الحكومة و"الناقل الوطني".. ما السيناريوهات؟

خريطة توضح مسار الناقل الوطني-(أرشيفية)
خريطة توضح مسار الناقل الوطني-(أرشيفية)

بات لافتا أن المضي في مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر بالعقبة "في صيغته" الحالية المقدمة للحكومة، يتصداه مد وجزر، سيما بعدما أعلنت الحكومة عن التمسّك بالمشروع، ولكن هذه المرة وفق "سيناريوهات" أو تكهنات متعددة.  

اضافة اعلان


وما أثار الجدل بشكل لافت في الآونة الأخيرة حول ماهية تلك السيناريوهات أو شكلها؛ هو تردد تصريحات للحكومة، والتي كان محتواها متوقعا، حين اقتصر تقديم وثائق العروض لتنفيذ "الناقل" على ائتلاف واحد من أصل خمسة ائتلافات تم تأهيلها، وذلك نهاية عام 2023.


تلك التسريبات التي أشار إليها مصدر مطلع، فضل عدم ذكر اسمه، في تصريحات لـ"الغد"، تمثلت باحتمالية أن ترفع الكلف المترتبة على تنفيذ المشروع ليبلغ 3 مليارات دولار، بدلا من المقدّرة أساسا والبالغة 2 مليار دولار؛ نتيجة عدم وجود التنافس، وأيضا بسبب المخاطر التي قد تتخلل آلية تنفيذه كونه مشروعا متداخلا، وذا حيثيات فنية وهندسية معقدة التفاصيل.


التصريحات الأخيرة من قبل الحكومة واللجنة المالية في مجلس الأعيان، فتحت باب التخمينات على مصراعيه؛ إزاء شكل وصياغة السيناريوهات المرتقبة لدى الحكومة، ووزارة المياه والري بشكل خاص، حيث ستكون المعنية بكافة تفاصيل هذا المشروع المائي الإستراتيجي على مستوى المملكة، لتنجلي وفق خبراء في قطاع المياه، في تصريحات لـ "الغد"، ضمن أكثر من قالب قد يتناسب وحجم التحدي الذي سيخلق من المشروع حلما، نحو عمل واقعي.  


فماذا قد تكون "الخطط البديلة للحكومة في حال فشل العرض المقدم لمشروع الناقل الوطني"، والتي أكد توفرها وزير الدولة لتحديث القطاع العام ناصر الشريدة مطلع الأسبوع الماضي، بالإضافة لتأكيدات حول عدم حصول "أي تأخير على تنفيذ مشروع كأولوية وطنية".


وأوضح الشريدة، في تصريحات سابقة، أن لجنة العطاءات أنهت تقييمها الفني والقانوني لعرض مشروع الناقل الوطني الوحيد الذي استلمته في 4 كانون الأول (يناير) الماضي، مشيرا لوجود "بعض الانحرافات فيه".


ويتضح مدى المد والجزر في تباين أطروحات ومسارات تنفيذ المشروع عقب دراسة عرض المطور المؤهل الوحيد لتنفيذ "الناقل"، وذلك في سياق خطوات الحكومة، والتي لم تفصح عن سعر الــ م3 المقدر في عرض المطور المقدم للحكومة، وذلك عبر مساعيها نحو خفض سعر الــ م3 الواحد الناجم عنه، عبر مفاوضات مكثّفة تجريها الحكومة مع الشركة الوحيدة التي تقدمت بعرض لتنفيذ المشروع، وفق تصريحات سابقة لمقررة اللجنة المالية في مجلس الأعيان سهير العلي.


وأشارت العلي حينها، لتأكيد دعم اللجنة نحو "توجه الوزارة الهادفة لتخفيض شراء الـ م3 في المياه، وضرورة إنشاء شركة وطنية للإسهام في إنجاز مشروع الناقل الوطني وتخفيض كلفه المالية".


من ناحيته، أكد المدير السابق لوحدة مشروع الناقل الوطني جريس دبابنة، أهمية مضيّ الإجراءات الحكومية نحو خفض سعر الـ م3 الناتج عن المشروع، مشيرا لضرورة توجه الحكومة نحو "تقديم مزيد من الإعفاءات الضريبية والجمركية والتسهيلات المالية، وذلك بالإضافة لما تم تقديمه سابقا من تسهيلات، والتي تجري في سياق خفض المخاطر المتوقع حدوثها على عاتقه، في ظل خفض السعر".


وشدد دبابنة على ضرورة الاستعانة بخبراء متمرسين في مجال التفاوض والاقتصاد، إن لزم الأمر، في سياق إجراءات المفاوضات المطلوبة مع المطور المؤهل، داعيا لأهمية دراسة نقاط القوة والضعف في العرض الفني والمالي المقدم.


ولفت المدير السابق لوحدة "الناقل" لأهمية تسريع وتيرة العمل بالمشروع، في خطوة نحو ضمان السعر، توازيا وإمكانية إيصال المياه إلى عمان وباقي المحافظات وبشكل يوازي حجم الطلب على المياه.


وبانتظار الحكومة ردا نهائيا من الائتلاف في موعد لا يتجاوز 10 آذار (مارس) الحالي حول "تصويب بعض الانحرافات" في العرض المقدم للمشروع، بحسب الشريدة، قالت الخبيرة الأردنية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي إن التفاوض المكثف مع المطور المؤهل الوحيد لتنفيذ المشروع، هو بالأمر المتوقع، بهدف تخفيض تكلفة بيع الــ م3 من المياه، سيما وأنه صاحب العطاء الوحيد وليس له منافس، وأكدت الزعبي أهمية المضي في إجراءات التفاوض، عازية ذلك لعدم إمكانية "الملاءة المالية لوزارة المياه - سلطة المياه من تحمل المزيد من الأعباء المالية"، بالإضافة إلى "رغبة الحكومة في إشراك القطاع الخاص المحلي للمساهمة في إنجاز مشروع الناقل الوطني وتخفيض تكاليفه المالية، وتوفير فرص استثمارية لرجال الأعمال الأردنيين وتوفير فرص عمل للأردنيين".


وأشارت لصواب قرار الحكومة بالتفاوض على السعر مع الشركة في الطريق الصحيح، داعية لدعمه ومساعدته، إن أمكن، بالاقتراحات التي يمكن أن تساعد في خفض السعر.


وتابعت "بحسب ما ذكرته الحكومة، سيكون هناك زيادة في مشاركة القطاع الخاص الأردني في تنفيذ المشروع. ولم تحدد طبيعة الدور بشكل واضح في البيان"، معلنة عن فرضيتها أنه "سيكون عبر عدة اتجاهات، على سبيل المثال المساهمة بتمويل من الصناديق الوطنية بتكلفة أقل، مثل مؤسسة الضمان الاجتماعي، أو ربما صندوق التقاعد للمهندسين"، سيما وأنها الأكبر وبحاجة لاستثمار في المشاريع، في وقت تكون فيه هذه الأرباح مضمونة، أو استبدال الاستثمار الأجنبي بالاستثمار الوطني قدر الإمكان، حسب المتوفر.


وبينت أنه في هذه المرحلة، وفي البداية، "لا بد من الاستعانة بالخبرات الهندسية الأردنية لإجراء هندسة القيمة (Value Engineering)، وهي طريقة منهجية ومنظمة لتوفير الوظائف الضرورية في المشروع بأقل تكلفة"، مشيرة لإيجابية تشجيع هندسة القيمة على استبدال المواد والأساليب ببدائل أقل تكلفة، دون التضحية بالوظيفة، مما سيؤدي إلى انخفاض إيجابي في السعر المعروض.


وتساءلت الزعبي عن مدى الإمكانية التعاقدية، أو مواءمة أنظمة العطاءات وضمان التنافسية والشفافية، في مقترح إعادة هيكلة الائتلاف المنفذ للمشروع ليشمل أكبر قدر ممكن من الشركات الوطنية التي قد تكون بدائل للشركات الأجنبية، والتي هي بالتأكيد أقل تكلفة، أو تقسيم المشروع إلى مشروعين، أحدهما يتعلق بنظام النقل والآخر بمنشأة تحلية المياه، والآخر هو تحلية المياه، مما سيسهل تنفيذه وسيمكن الحكومة من تقديم الدعم المالي من خلال تسخير المساعدات المالية الميسرة التي تتلقاها لتقديمها للشركة مقابل تخفيض التكاليف.


وأكدت في هذا السياق الحاجة لتبني المزيد من الحلول والابتكارات في مجال تحلية المياه باستخدام التقنيات الحديثة لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف التشغيلية وخفض تكاليف الطاقة عبر الاعتماد على الطاقة البديلة وتوسيع الاستفادة من الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وكذلك طاقة الرياح.


ودعت لتقديم الدعم والحوافز الممكنة التي يمكن أن تقدمها الحكومة الأردنية لتخفيض تكلفة المياه، كالإعفاءات الجمركية والضريبية، وتوفير الأراضي المملوكة للحكومة لتنفيذ المشروع عليها، وتقديم الضمانات؛ وضمان وزارة المالية للتخفيف من المخاطر التي ستنعكس على السعر.


وأوصت بأهمية الاستفادة من التجربة السعودية في الاستثمار التجاري للمياه الراجعة والاستفادة من المنتجات الثانوية من صناعة تحلية المياه، باستخدام تقنيات مستدامة وصديقة للبيئة تمكن من تعدين المياه الراجعة واستخراج المعادن، مما يساهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية، وتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري.


وبينت أن ذلك عبر تمكين  المستثمرين من إنشاء مصانع للقيام بعمليات استخلاص ومعالجة المعادن والأملاح وتوظيفها للاستثمار التجاري دون أي تكلفة على الحكومة، في وقت يمكن فيه للشركات أن تأخذ هذه المياه بثمن يشكل عائدا يساهم في تخفيض تكاليف بيع المياه، ما سينعكس ذلك على سعر البيع المعروض.


وسواء كان الحصول على المياه الراجعة مجانا أو مدفوع الأجر، فإن كلاهما سينعكس إيجابا على تقليل تكلفة بيع المياه، حيث أن تكلفة التخلص من المياه الراجعة تشكل جزءاً رئيساً من إنتاج المياه وهي مدرجة في السعر المعروض، بحسبها.


وجددت تأكيدها ضرورة ضمان الشفافية والقدرة التنافسية مع أي تعديلات محتملة على وثائق المناقصة، منوهة "من أجل سلامة الإجراءات يتم إعطاء الفرصة لبقية الشركات المؤهلة لتقديم عروضها وفقا للتعديلات والحوافز في حالة الموافقة عليها وعرضها على الشركة".


وفي ضوء توقعات مرتقبة إزاء ضبابية هذا المشهد؛ أشار خبير مياه مطلع، فضل عدم ذكر اسمه، لاحتمالية الانتقال نحو سيناريو يقضي باختلاف "آلية تنفيذ المشروع وليس التخلّي عنه"، مشيرا إلى أن اعتماد "تقسيم كميات المياه المتفق عليها وفق المشروع وخفضها من 300 مليون متر مكعب إلى 100 مليون، قد يكون الاحتمال الأرجح".

 

وقال الخبير إن مساحة "حركة وآلية" تنفيذ المشروع ضمن التمويل المتوفر تعد محدودة، لذلك قد تلجأ الحكومة لخفض نطاق المشاريع، كما ينص عليه علم المشاريع، بشكل يلبي متطلبات التمويل شريطة أن تستوعب كافة المراحل المتفق عليها.

 

اقرأ المزيد : 

"الناقل الوطني" هل يكون مدخلا لاعتماد الطاقة المتجددة ؟