تأهيل الجهاز الرسمي والفني إنسانيّا

في حلقةٍ عن بعضِ هموم المرأة في الأردن على فضائيّة دوتشه فيلله الألمانيّة، أذيعت قبل أسابيع، وشارك فيها محامٍ معروف وموظفٌ كبير في وزارة الداخليّة حول موضوع منح أُسر الأردنيات الجنسيّة الأردنيّة، وموضوع التحرّش. وبغضِّ النظر عن وجهة النظر الإقليميّة التي تتخفّى وراء منطق التوطين والقضيّة الفلسطينيّة، فإنَّ ما قامَ به الشخصان وما قالاه وما علّقا به يندرجُ جملةً وتفصيلاً تحت بند Politically incorrect، وهو أحد مظاهر التحيّز التعصّبي المرضي الذي تعاني منه مجتمعاتٌ وأفرادٌ لم يتعرضوا بما يكفي لاحترام الآخر المختلف، وللقبول باختلافه. وهي آفةٌ تظهرُ في الاستهزاء من لهجة الآخر أو لونه أو عمره أو جنسه أو من ميوله الجنسيّة أو من أفكاره أو من بلده، أو من دينه وغير ذلك. كما تظهر هذه الآفة مقدار وحجم ما تعرّضَ له أطرافُ الحوار من الثقافة الديماقراطيّة التي تصرُّ على أن يكون الحوارُ معنياً بمناقشة الأفكار لا من يطرحها، وعلى تجنُّبِ البعدِ الذاتيّ والخوضِ في سيرة الأطراف، كمطعنٍ عليهم.اضافة اعلان
كلُّ هذه المحاذير حدثت في الندوة أعلاه؛ فالمحامي عالي الصوت غير الملتزم بشيءٍ من آداب الحوار، أظهرَ احتقاراً شخصيّاً متغلّفاً بحبٍّ مزيّفٍ للأردن، للصبيّة التي أعلنت أنها تعرّضت للتحرّش، وعندما ذهبت إلى المخفر لتشكو تحرّش بها رجلُ الأمن هناك. فهو أنكرَ عليها أن تكون أردنيّة لأن "الأردنيات" –حسب قوله- " لا يظهرن على الإذاعات"! أي أنه أدان ظهور الفتاة كفعلٍ منافٍ للأخلاق! كما أنه سألها عن عمرها، ولكان لها أن لا تجيبه لأنَّ هذا ليس من شأنه، وأنه مسألةٌ شخصيّة، ولكنها عندما أجابته 21 سنة، علّقَ قائلا :"إذا عمرك 21 وعملت كل هذا، شو خليتِ لبعدين؟" يعني أن حضرة المحامي يطعنُ في "شرف" الفتاة المتمثّل بتعرّضها للتحرّش، وبظهورها في حلقةٍ عن التحرّش. ولا أدري ما تركه المحامي لأولئك الذين أعلنوا أنهم سيقتلون أخواتهم إذا ما خرجنَ إلى العمل، ممن قابلهم المذيع في وسط البلد في عمان!
أما الموظف الكبير فهو إلى صخبه غير المبرّر وغير اللائق، فقد أظهرَ جهلاً شنيعاً بقواعد احترام الآخر. فهو قد سخر من لهجة المذيع اللبنانيّة، ودعا له دعاءً سمجاً أن يزوّجه اللهُ أربع نساء!! وكأنه آتٍ من العصور الوسطى، وسخر من المحامية المحترمة التي كانت تبيّن كيفَ أنَّ القانون الأردني ميّزَ ضدّ النساء بقوله "إذا القرآن ميّز ضد النساء فكيفَ لا يميّز ضدكنَّ القانون؟".. وأتساءل: ترى هل يصلح المحامي أعلاه أن يمارسَ هذه المهنة بعد أن تحرّشَ علانيّةً بفتاةٍ كانت تتحدث عن التحرّش؟ فالتحرّش ليس جنسياً فحسب، وهذا نوعٌ من أنواعه التي تصدر عن نظرة دونيّة إلى المرأة. وهل يصلح الموظف الكبير أن يكون مؤتمناً على حقوق الناس بينما هو يخلّ بأبسط هذه الحقوق في الاحترام والمساواة؟ وترى ما نوع المعاملة التي ستلقاها النساء من "عطوفته" إذا ما قصدنه في معاملة أو مشكلة؟ هل سيذكرهنَّ أن "الشرع" لم يساوِ بينهن وبين الرجال؟
تأهيل الخاصّة من الموظفين وأصحاب المهن السياديّة مطلبٌ سياديٌّ؛ إذ لا يستقيمُ هذا الخلل مع ادعاءاتٍ عريضةٍ في احترام الإنسان وتمكين النساء، بينما أفرادٌ يمثلون شرائحَ مهمة في المجتمع يلوكون هذه اللغة الفجّةَ والأفكار منتهية الصلاحية.
دعونا لا نفقد الأمل!