الناس والوزراء في الأردن

حين تتغير الحكومات ينتشي الناس في الأردن. الحكومات تسير معهم، السياسة في خبزهم، وفي مجالسهم ومقاهيهم. بات الإعلام الالكتروني يتكفل بالترشيحات، وصادر من الصحافة الورقية متعة السبق، وألغى احتمالية أن ينام الناس بلا حكومة ويصحوا على حكومة.

اضافة اعلان

الأسماء تأتي وتروح، مع حل أي حكومة، وهنا يمارس الناس تقليدا جميلا، يذهبون للوزراء الخارجين، من باب التواصل وتأكيد الثقة على أنهم أدوا وأحسنوا، وكل وزير محترم يرسم بذات يوم التعيين مشهد الوداع، يقول هل الذين جاؤوني مهنئين سيأتون بذات الكثافة يوم الوداع؟

الجواب مشروط بـ"إذا"، وهي شرط على الأداء، وثقة الناس بصدق أي وزير أو مسؤول معهم مرهون بالنزاهة، وبأنه لم يتخذ الوزارة بابا للثراء. الناس يذكرون حاكم القاضي وحابس ويذكرون محمود الكايد وذوقان الهنداوي وعبدالوهاب المجالي.

يذكر الناس أن عبدالسلام المجالي يأتي إلى المخبز في إحدى قرى الكرك ويقف على الدور، وأنه عاقب عدة محاسبين من مطعم الجامعة الأردنية عندما كان رئيسا لأنهم كانون لا يقطعون له فاتورة الوجبة الخاصة به.

الناس يذكرون وصفي باشا، في وطنيته وصدقه وطفره، والطفران في الأردن صفة مدح، لكن الناس شهدوا في السنوات الأخيرة وزيرا يذهب ليداوم بعد المغرب في شركة خاصة بالأدوية وهو وزير عامل، ويتدالون اليوم كيف يفرض وزير على متعهد تغيير أثاث مكتبه بعشرين ألف دينار وشراء كاميرا تصوير بمبلغ 15 ألف دينار كي يصور معاليه المشاريع عندما يخرج لتفقدها. وأيضا يقولون إن الوزير الذي خلف ذاك الوزير أصر على تغيير الأثاث القديم الذي لم يكن عمره أكثر من أشهر بذات المبلغ.

يعرف الناس أن مديرا للجمارك رفض مغادرة موقعه بعدما طلب إليه ذلك رئيس حكومة، وطالب الرئيس بأن يرسل له الجيش. وهذا بحد ذاته تخل عن فكرة الدولة، وفوقية ترسم هيمنتها لأن سعادته محسوب على قوى وأذرع متعددة، ولانه يعمل بنفس الوالد. هؤلاء وغيرهم هم الذين قادوا البلد لحالة الانسداد التي تعيشها اليوم في آفاق الإصلاح والحرية والتنمية. وأولئك هم الطبقة التي تحكمت بالناس. ولكن نحن على ثقة أنهم عندما يغادرون موقعهم لن يجدوا الناس بباب دارهم ليشكروهم على عطائهم وجهدهم، وبالكثير تصدفهم في مقهى أو ناد صحي يخففون من الترهل الزائد من قوت الشعب.

بلا شك، اليوم هناك وزراء من ذات القماشة الوطنية في الصدق التي منها أحمد العقايلة وخالد الغزاوي وعزالدين التميمي ومحمد خير مامسر وآخرون يضيق المقام بحصرهم، لكنهم للأسف قلة، وأضحوا بمنظار الكثيرين عقليات قديمة، والسبب أنهم يقفون مليا عند صرف المال العام ويدققون في العطاءات ويرفضون الرشاوى.

خلاصة الأمر، الرهان في الأردن ليس على نَسب الوزير وحصافته وشهادته الجامعية، بل على الصدق والنزاهة. والوزراء الذين يشتاق إليهم الناس هم الذين قد لا يملكون أجرة صيوان جميل يستقبلون به المهنئين، وإن تمكنوا من ذلك، يفرح الضيوف والمهنئون عندما يكون صباب القهوة من أهل الدار وليس موظفا من فندق خمس نجوم أو مكتب خيم ومناسبات.

[email protected]