان بين الشمال والجنوب -الذي استقل في 2011- استمدتا جذورهما من التمييز ومصادرة الثروة واحتكار المناصب أكثر مما كانت تتعلق بالدين.

ما تزال السنوات الطويلة لحرب العصابات تسكن الجزء الشمالي من السودان الحالي، خاصة في وجود مجموعة مسلحة نشطة، رغم وقف إطلاق النار منذ ثورة العام 2018.

كما هزت إغراءات انفصالية خطيرة شرق البلاد. أما منطقة دارفور، فهي ساحة صراع مروع منذ عشرين عامًا، أدت إلى اتهام الديكتاتور السابق عمر البشير بارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

صحيح أن كلا طرفي النزاع اليوم -أي عبد الفتاح البرهان وحميدتي- خدما عمر البشير وحربه في دارفور، لكن طريقة تجنيد قواتهما كانت مختلفة تماماً.

تضم "قوات الدعم السريع" التي أنشأها الديكتاتور السابق العام 2013 قدماء ميليشيا الجنجويد التابعين للخرطوم، الذين تم تجنيدهم من بين صفوف بعض القبائل العربية البدوية في دارفور.

وقد جعل عمر البشير من هذه القوات ميليشياته الخاصة، ثم حولها الى "قوة نظامية" بقصد مواجهة الجيش النظامي الذي قد يهدده، قبل استقدامها أخيرًا إلى الخرطوم العام 2018، مباشرة قبل الثورة.

احتقار "راعي الغنم"

تم نقل عناصر من الجيش الوطني إلى قوات الدعم السريع، والعكس. كما تم توسيع التجنيد، ولكن لا شيء من ذلك منع أو غيب استياء "الأطراف ضد المركز". كثيرًا ما يشار في العاصمة إلى حميدتي، الذي لم يعرف مقاعد الأكاديميات العسكرية، باسم "راعي الغنم"، احتقاراً لقوات الدعم السريع.

وكان حس الانتقام واضحاً في مقطع فيديو قصير نُشر على شبكة "تويتر"؛ حيث نرى القوات شبه العسكرية تصرخ بنشوة المنتصر: "نحن في القيادة العامة (للجيش، في الخرطوم)، في الداخل! نعم، بالداخل"!

بعد الثورة، انتشرت قوات الدعم السريع في العاصمة، واستحوذت على أماكن متعددة في الخرطوم وقامت بمصادرتها، خاصة من المنظمات المرتبطة بالنظام القديم.

وتمكنت هذه القوات من وضع يدها على مبنى زجاجي مهيب يقع "صدفة" مقابل القيادة العامة للجيش الوطني، وهو مجمع ضخم يضم مقرات جميع الأسلحة.

وبوشر في الآونة الأخيرة في بناء جدار خرساني على طول المقر العسكري. وكان يقال تهكما في الخرطوم: "إنهم يخافون من قوات الدعم السريع أكثر من خوفهم من السكان".

وهكذا كانت المبارزة قائمة فعليًا، ومحفورة في خرائطية المدينة.

بالطبع، لا يمكن اختزال الحرب بين المتنافسين في بعد "الوسط" مقابل "الأطراف"؛ حيث يدخل في الحسبان أيضًا الصراع من أجل السيطرة على الثروات ومصالح الجهات الإقليمية والدولية الراعية للطرفين المتصارعين.

لكن تناسي قوى الانفصال عن المركز هو خطأ أكبر خطورة، لأنه بعد فترة وجيزة من الشعور بالوحدة الوطنية خلال الانتفاضة الشعبية في 2018 والسنة ونصف الأولى من فترة الانتقال الديمقراطي في ظل الحكومة المدنية لعبد الله حمدوك، ظهرت الشقوق بشكل أعمق من أي وقت مضى بعد انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021.

قاد الانقلاب عبد الفتاح البرهان وحميدتي معاً، وعمل الاثنان على إنهاء الانتقال الديمقراطي، واعتقال أهم الوزراء والقادة السياسيين والنشطاء، وممارسة القمع ضد الحركة الثورية، خاصة ضد "لجان المقاومة"، وهي تنظيمات في الأحياء تشكل العمود الفقري للثورة.

وعمل عبد الفتاح البرهان، المعروف بقربه من الإسلاميين، على إعادة العديد منهم إلى الساحة، من الأعضاء السابقين في حزب المؤتمر الوطني، وهو تشكيل مترامي الأطراف للنظام القديم.

الاستعداد للحرب

شعر حميدتي بأنه مهدد، وهو المتفاخر بأنه اعتقل عمر البشير وبالتالي شارك في إسقاط نظامه. وسعى ليكون بشير الثورة والقوى المدنية، ونصب نفسه حاجزًا ضد عودة الإسلاميين.

باختصار، عمل على الظهور بمظهر حامي الضعفاء ضد الكيزان، أنصار المستبد المخلوع ورجال أعمال فاسدين سُراق ثروات الأمة.

وفي الصيف الماضي، أقر بأن الانقلاب كان فاشلاً وخطأ وأيد علناً عودة المدنيين إلى السلطة. وقد صدّقه بعضهم. ورحبت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة خلال الفترة الانتقالية في السودان والآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والمنظمة الإقليمية لشرق إفريقيا) والمجموعة الرباعية (الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة) بالاتفاق الإطاري الموقع في 5 كانون الأول (ديسمبر) 2022 بين الجنرالين البرهان ودقلو ونحو أربعين حزبا ومنظمة سياسية تمثل المدنيين.

وكان هذا هو المسار السياسي الذي انفجر للتو أمام مسألة إصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية. فقد أراد البرهان أن يتم دمج "قوات الدعم السريع" في الجيش في غضون عامين، بينما سعى حميدتي إلى الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على قواته.

بدأت المبارزة فعليًا قبل الانقلاب، وتفاقمت العداوة بسبب الانقلاب وعواقبه، مع آثار ملموسة جدًا على البلاد. في شباط (فبراير) 2023، شرح جمعة كوندا كومي، الباحث والمستشار السابق لشؤون السلام لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، خلال "بودكاست" بثته مجموعة الأزمات الدولية: "خارج المركز، شهدت البلاد زعزعة استقرار متزايدة. تتلاعب بعض الأجندات السياسية بالتيارات العرقية، كما تدهور الاقتصاد في المناطق الريفية وكذلك سبل العيش. ازدادت حدة التوتر بين المركز والأطراف".

قام الطرفان بتعزيز قواعدهما واستعدا للحرب. وشرح أحمد قوجا، الناشط من نيالا بدارفور في آذار (مارس) 2023 أن "حميدتي استعمل سلاح العنف والمال لفرض سيطرته.

قام بتوزيع سيارات ’لاند كروزر‘ و’هيلوكس‘ على قادة المجموعات، كما وظف الشباب لإرسالهم إلى اليمن. الارتزاق يجلب مالا كثيرا لهؤلاء الشباب، 50 ألف دولار بعد تسعة أشهر.

يمكنهم بهذا المال الزواج وبناء منزل ومباشرة عمل تجاري. وهكذا، فإن حميدتي يعرض عليهم مستقبلا". ومن أجل إدخال الرافضين في الصف، يستخدم حميدتي ورقة العنف: "إنه يثير النزعات بين الأعراق وبين القبائل العربية والمزارعين، ثم يأتي بعد ذلك بعرض للمصالحة".

ثِقل دارفور

حاول الجيش أيضًا التجنيد في دارفور، ولكن بنجاح أقل، لأنه لم يكن قادرًا على توفير المزايا نفسها. وأضاف أحمد قوجا منذ بضعة أيام: "لهذا السبب ترى قوات الدعم السريع في المنطقة مجهزة بشكل أفضل من الجيش، ولها مركبات أكثر وسيارات أكثر قوة".

اتهم الجيش وأنصار النظام القديم خلال الأشهر الأخيرة بتشكيل ميليشيات بشمال ووسط البلاد.

وهكذا أعلنت قوات "درع السودان" عن تشكيلها في مدينة دنقلا في كانون الأول (ديسمبر) 2022، ثم نظمت تجمعات في الأحياء خلال الأسواق الأسبوعية المزدحمة، من دون أن تحرك السلطات ساكنًا.

بينما كان الجنرالان يعلنان في البيانات الإعلامية وخلال لقاءات مع الفاعلين الدوليين عن قبولهما بعودة المدنيين إلى السلطة، كانا يهيئان شروط الانتصار في مواجهتهما المقبلة.

وتحولا إلى أميري حرب مستعدين لتمزيق بلدهما من أجل السيطرة عليه. سكان الخرطوم وسكان دارفور محاصرون في منازلهم أو يتحملون كل المخاطر في محاولة الفرار.

وهم يتحركون ويُنظمون الإغاثة ويتبادلون المساعدة في الأحياء ومن خلال الشبكات الاجتماعية. وأصدرت "لجان المقاومة" بولاية الخرطوم بياناً يحتوي تعليمات لمكافحة التضليل الإعلامي وتنظيم المستشفيات الميدانية وإيصال الغذاء والدواء والماء لمن هم في حاجة إليها. وأضاف البيان أنه يجب نشر شعار "لا للحرب" في كل مكان.

على شبكات التواصل الاجتماعي يؤكد كثيرون: "هذه ليست حربنا". وتظهر بعض مقاطع الفيديو سكانًا من الخرطوم وهم يرشون بعبوات الدهان عبارة "لا للحرب" على جدران المدينة. تماماً كما كانوا يكتبون قبل أربع سنوات: "يسقط النظام".

*غوينايال لونوار: صحفية فرنسية مستقلة متخصصة في شؤون العالم العربي وبلدان شرق أفريقيا. ترجم المقال من الفرنسية حميد العربي.

اقرأ المزيد في ترجمات