الوطن أرق وأطيب

يقال إن معرفة المشكلة وتحديدها والاعتراف بها نصف الحل، ويكتب الصحافيون عن الكثير من المشاكل، وفي بعض الأحيان يقترحون حلولاً لها، كذلك بالنسبة لنواب الشعب، الذين يحاولون - بأعلى أصواتهم - تحديد المشاكل والمطالبة بحلها بأسرع وقت، وهو ما تفعله الحكومات أيضاً حين تبادر إلى الإعلان عن رغبتها في ايجاد الحلول ووضع الخطط والاستراتيجيات المناسبة، فيظن الجميع، وخاصة الشعب، أن المشكلة قد حُلت أو أنها في طريقها للحل.

اضافة اعلان

تحدثنا في الأسابيع الماضية عن ضرورة تفعيل وإقرار مشروع قانون المساءلة الطبية مثلا، وجاء وزير الصحة الجديد وأعلن فورا رغبته في تحريك وتفعيل مثل هذا القانون، وأبدت المؤسسات الطبية استعدادها للتعاون، ولكن على أرض الواقع لم يحدث شيء!

الهوة الكبيرة، أو الفجوة التي تنتج بين اعتقاد الناس أن المشكلة قد حُلّت، وبقائها وتمكنها وعدم حلها، هي مشكلة جديدة أكثر تعقيداً، تشبه اعتقاد المريض أنه بمعرفة الداء قد أزال المرض، وأنه شُفي تماما، ولكن المرض ما زال ينتشر ويتمادى ويسيطر على الخلايا السليمة ويذهب لتدميرها، وبعد حين سيموت ذلك المريض، فقط لأنه اعتقد أن حديثه إلى زوجته وأصدقائه عن وجود المرض، أو عن مراجعاته المتكررة للطبيب، والوصفات التي حصل عليها - ولكنه لم يستخدمها- كافية لعلاجه، فأصبحت المشكلة مشكلتين، ولكن الثانية، وهي الظن والاعتقاد بالشفاء، فقط من خلال الحديث عنها، أكثر خطورة، عدا عن المأساة التي يمكن أن تحدث، إذا لم يتم الاعتراف بوجود مشكلة أصلاً أو كان تشخيصها وعلاجها غير صحيح، وكذلك ما أشار إليه الزميل محمد الحسيني الأسبوع الماضي، من تحوّل المشكلات من طبيعتها المعروفة إلى نقاشات حول الأشخاص الذين يكتبون ويتحدثون عنها أو الجهات المعنية بحلها، وتضيع "الطاسة"، فتنسى الناس أن هناك مشكلة أصلاً، ويصبح الخلاف، كما قال الحسيني: هروبا إلى الأمام!

يظنّ بعض الناس، أن الحكومة تُخصص باحثين مدربين، لتقصي المشاكل والاقتراحات كافة، وأن لديها متخصصين، في متابعة وعلاج كل مشكلة يتحدث عنها الكتّاب والنواب والأعداء والأحباب، وهذا غير صحيح، وعلينا أن نكون متأكدين من ذلك، ومتيقنين أيضاً، أن المشاكل ما تزال قائمة وموجودة، كما أنه ليس صحيحا أن ما تفعله الحكومات، للترويج لخططها وبرامجها التنفيذية، والتلميح لقرب انتهاء المشكلات وانقشاع الأزمات، يعتبر حلاً نهائيا للقضايا، ونفعل ذلك حتى لا نقع في المحظور، فلا شيء يدل بشكل قطعي على انتهاء المشكلة سوى ملامسة حدوث التغيير في الوطن، الوطن الذي يستحق جدية مطلقة في التعامل مع أزماته والبحث عن حلول لها، ولا يتحقق ذلك من خلال تقديم الكتاب ردودا ومبررات وحججا لا يميزها غير الإنشاء.

الوطن أغلى من الخطاب الانشائي وأطيب كثيرا من حملة المباخر والتبريرات الجاهزة.

[email protected]