الوطن البديل: أصل بنسختين

مقولة الوطن البديل أصل إسرائيلي، له صورة أردنية بنسختين مختلفتين؛ نسخة لبعض الأردنيين من أصول شرق النهر، والثانية لبعض آخر من أصول غرب النهر. وفرضيات الأصل الإسرائيلي تنتمي لعالم أحلام الدولة العبرية، نظراً إلى استحالة شروط نفاذها، وهي ضم الضفة الغربية، وإلغاء وجود فلسطين ارضاً وشعباً، وإذعان فلسطيني وأردني وقبول عربي ودولي. أما الصورة بنسختيها المختلفتين لدى فريقين من بعض الأردنيين، فتأتي بوحي من "فوبيا" ضعف وارتباك اللحظة الراهنة، أردنياً وفلسطينياً وعربياً.اضافة اعلان
إسرائيل تطرح الوطن البديل من حقيقة اللايقين التي تلازمها منذ أن نشأت، ولدواعي عدم الثقة التي تستولي على مراكز التفكير الاستراتيجي لديها على المدى البعيد. وهي تستعين به أيضاً للهروب إلى الأمام من الأزمة الديمغرافية العميقة التي تعيشها، ليس نتيجة التزايد السكاني العربي داخلها وحسب، بل وأيضا بسبب تزايد نسبة اليهود الشرقيين والمتدينين في الوسط اليهودي. كما تستخدمه لإرباك الطرف الفلسطيني في المفاوضات التي لا تريد لها نهاية، تماماً على نحو ما استجد من طرحها ليهودية الدولة. وهي تريد فوق ذلك، إدامة بث الشكوك بين الأردنيين من شرق النهر وغربه، للنيل من الوحدة الوطنية واستقرار الدولة الأردنية.
نسختا الوطن البديل المختلفتين المتداولتين في الأردن، يؤججهما في الغالب -وأنا هنا أتحدث عن التأجيج فقط– فريقان لكل منهما أجندته الخاصة؛ الأولى لأصحاب نفوذ رسمي من أصول شرق النهر، يثيرون الفكرة تحسباً لأي مشاركة واسعة محتملة لهم في إدارة الدولة من قبل مواطنين من أصول غرب النهر. أما الأجندة الثانية فلشاكين من أصول غرب النهر، أو متضررين من سطوة قيادات الدولة من أصول شرق النهر على مصالحهم، وبخاصة الاقتصادية منها. الفريق الأول لا يريد مواطنة كاملة للفريق الثاني، والفريق الثاني يصبح أكثر تمسكاً بالمواطنة الكاملة ويرفع صوته عالياً لأنه لا يرى مسوغاً للانتقاص من المواطنة تحسباً لتبعات الطرح الإسرائيلي.
الشكوك المتبادلة بين المواطنين من أبناء الوطن الأردني الواحد بدأت من تنازع الأردن ومنظمة التحرير على ولاء الأردنيين من أصول فلسطينية، منذ نشأت المنظمة أواسط الستينيات من القرن الماضي. وزاد عليها قرار قمة الرباط العام 1974، الذي أعطى منظمة التحرير شرعية ووحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني. وانتعشت هذه الشكوك مع قرار فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية في العام 1988. ومن المؤسف أنه لم تبذل الجهود الكافية لإطفاء هذه الشكوك حتى اللحظة.
الميثاق الوطني الذي تم التوافق عليه العام 1990، كان خطوة مهمة لوأد الشكوك، لكنه ما لبث أن توارى عن المشهد، ولم يعد له ذكر. ومع عبثية مفاوضات السلام، والانقسام الفلسطيني، وإشكالية حقوق المواطنة للمواطنين الأردنيين من أصول غرب النهر، تستمر الشكوك بين أبناء الوطن الأردني، لتبقى إسرائيل هي المستفيد الأول من ذلك.
إلغاء أثر فزاعة الوطن البديل الإسرائيلية الأصل، وصورتها الأردنية بنسختيها، لا يكفيه الاتكاء على ما بنيت عليه من فرضيات وهمية، أو على اتفاقية السلام مع إسرائيل كما اعتقد البعض. وإنما يتحقق ذلك، أولاً وقبل كل شيء، بقوة الوحدة الوطنية المستندة إلى حقوق المواطنة المتساوية للجميع، مع السخاء بمزيد من خطوات التحول الديمقراطي؛ فلا ضامن لأمن الوطن وسلامته أفضل من جبهة داخلية موحدة. والتغاضي عن التحديات لا يقدم حلولاً لها، وتكون الحال أسوأ عند عدم الاعتراف بها، لأن ذلك يؤدي إلى تفاقم آثارها.
وثيقة الميثاق الوطني 1990، ووثيقة لجنة الحوار الوطني 2011،  يمكن أن تكونا، بما تضمنتاه من توافقات، أساساً للتقدم باتجاه الحل المطلوب.

[email protected]