ديكنا "الشراني"

نعلن الطوارئ، زوجتي وأنا، حين يحين موعد "تفسيح" دجاجاتنا الثلاثين. فالبيت الرابض على رأس تلة غرب قرية مليح، يجاور أرضا فلاة، تكثر فيها الثعالب "حصينيات" التي تغير عادة في غفلة منا لتأخذ ما تعتقد أنه حصتها من اللحم المجاني.اضافة اعلان
مرد الطوارئ غارات كثيرة شنتها "الحصينيات" على دجاجاتنا التي نحفظها في حدقات عيوننا؛ فهي توفر لنا البيض البلدي "أبو ندهتين" على مدار الساعة، ونبيع منه أحيانا ما يساوي ثمن الشعير الذي اشتريه لغذاء القطيع الصغير الذي أصبح موضع حسد قاتل عند "الحصينيات".
نشتري أدوية؛ الوقائي منها والعلاجي، لتحصين دجاجاتنا أمام الأمراض. لا بل إني أسخر السيارة في مشاوير كثيرة بحثا عن علاج أو مراجعة للبيطري بإحدى الدجاجات إن أصيبت بمرض نخشى أن يكون فتاكا، فنحن عائلة تحاول أن "تحافظ على رزقها"، وأن تقتصد وتنوع الدخل لمساعدة الراتب أدام الله بقاءه.
بعد سنوات من "معايشة" الدجاجات التي كانت فراخا كبرت تحت ناظرينا، نسجنا مع بعضهن علاقة حميمة، حتى إننا نقترب منهن ونمسكهن بدون أن تفر إحداهن هاربة، إلا ديكا ابتعناه كبيرا فهو: "شرّاني" بامتياز؛ تفر منه الدجاجات والديوك الصغيرة التي لا تنافسه في سطوته وحضوره المهيمن على المكان.
الديك إياه، أقصد "الشرّاني"، حدث أن قتل ديكا ربيناه صغيرا، فتألمنا لمقتله المفجع. إذ ما إن حطت قدما "الشراني" بين القطيع، حتى انسحب ديكنا الحبيب من وسط الحدث إلى الباحة الخلفية للمشهد. كان المسكين "يمشي الحيط الحيط"، لكن سلوكه ذاك لم يشفع له أمام عدوانية القادم الجديد، حتى كان صباح يوم جمعة في الخريف المنسحب، لنتفاجأ بهجوم دامٍ يشنه الديك الشراني على ابن جنسه المسالم، فكانت الضربة القاضية التي راح ضحيتها ديك نحفظ له ذاكرة جميلة. ترحمنا عليه، وضربنا أخماسا في أسداس في بحث أمر حماية القطيع من عدو لا يواري فجاجته حتى إزاء الإناث الرافضات معاشرته.
استقر الرأي على أن نولم عليه في "مقلوبة" الجمعة، على الرغم من معرفتنا أن لحمه لن يكون شهيا، بالنظر إلى عمره الطويل نسبيا؛ فهو ضخم، ويمشي مثل طاووس متوج.
صباح الجمعة الموعودة، ذهبنا زوجتي وأنا إلى "البركس"، ويا لهول الصدمة! كان الديك ملقى في الوسط جثة هامدة، لا بل إن إحدى الدجاجات كانت تنقر في مذبحه وكأنها تثأر منه ومن طغيانه. بذا صارت دجاجاتنا بلا ديك يدنس شرفهن بقسوة وفضائحية.
لم نعرف على وجه التحديد سبب مقتل الديك، لكن قناعتنا استقرت عند أن الدجاجات اجتمعن على التخلص منه في لحظة سهو. أي أن الأمر لا يعدو كونه تصفية حساب جاءت متأخرة.
ديكنا المتغطرس رحل على الرغم من أنه كان لا ظل إلا ظله؛ ديكنا رحل وكلنا أمل أن لا تقبل دجاجاتنا في قادم الأيام أي ديك لا يحسن "التصرف"، مهما كانت الظروف.

[email protected]