"الفاقد المائي".. عقدة تلاحق القطاع فهل تحلها "الإستراتيجية"؟

1707926984504066100
مياه تتدفق من أحد الأنابيب -(أرشيفية)

يفرض العبء الواقع على عاتق القطاع المائي نحو خفض فاقد المياه البالغ نسبته حاليا نحو 50 %، سيناريوهات متعددة، أبرزها ضرورة الإسراع في تنفيذ أهداف الإستراتيجية الوطنية لفاقد المياه للأعوام 2022 – 2040، وسط مخاوف إزاء إمكانية تحقيق هدف خفضه بما نسبته 2 % سنويا.

اضافة اعلان


وفيما أظهرت أرقام رسمية أن فاقد المياه انخفض بما معدله نقطتان مئويتان، إذ بلغ حوالي 54 % في العام 1999، ليصل إلى حدود 52 % في العام 2022، أكد مختصون في قطاع المياه، في تصريحات لـ"الغد"، أهمية الإسراع بتنفيذ هذه الإستراتيجية بشكل متواز مع تنفيذ مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر، داعين إلى صياغة برنامج واضح يهدف إلى خفض الفاقد من شبكة المصدر المائي إلى عدادات المياه لكل مواطن.


وفي هذا السياق، أشار الخبراء إلى أن مسؤولية مطوّر مشروع الناقل الوطني ستكون إيصال المياه إلى خزانات المياه الرئيسية فقط، في حين يكون توزيع هذه المياه للمواطنين من مسؤولية وزارة المياه والري وشركات المياه الحكومية التابعة لها، وبالتالي يقع عبء تخفيض الفاقد عليها.


وبهذا الخصوص، تحدث وزير المياه والري رائد أبو السعود بحضور الأمناء العامين للوزارة د. جهاد المحاميد، ولسلطة المياه وائل الدويري، ولسلطة وادي الأردن هشام الحيصة، خلال مناقشات "مالية الأعيان" لموازنة "المياه"، عن الشراكة مع الوكالة الأميركية للتنمية في خفض الفاقد المائي، حيث تم الخفض بنسبة 2 بالمئة سنوياً.


وأشار أبو السعود، في تصريحاته حينها، إلى التواصل مع القطاع الخاص لإيجاد مشروع يضمن آلية بناء على معادلة رابحة لجميع الأطراف لتحقيق شراكة فاعلة في خفض نسبة الفاقد.


الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات، أكد أن إستراتيجية "خفض الفاقد" قدمت الإطار العام للحلول خلال السنوات المقبلة، مشيرا إلى هدفها الأساسي في تخفيض نسبة فاقد المياه من نحو 50 % حاليا إلى نسبة 25 % بحلول العام 2040.


وأضاف الدحيات أن هذه الخطة، التي تم إعدادها بناء على مبادرات رئيسية وردت في رؤية التحديث الاقتصادي والخاصة بخفض فاقد المياه الذي ما يزال يشكل تحديا كبيرا ضمن القطاع المائي، اشتملت على تنفيذ مشاريع رأسمالية بقيمة إجمالية مقدارها 1.3 مليار دينار.


وبين أن الإستراتيجية الوطنية لفاقد المياه (2022-2040) والتي جرت بدعم فني من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، اعتبرت أن تخفيض الفاقد الفني، المتسرب والضائع من الشبكة، هي الأولوية وتشكّل قيمة مشاريعه 1 مليار دينار من إجمالي 1.3 مليار دينار، وبالتالي يشكّل الجزء الأكبر من نسبة الفاقد.


وأوضح أن هذه المشاريع تتضمن إعادة هيكلة وتأهيل شبكات المياه الرئيسية، ووصلاتها المنزلية، وإدارة الضغوط فيها، ومراقبة كميات التزويد المائي والمياه، من خلال عزل شبكة المياه الرئيسة لمجموعة شبكات فرعية مفصولة وغير متداخلة تسهل مراقبة تدفق المياه فيها وكشف التسربات وتحويل الضخ المباشر إلى التزويد الانسيابي، وتقع أغلب هذه المشاريع في محافظات العاصمة والزرقاء وإربد ذات الاستهلاك العالي من المياه.


وقال إن الإستراتيجية أشارت إلى عدم إمكانية تحديد مساهمة الاستخدامات غير المشروعة في فاقد المياه "بشكل دقيق وهي مشكلة محلية مرتبطة ببعض المواقع الجغرافية ولا يمكن تعميمها كسبب أساسي في ارتفاع نسبة الفاقد على مستوى المملكة".


إلا أنه نوه في الوقت ذاته بأن الإستراتيجية لفتت إلى إمكانية "الحد منها دون استثمارات رأسمالية عالية"، مشيرا إلى أنه تم تخصيص مبلغ 6 ملايين دينار لها فقط في الإستراتيجية.


وتابع أن هذه الاستخدامات غير المشروعة، ارتبطت ببعض أوجه القصور عند تنفيذ شبكات مياه جديدة، حيث لم يتم فصل الشبكات والخطوط والوصلات المنزلية القديمة للمياه عند استبدالها بخطوط جديدة، ما أدى إلى استخدام بعضها بشكل غير مشروع أو تسرب المياه منها.


ووفق الدحيات، فإن الإستراتيجية أكدت أن استبدال 30 % من عدادات المشتركين في محافظة العاصمة عمان من شركة مياهنا وبعد تشغيل مشروع جر مياه الديسي العام2013 وتركيب 200 ألف عداد بتكنولوجيا ألتراسونيك، "لم ينتج عنه خفض فاقد المياه أو زيادة كميات المياه المفوترة في ظل توزيع المياه بأدوار أسبوعية غير مستمرة لا تتجاوز 48 ساعة أسبوعيا، لاسيما وأن استخدام هذه العدادات يتم عندما تكون أدوار توزيع المياه مستمرة كما هو الحال في مدينة العقبة. 


وأكد أن خطة "فاقد المياه"، والتي جرى نشرها باللغة الإنجليزية على الموقع الإلكتروني لوزارة المياه والري، من أهم خطط الوزارة، إذ تبيّن الدروس المستفادة من مشاريع تخفيض فاقد المياه التي تم تنفيذها سابقا، والإطار العام للحلول خلال السنوات المقبلة.


وقال إن الإستراتيجية أشارت إلى أنه تمّ سابقاً، من خلال مشاريع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تخفيض فاقد المياه في ظل التزويد غير المستمر للمياه بنسبة 11 % في بعض مناطق التوزيع في العاصمة عمان، عبر إعادة هيكلة وتأهيل شبكات المياه بشكل كامل، وإلى نسبة 30 % مع بعض الإصلاحات البسيطة في الشبكة. 


واعتبر في الإطار ذاته، أن ترجمة الإستراتيجية للغة العربية ونشر التقارير الدورية حول الجهود المبذولة والإنجاز في تنفيذ هذه الإستراتيجية، تساهم في نشر المعرفة والوعي لدى الشركاء كافة، بما في ذلك نشر نسب الفاقد التي يتم تخفيضها في كل محافظة، والإيرادات المالية الإضافية المتأتية منه، ومساهمة كل مشروع في ذلك.


وذلك إلى جانب كميات المياه الإضافية التي سيتم توفيرها للمواطنين وانعكاسها على أدوار المياه والتوزيع ونوعية الخدمات وخاصة في فصل الصيف الذي يمثل ذروة الطلب على المياه. 


من جانبه، أكد الأمين العام الأسبق لوزارة المياه والري علي صبح، أن خفض الفاقد المائي بالشكل اللازم، يتطلب اتخاذ إجراءات عدة؛ من ضمنها تركيب وتشغيل عدادات ذكية تضمن تبيان أي عبث في حال جرت أي تجاوزات.


وأكد صبح أهمية توزيع المناطق إلى مناطق ذات نطاق أضيق، يتم من خلالها معرفة كميات المياه التي تتم فوترتها، وتشمل كميات المياه الواصلة وحجم ما يتم احتسابه، وبالتالي إمكانية تحديد وتقييم مكامن الفاقد سواء كان فيزيائيا من خلال خطوط المياه، أم من خلال الاعتداءات.


وقال إنه يجب وضع عدادات كبيرة على كل مصدر مائي يتم الاعتماد عليه في تقديم مؤشرات حول كمية المياه المنتجة، وعلى أثرها تتم المقارنة بين الموجود وبين المستغل، مشددا على أهمية استمرارية العمل بخفض الفاقد، علما أنه من أهم عناصر إيجاد المصادر الجديدة.


وأوضح الأمين العام الأسبق لـ "المياه" أن خفض كل 1 % أو 2 % من الفاقد (سواء الفيزيائي أو الإداري)، يعني توفير ملايين الأمتار المكعبة من المياه، موصيا بصياغة برنامج واضح لخفض الفاقد من شبكة المصدر المائي إلى عدادات المياه لكل مواطن.


أما الخبيرة الأردنية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي، فرأت أن هدف تقليل الفاقد من المياه، وفق الإستراتيجية الوطنية بـ2 % سنويا، والوصول إلى  25 % بحلول العام 2040، هو "هدف طموح للغاية" رغم أهميته في ظل ارتفاع تكاليف مصادر التمويل.


وبينت الزعبي أن الخطط التي تم وضعها لتقليل فاقد المياه لم تكن مبنية على أرقام حقيقية على أرض الواقع، إذ لم يتم تحديد كميات المياه المنتجة من المصادر والكميات المستهلكة بشكل دقيق، ولذلك، فإن "أهداف تخفيض نسبة فاقد المياه كانت غير واقعية، وهناك حاجة لحساب حجم فاقد المياه بدقة".


وبهدف مواجهة تحديات القطاع، أكدت الزعبي ضرورة الإسراع في إيجاد حلول وفق برامج الاستثمار المستقبلية في المياه، خاصة الإستراتيجية منها، التي سيتم تنفيذها بالشراكة مع القطاع الخاص، لافتة إلى العديد من البرامج والمشاريع المختصة بتخفيض نسبة الفاقد من المياه، لكن أغلبها عبارة عن تكرار لتجارب ربما كانت فعالة سابقا، لكنها تحتاج إلى تجديد وتغيير النهج.


وبينت أن تحلية المياه وإعادة استخدامها أمران أساسيان لمستقبل آمن مائياً يستخدم مبادئ الاقتصاد الدائري بدلاً من النموذج الخطي غير المستدام المتمثل في أخذ المياه ومعالجتها واستهلاكها وإهدارها، ما يعزز نظام المياه الدائري المرن والاستخدام الأكثر استدامة، ومسؤولية للمياه والطاقة والموارد الأخرى، ويحافظ على المياه والنظم البيئية الطبيعية ويجددها.


ومن أبرز الحلول التي يجب اللجوء إليها لمواجهة ظاهرة فقدان المياه الناتجة عن الشبكات، بحسب الزعبي، تحديد مكونات الفاقد ونسب تأثيرها وكلف معالجتها، ويتم ذلك من خلال تقسيم شبكات مياه الشرب إلى مناطق معزولة ذات مداخل ومخارج محدودة، وتركيب أجهزة قياس التدفق والضغط، وتحديد النسب الفعلية من الفاقد الفيزيائي والإداري في الشبكات لكشف نسبة الفاقد وتحديدها بدقة، وتحديد الإجراءات المناسبة لتقليل الهدر بحيث يتم تحديد الأولويات بناءً على العنصر الأكثر تأثيراً ومدى توفر التمويل.  


وشددت على ضرورة البدء بتزويد المنازل بالمياه بشكل مستمر، قدر الإمكان، ما يعني تقليل حجم الفاقد بشكل كبير، حيث إن إمدادات المياه المتقطعة تزيد من حجم الفاقد، لأنه يؤدي إلى تلف الشبكات، كما أن هناك مشكلة حقيقية في تحصيل المياه غير المدفوعة من المستخدمين، وخاصة الدوائر الحكومية، ويجب إيجاد آلية يمكن من خلالها سداد أسعار المياه المستحقة لهم.


كما لفتت إلى ضرورة تبطين القنوات والممرات المائية، والتوسع في استخدام أنماط الري الحديث لتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد المائية في الري وتحقيق وفرة في المياه، بما يسمح بإمكانية التوسع الأفقي واستصلاح واستزراع مساحات أرضية جديدة تضاف إلى الرقعة الزراعية.


من جهتها، تعهدت الإستراتيجية الوطنية لقطاع المياه 2023-2040، والتي أكدت أن تحقيق الأمن المائي لا يرتبط فقط بزيادة مصادر التزويد فحسب، أن يتم العمل على الاستخدام الأمثل بشكل صارم لكل قطرة مياه، وذلك عبر تقليل الخسائر الناجمة عن التسرب والاستخدامات غير القانونية، والتي تسمى بالفاقد المائي أو المياه غير المفوترة، بنسبة 25 % بحلول العام 2040، أي بمعدل 2 % سنويا، مع رفع كفاءة التشغيل.


إضافة إلى ذلك، سيتم العمل مع مستهلكي المياه وشركائنا على تحسين كفاءة استخدام المياه، بهدف زيادة المردود الاقتصادي لكل متر مكعب من المياه المستخدمة، وفق الإستراتيجية.


وفي محورها حول إدارة وتشغيل خدمات الشركات؛ أشارت الإستراتيجية إلى ارتباط ضمان خدمات المياه والصرف الصحي الفعالة والكفؤة، لإرضاء المواطنين وتقليل الفاقد المرتفع من المياه في أنظمة المياه، ولتحقيق الاستدامة المالية.


وبينت أن ذلك يتطلب برنامجا مستداما للاستثمار في خفض الفاقد المائي، والتشغيل والصيانة، وتنمية قدرات الموارد البشرية، وتطوير أنظمة الإدارة، والإصلاح المؤسسي، وتطوير قدرة معالجة وتوزيع مياه الصرف الصحي.


وأوضحت أنه يتم فقدان أكثر من نصف كميات مياه الشرب في الأردن عبر الاستخدامات غير المشروعة والوصلات غير القانونية وأعمال التخريب والتسرب المائي من الشبكات، ويعد الفاقد المائي، والمياه غير المفوترة، أكبر تحد تشغيلي يواجه قطاع المياه.


وأشارت إلى مساهمة الوصلات غير القانونية وأعمال التخريب في فاقد أنظمة المياه، كما تؤدي إلى انقطاع متكرر للتزويد المائي.
وبحسبها، فإن عوامل فنية كعدم كفاية عمليات القياس ومراقبة عمليات التشغيل، تمثل عقبة في طريق خفض الفاقد بطريقة أكثر شمولية، كما أنها تحد من القدرة على تحسين إدارة تحدي الفاقد المائي وأولويات إجراءات التحسين الأخرى.


وحددت الإستراتيجية في أهدافها وغاياتها المنهجية أهمية الحد من فاقد المياه في جميع أنظمة المياه البلدية وذلك لزيادة كمية التزويد من المياه، وتأكيد الاستفادة من مصادر المياه الجديدة الناتجة عن التحلية إلى أقصى حد ممكن.


وتسعى الخطة إلى خفض نسبة الفاقد المائي إلى 35 % على المستوى الوطني عند تشغيل مياه الناقل الوطني، وإلى 25 % على المستوى الوطني بحلول العام 2040.


أما عن أهدافها الفرعية والمنهجية، فتكمن في التحول إلى عمليات التزويد المستمر لتحسين إدارة الفاقد المائي، وتحسين الممارسات الإدارية من أجل خفض الفاقد الإداري، وتعزيز الإدارة التشغيلية من أجل خفض الفاقد الفيزيائي، وذلك عن طريق منع التسربات وإصلاحها فور حدوثها.

 

اقرأ المزيد : 

الشبول: الجهود الحكومية تقلص الفاقد المائي إلى 3.1 %