خريطة طريق جديدة لدعم استقرار ونمو العراق

1696541339550582600
عامل في أحد مواقع البناء العراقية - (أرشيفية)

يشير الواقع السياسي والقانوني المتراجع في العراق، اليوم، إلى أن البلاد ما تزال تواجه مأزقًا استراتيجيًا عميقًا نتيجة الالتزامات والقيود الدولية المفروضة عليها.
*   *   *
بعد عقود من الغزو العراقي للكويت في العام 1990، ما يزال العراق عمليًا تحت تأثير عشرات القرارات والعقوبات الأممية نتيجة العدوان الذى شنه صدام حسين على الكويت. وعلى الرغم من إخراج العراق رسميًا من عقوبات الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة في حزيران (يونيو) 2013، والتزامه بدفع المستحقات النهائية التي تجاوزت 50 مليار دولار كتعويضات للكويت في شباط (فبراير) 2022، إلا أن هناك بعض القضايا التي ما تزال عالقة بين البلدين، بينما يناضل العراق للحصول على وصف "الدولة الطبيعية" والاندماج في المجتمع الدولي.

اضافة اعلان


في الواقع، تتطلب عودة العراق من وصف "الدولة التي تلجأ إلى العنف" إلى وصف "الدولة الطبيعية" سياسات وإجراءات معقدة تستغرق وقتا طويلا. وعلاوة على ذلك، ترجع مشكلة تعثر العراق في الاندماج مع المجتمع الدولي إلى الأزمات الداخلية المستمرة، فمنذ العام 2003 أقحمت الحكومات المتوالية البلاد في أزمات داخلية معقدة من صراعات وإرهاب وفساد وفوضى واستقطاب سياسي. وبدلا من إعادة العراق إلى وضعه الطبيعي، تحولت هذه الحكومات إلى "حكومات تصريف أعمال" كل واحدة منها تصدر الأزمات للحكومة التي تليها.


نتيجة لذلك، أصبح العراق في وضع أشبه ما يكون بالدولة الخاضعة للوصاية الدولية. وحتى اليوم، لم تعد الدولة قادرة على الوفاء بتنفيذ التزاماتها بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي المبرمة مع الولايات المتحدة، حليفتها الرئيسية. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة العراقية في عهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلا أن على المسؤولين العراقيين أن يدركوا أنه لا تنمية حقيقية للعراق من دون ضمان التزامه الكامل بتبعات قرارات الفصلين السابع والسادس من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالكويت وقضايا أخرى. 


وفيما يلي تقييم موجز للعقبات التي ما يزال العراق يواجهها والخطوات المحتملة التي يمكنه اتخاذها للحفاظ على سمعته كدولة مستقرة ومسؤولة على الصعيد الدولي.


تجنب الانتهاكات المنصوص عليها في الفصل السابع
على الرغم من إخراج العراق رسميًا من عقوبات الفصل السابع في العام 2022، إلا أنه ما يزال يواجه خطر انتهاك العديد من قرارات الأمم المتحدة، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى إعادة تفعيل الفصل السابع. وعلى وجه الخصوص، يحتاج العراق إلى الانتباه للفقرة 32 من قرار الأمم المتحدة رقم 628 الذى "يطالب العراق بإبلاغ المجلس بالتزامه بأنه لن يرتكب أو يدعم أي عمل من أعمال الإرهاب الدولي أو يسمح لأي منظمة تقوم بارتكاب مثل هذه الأعمال بالتواجد داخل أراضيه".


لطالما كان العراق مستعدًا لاستضافة عدد من الميليشيات الخطيرة المدعومة من إيران، بما في ذلك الجماعات التي أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب، مثل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله". ومع وجود الإطار التنسيقي الشيعي في السلطة الآن، تصاعدت أدوار هذه المنظمات المصنفة أميركيًا على قوائم الإرهاب إلى مستويات غير مسبوقة.

 

وفي واقع الأمر، يعد وزير التعليم العالي العراقي، نعيم العبودي، عضوًا في جماعة "عصائب أهل الحق"، كما كان رئيس المكتب الصحفي لرئيس الوزراء، ربيع نادر، مرتبطا منذ فترة طويلة بكل من جماعة "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله"، وبالتالي سيشكل ارتباط هؤلاء المسؤولين بالجماعات المصنفة على لوائح الإرهاب مصدر إحراج للعراق ويعرقل عودته كدولة طبيعية.


في السياق نفسه، ينبغي على العراق أن يعمل بشكل منهجي على تفكيك الجماعات المسلحة التي تجذرت داخل حدوده، ما يضمن عدم تمكنها من تهديد الأمن القومي أو الإقليمي. وعلى المدى الطويل، سيتم تطبيق تلك المبادرة جنبا إلى جنب مع جهود العراق والتزامه بدعم الآليات الديمقراطية في العملية السياسية، وتداول السلطة سلميا من دون اللجوء إلى العنف الذي أصبح مألوفًا خلال العقود القليلة الماضية في العراق.

 

وبالمثل، فإن من شأن نجاح العراق في السيطرة على وضع تلك الميليشيات ومكافحة تلك الجماعات المصنفة على قوائم الإرهاب أن يساعده على كسب ثقة المجتمع الدولي، وسينأى به عن الانتهاكات المحتملة للفصل السابع، وقد يفضى ذلك أيضا إلى إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي).


وفاء العراق بالتزاماته بموجب الفصل السادس
أما بخصوص التزام العراق بالفصل السادس، فهناك ضرورة لحل خلافات العراق مع الكويت سلميا في ثلاثة ملفات، هي ملف المفقودين الكويتيين، وملف الأرشيف الكويتي المفقود، وملف النزاعات الحدودية. وفي ما يخص ملف المفقودين، يمكن تشكيل لجنة مشتركة بين البلدين برعاية أممية لبحث هذا الملف وحسمه، علاوة على بذل المزيد من الجهود لتحديد مصير المفقودين الكويتيين منذ العام 1990.

 

وبالمثل، يجب على الطرفين أيضا تنسيق الجهود لاستعادة الأرشيف الكويتي الذي كان محفوظًا في مقر المخابرات العراقية الذي تعرض للقصف والنهب في العام 2003.

 

ويبقى الملف الشائك، وهو ملف ترسيم الحدود البحرية لما هو أبعد من النقطة الدلالية 162. وبإمكان العراق والكويت الرجوع إلى اللجنة الأممية ووثائقها التي رسمت الحدود بين العراق وإيران في العام 1993، أو اللجوء إلى لجنة دولية فنية لترسيم الحدود المائية بين الطرفين، أو قد يلجأ الطرفان إلى محكمة العدل الدولية إذا فشلت كل هذه المساعي.


تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة من خلال اتفاقية الإطار الاستراتيجي


يمكن للعراق أيضا كسب المزيد من المصداقية الدولية من خلال التزامه باتفاقية الاطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهو ما قد يضمن بقاء العراق حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة في أي صراع إقليمي. وعلاوة على ذلك، سيسهم إصلاح جهاز الأمن الوطني العراقي واستقراره بما يتماشى مع أهداف اتفاقية الإطار الاستراتيجي، في تطوير البنية التحتية للبلاد بالتعاون والتنسيق مع الوكالات الأميركية والمنظمات الدولية.

 

وعلى وجه الخصوص، هناك ضرورة لإعادة هيكلة منظومة الأمن القومي العراقي لتحرير العراق من القيود الدولية ذات الطابع الدفاعي والأمني، خاصة في ما يتعلق بأربعة ملفات أساسية هي: التعاون الدفاعي والاستخباراتي الإقليمي والدولي؛ ومكافحة الإرهاب والفساد؛ وتحقيق الأمن والاستقرار في العراق من خلال الالتزام بدعم العملية السياسية الديمقراطية؛ ودمج الكيانات المسلحة بوزارات سيادية.

 

وهناك أيضا ضرورة لتنشيط مجلس الأمن القومي للإشراف على كل هذه الملفات ودعم الشفافية والثقة في القطاع المصرفي والمالي، وهي نقطة شائكة في العلاقات بين العراق والولايات المتحدة. وإضافة إلى ذلك، من شأن تجنب السوداني التعامل مع الصين أو دول أخرى، وبالشكل الذي يخل بالتزامات العراق ببنود هذه الاتفاقية، أن يسهم في بناء الثقة بين السوداني والولايات المتحدة. 


داخليًا، يجب على حكومة السوداني أيضا العمل على استعادة ثقة الناخبين في العملية السياسة من خلال منع استخدام الإكراه والقوة في العملية الانتخابية.

 

كما يعد إشراك المجتمع الدولي للإشراف على نزاهة الانتخابات وسيلة جيدة لبناء ثقة المواطنين في العملية الانتخابية وكسب الاعتراف والثقة الدوليين. وأخيراً، سيسهم التعامل مع القضايا الداخلية المرتبطة بالنازحين وحقوق الأقليات والنساء بشكل كبير في بناء سمعة العراق كدولة موثوقة ومستقرة.


تمثل هذه الخطوات خريطة طريق لعودة العراق إلى المجتمع الدولي كدولة طبيعية. فإذا نجح السيد "السوداني" في تنفيذها من خلال التعامل معها كحزمة واحدة من الإجراءات والسياسات "غير القابلة للتجزئة"، فإنها ستنقل العراق نقلة نوعية في تاريخه المعاصر، وستسرّع برنامج إعادة الإعمار. لكن إخفاق العراق في تنفيذ هذه الالتزامات والخطوات، سيفتح الباب أمام الفوضى والصراعات والانقسام.

*فوزي الزبيدي: هو خبير في شؤون الشرق الأوسط والأمن القومي.

 

اقرأ المزيد في ترجمات