طهران وواشنطن: ما بعد الانسحاب الأميركي!

مع انسحاب أكثر من نصف القوات الأميركية من العراق بنهاية هذا الشهر، يطرح تساؤل حول مستقبل الدور الإيراني في العراق، هذا السؤال يرتبط كذلك بالتبعات الأمنية والسياسية سواء المتعلقة منها بالوضع في العراق أوالوضع في إيران.

بالنسبة لإيران، فإن الانسحاب الأميركي هو نجاح في التخلص من مصدر للتهديد، هذا المصدر متمثل في العدد الكبير من القوات على مقربة من الأراضي الإيرانية. إيران كما هو معلوم قلقة من الوجود البحري في مياه الخليج، لكن لا يبدو أن لديها من وسائل الضغط ما تستخدمه لإنهاء ذلك الوجود. المهم في هذا السياق أن إيران تبدو قد استفادت من هذا الوجود في تعزيز موقعها التفاوضي بالنسبة لملفها النووي طوال الخمس السنوات الماضية.

ولعل المفاوضات الأميركية الإيرانية حول أمن العراق ما هي إلا مؤشر على قدرة الطرفين على الاستفادة من الورقة العراقية لتأمين مصالح وأوليات خاصة بكل بلد.

إيران، ورغم التأييد والفرح لسحب هذه الأعداد من القوات الأميركية، لا تبدو أنها تعتبر أن قصة الوجود الأميركي في العراق قد انتهت، وهي تبدو أكثر ثقة على أنها قادرة على التعامل مع ما بعد الانسحاب الأميركي، لا سيما في ما يتعلق بحضورها السياسي والأمني داخل العراق وقدرتها على التحرك.

ذلك التحرك الذي لم يمنعه حضور أكثر من 160 الف جندي أميركي في العراق طوال السنوات السبع الماضية، ذاته التحرك الذي اعتبرته التقييمات الأميركية مسؤولا عن ربع الخسائر البشرية الأميركية في العراق خلال احتلال تلك القوات للعراق، فإذا صحت التقديرات الاميركية بأن الخسائر البشرية في العراق كانت 4400 فإن أكثر من 1500 جندي أميركي قد قتلوا بسبب الدعم الإيراني لجماعات مسلحة في العراق، كما تقول واشنطن.

إيران، إعلاميا، تنفي مثل تلك التقييمات لكنها بالتأكيد لن تهملها عند دراسة سبل التعامل مع مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي.

اضافة اعلان

بانسحاب أكثر من نصف القوات الأميركية، يتراجع عدد الأهداف التي يمكن ان تستخدمها إيران ضد الولايات المتحدة، كما أن القراءة الأولية تتحدث عن إمكانية أن تملا إيران الفراغ الذي تتركه القوات الأميركية، لكن هذه القراءة تتجاهل حقيقة أخرى، ربما يراها الباحثون في حقل العلاقات الدولية، ومفادها أن العراق بانسحاب القوات الأميركية قد يصبح "لقمة" يصعب بلعها، ويعود مثل هذا التقييم إلى أنه مهما بلغت القدرة الإيرانية على التعامل مع مفردات العراق السياسية، فإنه قد يصبح مصدر استنزاف لقدرة إيران السياسية والأمنية، لا سيما مع احتمال بروز جيل سياسي عراقي غير راض عن الدور الإيراني في العراق.

[email protected]