الإسلاميون والمقدس في السياسة

من الظواهر الملفتة في مرحلة الانتقال التي تشهدها مجتمعات الربيع العربي، هو الحضور الإسلامي في هرم السلطة السياسية في مواقع مختلفة، ما جعلهم في مرمى حجارة الانتقاد؛ سواء بسبب مواقف يتخذونها أو تصريحات يطلقونها، أو بسبب مواقف مسبقة من الإسلاميين بشكل عام. وبالطبع، فإن الحديث عن الاسلاميين هو بالأساس حول الإخوان المسلمين؛ الأكثر تنظيما في المشهد السياسي العربي طوال حوالي قرن من الزمن.اضافة اعلان
ما يجري في مصر، مثلا، وطريقة تعامل الإخوان مع منتقدي الرئيس محمد مرسي، يذكر إلى حد ما بفكرتي السمع والطاعة من جهة، وهالة المقدس التي تطرح على أولئك السياسيين. وحتى يصبح الحديث واضحا، تكفي الإشارة إلى البرنامج الساخر الذي تم الحديث فيه عن الرئيس، ووجهت تهم لمقدمه باسم يوسف، بالإساءة للرئيس وازدراء الأديان. والمسألة الأولى في سياق مناقشة هذا الأمر هي: هل المطلوب في مرحلة ما بعد الربيع العربي بقاء هالة القداسة على أحد في المشهد السياسي؟ ألم تكن تلك الهالة المزيفة السبب وراء رواج الفساد والاستبداد؛ فلماذا يراد لها أن تعود؟ ألم ينادِ المطالبون بالتغيير بثقافة القانون والمساءلة؟ على من يتصدى للعمل العام، بغض النظر عن موقعه، توقع تعرضه للانتقاد.
الأمر الآخر، لماذا الحرص على صناعة أبطال هم في الأساس يقومون بأشياء يجب أن تكون اعتيادية، يعرفها ويكررها الملايين؟ ترى، ماذا لو قرر الرئيس المصري، ومعه الإخوان والمتعاطفون معهم، التنازل عن كل القضايا المرفوعة ضد من ينتقدونهم، وتغيير أسلوب التعامل مع المسألة برمتها، ألا يساعد ذلك في تحويل تدريجي لفهم الانتقاد عند الرأي العام؟ ألا يجب التركيز على ترويج ثقافة سياسية قائمة على التحمل والمواجهة بالحجة؟ من الضروري التذكير بأن بعض السلوكيات من قبل الإسلاميين يفهم منها الحرص على العودة إلى ما كان غير مقبول في الماضي، من حيث التكميم وعدم قبول الانتقاد، وتزداد خطورة هذا الأمر حين يتم تلبيسها لبوسا دينيا. فمن المهم الفصل بين سلوك من يقومون بالعمل السياسي تحت مظلة الإسلام، وبين الدين كقيمة عليا لا ينبغي لأحد أو جهة احتكارها أو التسبب في الإساءة لها.
التغيير الذي يصيب المجتمعات العربية، والاستعمالات الخاطئة للسلطة من قبل النخب السياسية الجديدة، وكذلك الاستخدام الخاطئ للحرية من قبل معارضيها، ربما تكون مفهومة بالنظر الى حداثة التغيير. لكن ما يجب الإصرار عليه هو أن تنمّى لدى المجتمعات قوى التعديل الذاتية التي تسمح بالمرور من المرحلة بخسائر أقل على مستوى الهوية، وقبول الآخر مهما اختلف سياسيا. إن فكرة التشارك والعمل تنطلق من أن الاختلاف هو الأساس وليس التوافق الكامل، وأن الاختلاف يمكن أن يغذي قدرات المجتمع الإيجابية، وأن يدفع قوى التعديل الذاتي لكي تقوم بدورها.
من المهم الابتعاد عن خلق مقدسات سياسية جديدة تقيّد حركة المجتمع، وكذلك عدم السعي إلى صناعة الأبطال من الخصوم. فالخصوم لكل من في السلطة إنما يستندون في قوتهم إلى عدم القدرة على التعامل معهم وشيطنتهم. وكلما تقبل الإسلاميون وغيرهم المعارضة كفرصة للتصحيح أو التأكيد على صحة النهج، كانت البيئة السياسية صحية أكثر.

[email protected]