إنّهم يبطشون باللغة العربية!

هاتفني أحد الأصدقاء القدامى قبل أيّام قائلاً:"أريدكَ أن تزورني سريعاً، فثمّة مشكلة كبيرة لديّ أعاني منها". قلتُ له: "خيرا إن شاء الله، ولكنّكَ كما عرفناك حلّال مشاكل"! قال:"المشكلة لا تتعلّق بي، وإنّما بابني سمير".

في اليوم التالي، زرت ذلك الصّديق الذي ما إن جلستُ معه حتى صار يضرب كفّاً بكفّ، ويقول: "يا صديقي لقد أضعت سمير، إنّه لا يستطيع القراءة باللغة العربية"، ثمّ أضاف بمزيد من الألم: "إنّه عبقري في المواد الدراسية، ولكنّه يدرسها باللغة الإنجليزية، أنا مجرم، لقد أخطأت منذ البداية، وذلك حين سجّلتُه في هذا النوع من المدارس".

ذلك الصّديق ليس إلا واحداً من عدد كبير من النّاس، من أولئك الذين انبهروا بتلك المدارس التي نسمّيها بالأجنبية، والذين اعتقدوا أنّ مستقبل أبنائهم متعلّق بها، فرموا بفلذات أكبادهم بين براثنها! ولكنّهم اكتشفوا بعد فوات الأوان أنّ أبناءهم متفوّقون في كلّ شيء، ويتقنون كلّ شيء، إلا لغتهم القومية.

جميل أن يتعلّم الواحد منّا لغةً أجنبيّةً أو أكثر. إنّ ذلك يدخل في صلب التّطوّر الحضاري الذي ينبغي أن تقطعه بلادنا، خصوصاً وأنّ العلوم والآداب موجودة عبر تلك اللغات، وبناءً عليه فجميل أن يلمّ أبناؤنا بلغة أو لغات جديدة، ولكن شرط المحافظة على اللغة الأمّ التي هي بمثابة عمود أساسي من أعمدة الأمّة. إنّ إهمال اللغة القومية، وتغليب اللغات الأخرى عليها سيؤدّي عاجلاً أو آجلاً إلى وقوع كارثة، بكلّ ما تحمله هذه العبارة من معنى. بانهيار لغة الأمّة يتداعى أهمّ عقد يوحّدها، وبالتالي تتفكّك الأمّة وتتلاشى، ولضرب الأمثلة على ذلك، فكلّنا يعرف ما الذي فعلته فرنسا بالجزائر حين لجأت من خلال الفَرْنَسَة إلى استبدال الفرنسية بالعربية وإلغاء التعامل باللغة العربية.

في فلسطين أيضاً، صدر قبل أشهر واحد من أخبث القرارات العنصرية التي اتّخذها الاحتلال الصهيوني في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وهو القرار الخاص بتهويد أو عبرنة أسماء المدن والقرى والشوارع في فلسطين، وذلك من خلال استبدال الأسماء اليهودية بأخرى عربية. مثل هذا القرار يطمس معالم الأمكنة، ويلغي أي ارتباط لها مع السّكّان العرب الأصليين، الذين تعمل الصهيونية جاهدةً على جعلهم مجرّد قطيع بشري لا قيمة له.

بعيداً عن عقليّة المؤامرة، فإنّني أرى في هذا الانتشار الواسع للمدارس الأجنبية، وفي هذا الإهمال المتعمّد الذي تواجهه اللغة العربية من قِبَل هذه المدارس، ملامح لمؤامرة ما، فنحن كأمّة عربية ما نزال مستهدفين من عدد لا بأس به من الأعداء، وإذا كان في هذا الكلام شكّ، فلماذا لا تقبل دولة كفرنسا، على سبيل المثال، إنشاء مثل هذه المدارس على أرضها؟.

وللعلم، فالفرنسيّون يتمسّكون بلغتهم، إلى درجة أنّك لو كنتَ في باريس، وسألتهم بلغة أخرى غير الفرنسية عن أي شيء تريده، فلن يجيبك عن سؤالكَ أحد.

إزاء هذه المشكلة التي تواجه أبناءنا الطّلبة الذين يدرسون في هذه المدارس الأجنبية، فلا بدّ من العمل على إصدار التّشريعات الكفيلة بإعادة الاعتبار للغة العربية كمتطلَّب أساسي من متطلَّبات المنهاج، بل وهذا هو الحلّ الذي أراه منطقيّاً إعادة هيكلة هذه المدارس بما يتناسب مع هويّتنا القوميّة.

اضافة اعلان

عودة إلى ابن صديقي، فقد قمت بإجراء اختبار صغير له في اللغة العربية، واكتشفت ويا لهول ما اكتشفت، أنّه لا يعرف حتى بعض الحروف والحركات. "ماذا تقترح؟"، سأل صديقي، أجبت: "أقترح أن تنقله سريعاً إلى مدرسة حكوميّة".

[email protected]