لمواجهة تهديدات الأمن الغذائي.. ضرورة وضع خريطة طريق مائية زراعية

مصادر المياه
مصادر المياه

وسط مخاوف أممية تتجدد حول مخاطر تداعيات النقص الحاد في المياه عالميا ومحليا، وتأثيراتها على الأمن الغذائي، حثّ خبراء في قطاع المياه على ضرورة صياغة خريطة طريق مائية- زراعية مشتركة، تساهم في اختيار الزراعات المتناسبة ومصادر المياه المتوافرة في المنطقة المختارة.   

اضافة اعلان


وأشار المختصون، في تصريحات لـ"الغد" إلى أهمية "جعل استخدام المياه في الزراعة أكثر كفاءة وإنتاجية وإنصافا ومراعاة للبيئة"، داعين لـ"دعم وزيادة تخزين المياه لدرء مخاطر تذبذب المناخ وتغيره". 


وأبدت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) قلقها، إزاء اشتداد "أزمة الضغط المتزايد على موارد المياه عمقا"، محذرة من مخاطر "مساهمة ذلك في عدم المساواة بالحصول على المياه، وسط مخاوف من توسيع الفوارق الاجتماعية القائمة، بحيث يؤثر ذلك بشكل خاص على القطاعات الضعيفة، مثل صغار المزارعين ومجتمعات السكان الأصليين والنساء". 


وأضافت المنظمة، أنه مع مساهمة الزراعة في 70 % من استهلاك المياه العذبة، أصبحت أنظمة الأغذية الزراعية مركزية، لندرة المياه التي يواجهها العالم. 


وفيما يرتبط بالتنسيق بين عمل وزارتي المياه والزراعة، بخصوص مواجهة تهديدات الأمن الغذائي الناجم عن نقص المياه؛ دعا الأمين العام الأسبق لوزارة المياه والري علي صبح، لضرورة صياغة إستراتيجية واضحة بين الوزارتين، تشمل خريطة زراعية وأخرى مائية، على أساس تقديم مواقع المياه المالحة، والمياه العميقة، ومياه الصرف الصحي المعالجة، والمياه السطحية والينابيع. 


وقال صبح، إن الزراعة يجب أن تتواءم وهذه المصادر، لتوزع تلك الزراعات حسب المصادر المائية المتوافرة، وحسب المردود الاقتصادي من هذه المزروعات. 


وأشار إلى أهمية الإسراع بنقل المياه المعالجة "المهدورة" منها، إلى تخزينها بالمواقع المناسبة لسد احتياجات المزارعين في فترة الصيف، مبينا أن صياغة الخريطة المائية والزراعية، تسهم باختيار المزروعات المناسبة وإقرار إستراتيجية واضحة بين وزارتي المياه والزراعة، إذ توفر مجهودا على الدولة من جهة، وتسهم بوقف هدر المياه الصالحة للشرب في الزراعة، واستغلال المصادر الأخرى غير الصالحة للشرب، كالمياه المالحة والمياه العميقة. 


إقليميا، بين الأمين العام الأسبق لـ"المياه"، أهمية أن يوجد تفاهم أردني - سوري على أساس الحصول على حصة الأردن المائية في نهر اليرموك، والتي تلعب دورا كبيرا في ري الزراعات بوادي الأردن، سيما وأن امتلاء سد الوحدة يسهم بحل مشكلة الأغوار. 


وقال صبح، إنه "ضمن المضي بخريطة التحديث الاقتصادي، يجب التنسيق بين جميع الجهات المعنية في موضوع المياه، سيما وأنها المفتاح للتنمية المستدامة في المجالات كافة". 


من جهتها، أكدت الخبيرة الإقليمية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي، أنه برغم أهمية دور السدود والحواجز المائية بالمساهمة في الحصاد المائي لمواجهة الفقر المائي، إلا أنه "ما تزال هناك فجوة بين كمية المياه المتوافرة والمياه التي يجب أن تكون موجودة، لتأمين احتياجات الناس بالشكل الأمثل"، مشيرة لأهمية القيام بتوسيع عمليات تجميع المياه في مواسم الهطل في سدود وأحواض مائية، وتعزيزه بحفر برك حصاد مائية، بحيث تعد من أنجح عمليات تخزين المياه عبر الزمن. 


و"برغم ضآلة ما تخزّنه الحفائر والسدود الصحراوية، إلّا أنها حل مهم، بخاصة وأن نسبة التبخر في الحفائر منخفضة"، وفق الزعبي التي اعتبرت أن "التوسّع في خيارات السدود الصغيرة والحفائر والبرك في مختلف مناطق المملكة ضروري، وتحديدا في مناطق الجنوب والشرق التي لا تشهد كميّات هطل كبيرة، يمكن تخزينها بكميّات يستوعبها سد كبير أو أساسي". 


وأشارت الى إيجابية ذلك في "التقليل من كميات المياه الضائعة، واستثمار التدفقات الفجائية"، موصية بـ"تشجيع الأفراد على إنشاء آبار تجميع لمياه الأمطار في مناطق سكنهم". 


وذلك إلى جانب تغذية المياه الجوفية، بحيث يهطل على الأردن سنويا 8 مليارات م3 سنويا، ويتبخر منها أكثر من 90 % ولا يستفاد منه. 


وأوصت الزعبي، بإجراء تحسينات يمكن تحقيقها فيما يتعلق بكيفية استخدام المياه لإنتاج الأغذية، وجعل استخدام المياه في الزراعة، أكثر كفاءة وإنتاجية وإنصافا ومراعاة للبيئة، مشيرة لأهمية إنتاج المزيد من الغذاء، مع استخدام كميات أقل من المياه، وبناء قدرة المجتمعات الزراعية على التصدّي للفيضانات والجفاف، وتطبيق تكنولوجيات المياه النظيفة التي تحمي البيئة. 


وأكدت الخبيرة في دبلوماسية المياه، أهمية اتخاذ إجراءات في استخدام موارد المياه العذبة المحيطة بالمحاصيل وإعادة استخدامها، وزيادة الاستخدام الآمن لمياه الصرف الصحّي، منوهة للتوجه نحو الابتكار والحلول غير التقليدية فى مجال الزراعة أو المحافظة على المنظومة الزراعية، وصولا لأمن غذائي وسلامة الغذاء فى الوقت ذاته، وذلك في مواجهة تحدي تغير المناخ بهذا الخصوص. 


وأوضحت، أنه غالبا يجري استخدام المياه بشكل غير مجد في سلسلة القيمة الغذائية ضمن إطار النظم الغذائية. 
وفي حين دعا تقرير صدر مؤخرا عن (الفاو)، الدول للاستعداد لنقص المياه الذي قد يؤثر على 5 مليارات شخص في العالم، قالت الزعبي إن (الفاو)، تؤدي دورا مهما في معالجة ندرة المياه عالميا، سيما في مجال الزراعة.  


وعلى المستوى الإقليمي أيضا، ساعدت مبادرة ندرة المياه في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا البلدان بطرق عدّة، كالمحاسبة والمراجعة في مجال موارد المياه، وتحديد إمكانات تحسين الاستخدام الفعال للمياه في الزراعة، واقترن ذلك بمراجعة السياسات والبيئة المؤسسية التي تدعم إدارة الموارد المائية، بحسبها. 


وتنفذ (الفاو) مشاريع في الأردن، تهدف لتحسين كفاءة استخدام المياه وزيادة إنتاجيتها في القطاع الزراعي؛ منها، "مشروع بناء القدرة على التكيف مع التغير المناخي عبر تحسين كفاءة استخدام المياه في قطاع الزراعة" والممول من صندوق المناخ الأخضر، لدعم المزارعين، لاعتماد تقنيات وممارسات مبتكرة، من شأنها زيادة قدرتهم على إنتاج محاصيل أفضل وأكثر إنتاجية، وبالتالي الحد من الفقر؛ وضمان توفر المياه وإدارتها بطريقة مستدامة.  


وفيما حذر تقرير (الفاو) من أن نحو 57 % من سكان العالم سيواجهون نقصا في المياه بحلول العام 2050 لمدة شهر على الأقل كل عام، أكد الخبير الدولي في قطاع المياه محمد ارشيد ضرورة وضع سياسات استباقية لإدارة أخطار الجفاف والفيضانات وتنمية القدرات في مجالات الإنذار المبكر والإعلام المنتظم بشأن التهديدات، ودعم زيادة تخزين المياه لدرء مخاطر تذبذب المناخ وتغيره. 


وحذر ارشيد من مخاطر الآثار المدمرة الناجمة عن تغير المناخ والمؤدية لأحوال طقس متطرفة، كالجفاف والفيضانات على نحو أكثر تكرارا وشدة، ناهيك عن الآثار المدمرة على نظم الإنتاج الغذائي. 


واعتبر أن تخزين المياه السطحية غير كاف لتوفير المياه للزراعة، لعدم إمكانية الاعتماد عليه في ظل التغيرات المناخية بسبب تذبذب كميات الهطل وانخفاض كميات المياه السطحية. 


وأشار الى أن توافر المياه المهددة بالاستنزاف والضخ الجائر من المياه الجوفية والتغير المناخي، ستكون من أكبر التحديات المؤثرة على قطاع الزراعة. 


وفي ضوء ذلك، بين ارشيد أن جلالة الملك عبدالله الثاني، أطلق على التغير المناخي تسمية الجائحة الكبرى، موعزا بوضع إستراتيجية عملية للأمن الغذائي، وذلك قبل جائحة كورونا، باعتبارها من الإجراءات الاستباقية لإدارة أخطار التغير المناخي. 


وشدد على ضرورة تنفيذ إستراتيجية الأمن الغذائي، كونها توفر فرص عمل وتدريب للمجتمع المحلي، وتضمن تسويق المنتجات الزراعية عبر الأسواق المحلية والخارجية، بالإضافة لإنشاء مشاغل تعبئة وتغليف وبرادات ومساكن ومصانع غذائية، وسيكون الأردن مركزا إقليميا للأمن الغذائي. 


وخلص ارشيد في هذا السياق، لضرورة تحليل وتقييم نتائج التعداد الزراعي وتحديد المحاصيل الإستراتيجية واحتياجات الأردن، وربط  ذلك بتطبيق إستراتيجية الأمن الغذائي 2021 -  2030 من المجلس الأعلى للأمن الغذائي، حيث يدخل ذلك في إطار التحديث الاقتصادي، داعيا للتنسيق بين الوزارات المختصة، لتوحيد سياساتها وإستراتيجياتها فيما يتعلق بالمياه وإجراءات الربط بين المياه والغذاء والطاقة. 


وأوصى ارشيد بأهمية القيام بعدة إجراءات للحفاظ على إمدادات المياه للزراعة؛ من ضمنها ترشيد استهلاك المياه، بمعنى إنتاج المزيد من المواد الغذائية باستخدام كميات مياه أقل، وتطوير أنظمة تنقية المياه واستخدام الموارد المائية غير التقليدية، والمحافظة على الأراضي الرطبة، وتحسين كفاءة الري، وتخزين المياه، وتحلية المياه، والحد من التلوث، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الري، وتقليل الاعتماد على المياه العذبة.

 

اقرأ المزيد : 

الأمن الغذائي وإشكالية التعاون العربي