يحتفي بها العالم.. "القهوة" رفيقة الجلسات وشريكة الحكايات

1696759465183572000
يحتفي بها العالم.. "القهوة" رفيقة الجلسات وشريكة الحكايات

يتغنى بها الكثيرون وكأنها ملاذهم للاستيقاظ ومنبه الصباح، تفوح رائحتها من البيوت مع بداية يوم جديد، لتكون القهوة بكل حالاتها "معشوقة" للملايين، بل وقيل فيها الكثير من أبيات الشعر، بمختلف اللغات، حتى بات لها يوم عالمي يحتفي به عشاقها، في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام.

اضافة اعلان


ومما قيل في القهوة على اختلافها "للبن سر قد حكته شيوخنا، يا نعم منه كلهم أقطاب، فيهم نقول وقد تكامل وصفه، في أكله نفع فيه ثواب"، ويمكن للباحث كذلك أن يجد عشرات الشعراء والكتاب الذين ذكروا القهوة أو "البن" في كتاباتهم، بل وارتبط ذكرها دائماً بالنقاء والهدوء و"المزاج العالي والتأمل"، عدا عن ارتباطها بالثقافة والموروث الشعبي في العالم، وبخاصة في الدول العربية، ومنها الأردن.


وفي اليوم العالمي للقهوة، تطلق العديد من المؤسسات المعنية بتجارة البن في العالم، الكثير من المعلومات التي تتعلق بالمشروب المفضل في العالم، حيث جاء أن الاحتفال بـ"القهوة"، تم من خلال الموافقة عليه من قبل المنظمة الدولية للقهوة، ليكون هذا الاحتفاء فرصة "للتشجيع على التجارة العادلة للقهوة وزيادة الوعي حول مشاكل مزارعي البن في العالم"، عدا عن وجود الكثير من الأنشطة والفعاليات ذات العلاقة بـ"القهوة"، وتستمر لأيام.


مصطلح القهوة، كما هو متعارف عليه "لغوياً"، مشتق من كلمة "الإقهاء"، التي تعني أنها مشروب "تقهي أي تكرّه عن الطعام، أو تُقعد عنه وتشبعه"، وتخفف من عبء الأكل عن المعدة، وكثيراً ما يتعمد الأشخاص إلحاق فنجان من القهوة بعد تناول وجبة دسمة من الطعام.


وفي مجتمعاتنا، باتت القهوة رفيق كل صباح ومساء، وشريكة الجلسات ورفيقة الكلمات، ومهدئة النفوس، بل بات صنع أكواب خاصة بها إحدى الحرف اليدوية التي يتفنن بها الكثيرون، وهناك العديد من الأشخاص الذين يعرضون منتجاتهم من الأكواب الملونة والمزخرفة، بل ويخطط عليها بأسماء أصحابها، كونها رفيقتهم في طريق العمل يومياً.

 

وعلى الرغم من أن القهوة الخام هي المشروب المتعارف عليه في العالم، إلا أنه ومع مرور الوقت، أصبح خبراء إنتاج القهوة يصنعون أشكالا وأصنافا مختلفة ومنوعة من القهوة، ولها مسميات مختلفة، قد تعود في بعضها إلى أسماء الدول التي تم إنتاجها بها لأول مرة، أو أن يكون اسمها حسب المكونات المضافة إليها.


وفي كل صباح، يتوقف لؤي جعافرة خلال توجهه للعمل للحصول على كوب قهوة ساخن، بسكر خفيف، كما اعتاد منذ ما يقارب الثلاثة أعوام، كما يقول، إذ إن تلك النكهة تبث فيه شعور النشاط والحيوية، وأصبحت الرائحة مرتبطة به كل صباح، حتى أنه لم يغير ذلك المحل الذي يشتري منه "كشك صغير على الطريق منذ ما يزيد على عامين".


في حين أن حلا وجارتها سمر التي بالعمارة السكنية ذاتها، تجدان متعتهما اليومية خلال شرب فنجان القهوة يومياً، وتقول حلا "في الصيف وفي الأيام الدافئة نشرب القهوة الصباحية على الدرج الذي يربط بين المنزلين، وفي الشتاء نجتمع في بيت إحدانا، ولكن نحرص على أن يكون فنجان القهوة هو ما يجمعنا حتى بات تقليدا لنا يشاركنا في الجلسات وينتهي حديثنا مع آخر رشفة فيه، لنعود إلى بيوتنا ونبدأ نهارا جديدا".


وفي بيوت الأهل والأجداد، لطالما ارتبطت رائحة القهوة بها، وخاصة القهوة السادة العربية، التي تقوم الأمهات بتحضيرها منذ ساعات الصباح الباكر، وينتشر عبيرها في كل البيوت، ما يجعلها لدى الكثيرين مرتبطة بالذكريات وببيوت الأهل، عدا عن أنها شريكة المناسبات على اختلافها، والمؤنسة و"فكاكة نشب ومصلحة بين القلوب"، على حد تعبير لؤي، الذي يؤكد حضورها في كل مناسبة مهما اختلفت طبيعتها.


ولارتباطها الثقافي والاجتماعي منذ عقود، ولكون "دلة القهوة" باتت شريكة الترويج للثقافة والموروث الأردني، يرى المختص والباحث في التراث الأردني نايف النوايسة، أن القهوة ليست مشروبا عاديا تنتهي وظيفته عند حد المتعة والتلذذ فقط، وإنما للقهوة السادة وظيفة اجتماعية عشائرية، وتتعلق أيضا بالآداب العامة المرتبطة بالذوق وأصول "الأتيكيت" الشعبي.


ويصف النوايسة، المرحلة التي يمر بها تحضير دلة القهوة بأنها تبدأ منذ قطاف تلك الثمار من الدول المنتجة لها، ووصولها إلى أسواقنا "خضراء"، ليصار بعد ذلك إلى تحميصها، إذ كانت بعض السيدات قديماً وما يزلن يقمن بتحميص القهوة في البيت من خلال "محماس القهوة" على نار هائدة، ومن ثم طحنها بشكل جيد، ثم غليها بآنية خاصة بها تسمى "الدلال"، مع الحرص على إضافة الهيل "بهار القهوة" بنسبة معقولة وأن تسكب بفناجين القهوة الخاصة بها.


كما يتحدث النوايسة عن وجود أصول لتقديم القهوة في بيئاتنا العشائرية، فيقولون القهوة نَص وليس قص، يعني أن نقدمها لكبير الضيوف حتى وإن لم يكن هو الأول في الجلسة، وعلى من يصف القهوة أن يحمل دلة القهوة بيده اليسرى ويقدم فنجان القهوة باليمنى، وينتظر من شارب القهوة أن يهز الفنجان للاكتفاء وأمامه ثلاثة فناجين ليشربها، وإذا لم يهز الفنجان الثالث فعلى صباب القهوة أن يتجاوزه، وهذا مؤشر على أنه لا يعرف عادات العرب.


ويضيف النوايسة، أن هناك أيضاً قواعد أخرى في توزيع القهوة وتقديمها للضيوف، ويقال عن عدد الفناجين المشروبة بأنها "فنجان للكيف وفنجان للضيف وفنجان السيف"، وهي لغة إشارية يتم تعاطيها عن طريق فنجان القهوة.


وفي المناسبات الاجتماعية، مثل طلب العروس أو في مجالس القضاء العشائري، يقول النوايسة، إن فنجان القهوة يوضع أمام كبير الجاهة أو أمام الشيخ ولا يشربه إلا بعد أن يتحدث ويطلب طلبه، فإذا تمت تلبيته فإنه يشربه، في دلاله على الرضا والسعادة بقبول الطلب، أما إذا ما تم رفض الطلب فلا يمس الفنجان ولا يشربه، ومثل ذلك في العطوات ومجالس القضاء العشائري.


ويقول النوايسة، إن هناك من يدقق في طريقة صنع القهوة العربية، بحيث لا تكون مختلطة بأي نوع من الشوائب وأن تكون صافية جداً ونظيفة؛ حيث يطلق مصطلح "قهوة صايدة"، أو أن يكون شخصا غير نظيف وغير معني بصنع القهوة، وقلما يخلو بيت أردني من القهوة السادة، لأنها من المشروبات الوطنية كالمنسف الذي بات يعد طعاما وطنيا.

 

 

اقرأ أيضاَ:

القهوة والحلوى.. ضيافة المحتفلين بأفراح الأردن