النقابات المهنية.. لماذا تعثرت صناديق تقاعد ونجحت أخرى؟

1708702625456410500
مبنى مجمع النقابات المهنية في عمان-(أرشيفية)

منذ سنوات، والنقابات المهنية تواجه أزمات مالية عدة عصفت بصناديقها وأوصلتها إلى حد عجزها عن الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه أعضائها، خصوصا ما يتعلق بصناديق التقاعد والتكافل والتأمين الصحي.

اضافة اعلان


وعلى الرغم من أن بعض النقابات عانت من تحديات برزت على وجه الخصوص إبان جائحة كورونا، إلا أن هنالك نقابات أخرى تميزت خلال الأزمة الصحية العالمية وأثبتت أنها قادرة على دعم منتسبيها بعد توقف الأشغال والأعمال.


وإن كان بعض النقابيين يرون أن من أسباب تقهقر صناديق نقابات مهنية بسبب ضعف التمويل أو عدم إيجاد حلول لرفد الصناديق بالأموال، إلا أن نقابات أخرى تمكنت من إيجاد هذه الحلول والتغلب على المعيقات.


وفقدت نقابات مهنية صناديقها التقاعدية، والتي منها نقابة الصحفيين التي صوتت هيئتها العامة على تصفيته لأنه كان واضحا أنه لا مجال لتطويره، في ظل عدم وجود أي وسيلة للاستثمار لرفده بالأموال، وصولا إلى نقابة الجيولوجيين التي اتخذت قرارا بإغلاق صندوق تقاعدها بعد الوصول إلى عجز كبير فيه.


كما أن نقابة الأطباء، تعاني أيضا من أزمة، وكان صندوقها التقاعدي، إلى فترة ما سابقة، مصابا بـ”موت سريري”، وهو الذي يعاني من أزمة مركبة، مستمرة منذ أعوام طويلة، من دون الوصول إلى حلول جذرية لها.


أثارت أزمة صندوق تقاعد الأطباء موجة من النقاشات تراوحت بين دعوات لإيجاد حلول لرفد الصندوق، ودعوات أخرى لتصفيته.
وأيضا، دار جدل طويل في نقابة المهندسين، التي توقفت في مرحلة ما عن دفع الرواتب التقاعدية كاملة، قبل أن تقر الهيئة العامة للنقابة بعد “مخاض عسير” تعديلات على نظام صندوق التقاعد الخاص بها، في محاولة لحل مشاكل عجز الصندوق، وهو ما وافق عليه مجلس الوزراء في الأسابيع الماضية.


إلا أنه ليست كل صناديق تقاعد النقابات المهنية تعيش هذا الوضع الصعب، حيث إن هنالك قصص نجاح يجب أن “تُدرّس” لدى بعض النقابات التي تجاوزت أوضاعا اقتصادية صعبة ونمت فيها إيرادات صناديقها، على غرار نقابات المحامين وأطباء الأسنان والصيادلة.


وفي هذا الخصوص، يقول نقيب المحامين يحيى أبو عبود، إن نقابة المحامين توفر مظلة اجتماعية شبه كاملة لأعضاء هيئتها العامة، مبينا أن هذه المظلة توفر عناصر عدة من تأمين راتب الشيخوخة، أو الذي يسمى راتب التقاعد، والعنصر الثاني وهو تأمين الرعاية الصحية بما يسمى التأمين الصحي، والعنصر الثالث هو التأمين من العجز والوفاة.


وأضاف أبو عبود، في حديثه لـ”الغد”، أن صندوق التعاون في نقابة المحامين يؤمن مبالغ في حالة العجز الكلي والوفاة من 30 ألفا إلى 40 ألف دينار لأسرة المحامي المتوفى، ونصف المبلغ للمحامي في حالة العجز الكلي.


وأكد أن التأمين الطبي، يستفيد منه نحو 35 ألف مشترك ما بين محامين وأسرهم، حيث تدفع النقابة كلفاً تأمينية سنوية بقيمة 9 ملايين دينار، وهذا رقم مرتفع على هكذا عدد مشتركين.


وأشار أبو عبود إلى أن النقابة تسهم بدعم الأقساط على هذا التأمين بأكثر من 60 % من الكلفة الحقيقية.


وأوضح أن نقابة المحامين تصرف رواتب تقاعدية لـ2000 ملف تقاعدي ما بين محام على قيد الحياة أو ملف لأسرته.
وأكد أن عدد المحامين المزاولين حتى هذ اللحظة يبلغ تقريبا 14 ألف محامي.


واعتبر أبو عبود أن استقرار هذه الصناديق وثباتها مرده للسياسات المالية الصارمة التي تتبعها نقابة المحامين، والبنيان القانوني المتين لأنظمة هذه الصناديق والرقابة المرتفعة على تحصيل إيرادات الصناديق وعلى الإنفاق في أوجهها المبينة في القانون والنظام.


وشدد على أن استقرار هذه الصناديق “بالنسبة لنا، لا يشكل عنصر راحة، لأن هذه الصناديق مرتبطة اكتوارياً بالموارد والنفقات وعمر الأجيال والتدفق الحاصل على مهنة المحاماة الذي قد يكون من أسباب اتباع سياسات مالية أكثر صرامة حتى تبقى هذه الصناديق قادرة على الوفاء للأجيال المقبلة”.


ولفت إلى أن الاشتراك في هذه الصناديق إلزامي، مبينا أن فكرة الإلزامية هي عنصر مهم جداً في ثبات صناديق التأمينات الاجتماعية، وكذلك الأمر تعدد الموارد.


وقال أبو عبود إن نقابة المحامين تقوم بشكل أساسي على عمل المحامي أو المزاولة الفعلية للمحامي، بعكس بعض باقي الصناديق الأخرى التي تقوم على فكرة الاشتراك.


وأضاف “موارد صندوق التقاعد تحديدا هي الاشتراكات السنوية ومقدار ما يدفعه المحامي من رسوم على مزاولته للمهنة سواء كان رسم الإبراز أو الطوابع أو الرسوم، وهذه مرتبطة بمدى دخل المحامي”.


وبين أن النقابة تقوم بدفع نحو 11 مليون دينار سنويا رواتب تقاعدية، لافتا إلى أن الإيرادات المالية للصندوق تزيد بطبيعة الحال عن هذا المبلغ، معتبرا أن صندوق التقاعد في النقابة متين ومجلس النقابة يضمن ديمومته لسنوات مقبلة. 


وأوضح أن فكرة التعاون والتكافل بين المحامين هي عنصر قوة وثبات لهذه الصناديق.


وأشار أبو عبود إلى أن العنصر الاستراتيجي للنقابة هو المورد الاستثماري، حيث إن أرصدة صندوق التقاعد أو المدخرات التقاعدية يتم استثمارها بأكثر الطرق ثباتاً، ولسنا مندفعين كثيراً من ناحية تنوع الاستثمارات.


إلى ذلك، يعد صندوق تقاعد نقابة أطباء الأسنان من الصناديق التقاعدية المهنية القوية، وهو الذي تأسس العام 1976.


وقال نقيب أطباء الأسنان الدكتور عازم القدومي، إن الصندوق يضم 5 شرائح تقاعدية؛ أولاها الشريحة الإلزامية من فئة 200 دينار وقسطها الشهري 20 دينارا، بالإضافة إلى شريحة 300 دينار وقسطها 30 دينارا، وشريحة 400 دينار و600 دينار و800 دينار.


وبين القدومي، في تصريح لـ”الغد”، أن عواقد الاشتراك هي 10 % من قيمة راتب التقاعد تدفع شهرياً من أطباء الأسنان.


وأضاف أن صندوق التقاعد في نقابة أطباء الأسنان يعد بمثابة قصة نجاح، رغم تعرضه للكثير، شأنه شأن الصناديق كافة في النقابة لتراجع في دفع الاشتراكات.


وأوضح أن جزءا من العوائق أمام صناديق التقاعد في النقابات المهنية وفي كل صناديق التقاعد الموجودة، ولكن المجالس المتعاقبة دأبت على عمل مشاريع استثمارية رفدت صندوق التقاعد بملايين الدنانير.


واعتبر القدومي، أن هذه الاستثمارات من شأنها أن تعوض العجز القائم شهريا بين المبالغ المدفوعة من قبل أطباء الأسنان الملتزمين بالسداد وقيمة الرواتب التقاعدية التي تدفع للمستحقين.


وشدد على أن مجلس النقابة كان حريصا على ألا تنقطع هذه الرواتب التقاعدية حتى في أحلك الظروف، رغم أنه في فترة كورونا كان هناك تراجع إلى حد ما في نسبة تسديد الاشتراكات.


ولفت القدومي إلى أن المجلسين السابق والحالي، استكملا مشروعا استثماريا جيدا خدم حوالي 110 أطباء أسنان بقطع أراض في منطقة القسطل، وعاد على الصندوق بربح يستطيع أن يعطيه استقرارا ذاتيا لعامين اثنين على الأقل، بالإضافة إلى وجود ملايين الدنانير كمدخرات واستثمارات لصالح صندوق التقاعد.


وأشار إلى أن صندوق تقاعد النقابة يملك وديعة عملية تستخدم كرافد مالي له.


وقال القدومي “نستطيع أن نقول إن صندوق التقاعد في نقابة أطباء الأسنان هو صندوق مستقر، وكذلك باقي الصناديق، على غرار صندوق التأمين الصحي الذي يقدم الخدمة العلاجية لأطباء الأسنان، وهو أيضاً إلزامي”.


وأضاف أن عدد المشتركين في الصندوق اليوم يبلغ حوالي 11 ألفا و600 طبيب أسنان، جميعهم ملزمون بالاشتراك بصندوق التأمين الصحي وصندوق التقاعد لأنه ليست اختياريا.


فيما قال نقيب الصيادلة الدكتور محمد عبابنة، إن صندوق التقاعد في النقابة آمن في الوقت الحالي، مبينا أن النقابة تقوم بدفع ما قيمته نحو 3.5 مليون دينار سنويا كرواتب تقاعدية، يستفيد منها 1228 متقاعدا من دون الورثة.


وأشار عبابنة إلى أن إيرادات الصندوق مستقرة، خصوصا وأن الصيادلة ملتزمون بدفع اشتراكاتهم للصندوق، إلا أنه لفت إلى أن الاستثمار كان ضعيفا نوعا ما في الأعوام الماضية، إلا أنه لم يحقق خسائر.


وأضاف أن النقابة تقوم بإعطاء منتسبيها قروضا بالمرابحة، وتكون نسبة الفائدة فيها معقولة، ما يؤدي إلى رفد صندوق التقاعد بمبالغ تفي حاجة مصروفاته.


وبين أن السيولة في صندوق التقاعد متوفرة وتبلغ نحو 12 مليون دينار، لافتا إلى أنه بات من الضروري إجراء تعديل على نظام الصندوق خلال الأعوام الأربعة المقبلة، كي لا يصل إلى نقطة التعادل ومن ثم إلى العجز.


وشدد عبابنة على أن الدراسة الاكتوارية للصندوق شارف العمل بها على الانتهاء، حيث سيتم الإعلان عن فحواها أواخر آذار (مارس) المقبل.

 

اقرأ المزيد : 

النقابات المهنية.. شبح التصفية يطارد صناديق التقاعد