إعادة صياغة "الحشد الشعبي"

اضافة اعلان

بالتأكيد، كانت الحرب على تنظيم "داعش" في صلب مفاوضات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في زيارته إلى واشنطن، الأسبوع الماضي. ولم تعد لدى العراق ملفات كثيرة يفاوض عنها الأميركيين؛ لا الدمقرطة، ولا حقوق الإنسان، ولا الدور الإقليمي. وحتى المشكلة السُنّية وبناء سلطة أكثر تمثيلية، أصبحا جزءا من الجدال السياسي الخاص بالحرب على "داعش".

مع ذلك -أزعم- كان الأمرُ الأكثر أهمية الذي ناقشه العبادي مع الأميركيين، من بين كل تفاصيل الحرب على "داعش"، هو: بناء تصور أكثر وضوحا عن طبيعة العلاقة بين مكونات الجبهة المقاتلة للتنظيم (التحالف الدولي، القوات العراقية الرسمية، مقاتلو العشائر أو الأطراف السُنّية المقاتلة، الحشد الشعبي).

بات معلوما أن معركة تكريت انتهت، بعد أن استعصى دخولُها على مقاتلي "الحشد الشعبي"، فطلبت الجهات العراقية الرسمية تدخل التحالف الدولي، الذي -بدوره- اشترط انسحاب مقاتلي "الحشد" والمستشارين الإيرانيين إلى الخلف، بعد أن كان هؤلاء، لنحو شهر كامل من بدء المعركة في مطلع آذار (مارس) الماضي، رأس الحربة والطرف الأساسي في الجبهة المقاتلة لداعش. بعد ذلك، نفّذت طائرات التحالف الدولي غارات على مواقع "داعش" داخل مدينة تكريت، هي التي مكّنت القوات العراقية من دخول المدينة واستردادها، وإنهاء المعركة من ثم.

قبل ذلك، كان ثمة جدل بين الأطراف العراقية (الحكومة، القوات العراقية الرسمية، مكونات "الحشد الشعبي") بشأن الاستعانة بالتحالف الدولي. وقد كانت أطراف مهمة داخل "الحشد" ترفض أي تدخل للتحالف.

هذه الأطراف هي نفسها التي انسحبت من أرض المعركة في تكريت مع بدء غارات التحالف، وقبل ذلك، هي مقرّبة وحليفة لإيران، وقد أرادت للنصر في تكريت أن يبقى نصرا محضاً للحشد، ومن ثم، للرؤية الإيرانية. ذلك أن قرار بدء الحرب على "داعش" من صلاح الدين، وليس من منطقة أخرى، هو قرار إيراني، إذ أبدى الأميركيون اعتراضات على معركة تكريت، من جهة أنها ليست مهمة استراتيجيا؛ فهي محاصرة، وقريبة من نقاط التماس مع المناطق الشيعية، فضلا عن أن القوات العراقية لم تكمل استعداداتها لخوض المعركة، ولاسيما بناء القوات التي ستمسك الأرض ما بعد تحريرها. ولذلك، لم يشارك الأميركيون في تكريت، الأمر الذي أفسح المجال لمشاركة إيرانية واسعة ونوعية. فإيران تعتقد أن النصر المعنوي في تكريت مهم جداً، حتى وإن كان سهلاً، وليس كبير الأهمية الاستراتيجية.

غير أن الطريقة التي انتهت بها (أو أُخرِجت بها نهاية) معركة تكريت، أتاحت للأميركيين أن يعلنوا، بشكل صريح، أن أحد الشروط الأساسية لأي معركة قادمة ضد "داعش"، في الأنبار أو الموصل أو سواهما من المناطق التي يسيطر عليها في العراق، هو ألا يعود "الحشد الشعبي" والمستشارون الإيرانيون إلى الواجهة، كما كان عليه الأمر في معركة صلاح الدين (في بداياتها على الأقل)؛ لا لأن هؤلاء لم ينجحوا في إكمال المعركة من دون تدخل التحالف الدولي، بعد أن حاولوا أن يقدموا استراتيجية نقيضة وبديلة لاستراتيجية التحالف لمواجهة "داعش"، لا تستند إلى قوات مقاتِلة من داخل المجتمع المحلي، على نحو ما يخطّط التحالفُ، بل تستند إلى ميليشيات مدرّبة، من مناطق أخرى وطائفة أخرى؛ ولا لأن هؤلاء مارسوا انتهاكات بعد تحرير تكريت، وهي -في الحقيقة- انتهاكات معتادة مع أي جيش أو مليشيا يجتاحان تجمعات مدنية، ولاسيما في سياق احتقان طائفي؛ بل لأن تعاظم دور "الحشد الشعبي" (الذي هو في الحقيقة تعاظم للدور الإيراني) سيؤدي إلى مزيد من الأضرار السياسية، أو النتائج السياسية السلبية.

لقد أطلق هذا السياقُ الجديد ديناميكية لإعادة تعريف وصياغة "الحشد الشعبي"، بما يجعل منه طرفاً أكثر مقبولية للاندماج في الحرب على "داعش".

وهذا ما سأبسطه في المقال المقبل.